ما بعد صفقة القرن .. وسبل المواجهة
تاريخ النشر : 2020-02-03 09:17

 أعلن ترامب عن صفقة القرن الأسبوع الماضى ورحبت بها اسرائيل بشدة فيما اعتبرتها بعض الدول ومنها دول عربية خطوة فى الاتجاه الصحيح يمكن البناء عليها مستقبلا ناصحين الطرف الفلسطينى بإعادة دراسة المبادرة الأمريكية وإعادة النظر فى قرار رفضها.

وأمام هذا المشهد  العصيب على الفلسطينيين والذى يمثل لإسرائيل مشهدا تاريخيا لم تكن تطمح يوما فى أن تراه فى أحلامها السياسية تبدو محدودية الخيارات الفلسطينية الواقعية أمرا مسلم به، فليس أمام الفلسطينيين إلا الرفض أو القبول والقارئ لبنود الصفقة يدرك جيدا أنها مصممة فى الأساس لكي يرفضها الفلسطينيين؛ فالرفض الفلسطيني هو فى حد ذاته جزء من ميكانزمات  تطبيق هذه الصفقة؛ ولم يكن مصادفة أن أعطت  الادارة الأمريكية مهلة أربع سنوات للفلسطينيين لدراسة الصفقة والرد عليها؛ لكن فى المقابل ما الذى يراد له أن يتغير خلال تلك السنوات الأربع القادمة ليسمح للإدارة الأمريكية وإسرائيل بإضفاء طابع الشرعية على هذه التسوية:

1.    الواقع  الديمغرافي على الأرض

ستتجند الحكومة الاسرائيلية القادمة بعد انتخابات الكنيست فى مارس القادم فى تكثيف التغيرات الديمغرافية فى واقع الضفة الغربية طبقا للخارطة المنشورة ضمن صفقة القرن لما سيكون عليه شكل الكيان الفلسطيني؛ فخلال السنوات الأربع ستضاعف اسرائيل من حركة الاستيطان فى منطقة الأغوار والقدس بحيث تتغير المعادلة الديمغرافية على طول نهر الأردن وفى القدس الكبرى وفى مستوطنة معالي أدوميم بشكل خاص؛ وقد يتخلل ذلك امتداد الجدار العازل ليطوق السواد الأعظم من مناطق الكيان الفلسطينى كما ظهر فى الخارطة ذات الصلة بالصفقة بحيث يصبح من المستحيل عمليا تغيير هذا الواقع على طاولة المفاوضات فى أى مباحثات تسوية قادمة مستقبلا؛ وفى المقابل ستواجه اسرائيل معضلة قانونية وأخلاقية في التعامل مع قرى المثلث التى تقترح الصفقة ضمها إلى الكيان الفلسطينى جغرافيا وديمغرافيا؛ وهذا قد يشكل نقطة تحول خطيرة فى علاقة فلسطينى 48 باسرائيل قد يؤدى إلى توسيع رقعة الصراع الديمغرافي بين اسرائيل ومواطنيها من الأقلية الفلسطينية ليشمل ميادين أخرى أكثر دراماتيكية فى السنوات القادمة.

2.    الواقع السياسي

ستحاول اسرائيل خلال السنوات الأربع القادمة إقناع السلطة الفلسطينية بقبول الصفقة عبر سياسة العصا والجزرة الاقتصادية؛ وهى فى هذا الاطار ستكون كمن يمشي على حبل معلق فى الهواء خشية من أن تؤدى إحدى ضربات تلك العصى إلى انهيار كل شي بشكل دراماتيكي؛ وستراهن اسرائيل فى هذا الصدد على عامل الوقت واستفرادها بالفلسطينيين فى سبيل زعزعة صمودهم ودفعهم نحو الاستلام؛ وثمة خيار آخر أمام اسرائيل يتمثل فى إيجاد سلطة فلسطينية  محلية بديلة أو حتى موازية بشكل مرحلي تقبل بالصفقة؛ وفى هذه الحالة سيكون على اسرائيل  مهمة سحب ما تبقى من صلاحيات للسلطة على السكان فى الضفة الغربية لصالح تلك السلطة البديلة؛ والتى من الممكن أن تتخذ شكل سلطات عشائرية ومناطقية فى كل مناطق الضفة.

وهنا نعود بالتاريخ للمحاولات الاسرائيلية الدؤوبة التى قامت بها اسرائيل فى استحداث قيادة محلية بديلة لمنظمة التحرير خلال القرن الماضي؛ لكن اسرائيل سيكون عليها دفع ثمن باهظ لذلك  على صعيد الاستقرار والأمن إذا لم  تفلح  تلك المحاولة؛ وفى تلك الحالة ستكون اسرائيل قد ارتكبت خطأها التاريخى القاتل عبر العودة بالأمور فى الصراع إلى النقطة التى كان عليها قبل عقد اتفاق أوسلو عبر معادلة شعب أعزل يواجه جيش احتلال مدجج بالسلاح وجها لوجه  وسيكون على إسرائيل تحمل مسؤوليتها القانونية كسلطة احتلال.

3.    الواقع الاقتصادى

خلال السنوات الأربع ستحاول إسرائيل ربط  أكبر عدد من الفلسطينيين بالاقتصاد الاسرائيلي  خاصة فى الضفة الغربية بينما ستكون الورقة الاقتصادية ورقة مساومة كبيرة تجاه قطاع غزة  بحيث تربط اسرائيل أى تحسن فى الأوضاع الاقتصادية بمدى تماهى غزة مع صفقة القرن؛ وهنا لا يستبعد أن تحول اسرائيل تلك الورقة الاقتصادية إلى ورقة مساومة على سلاح المقاومة فى مرحلة متقدمة من الصفقة؛ وفى هذا الصدد فإن على غزة أن تدرك خطورة الأوضاع المستقبلية  كون أن الصفقة تربط أى تغير فى أوضاع غزة بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية؛ وهذا يعنى ببساطة أن قطاع غزه سيكون مستقبلا على مواعيد متكررة من التصعيد سيكون الهدف الأساسي منها تدمير أكبر قدر من البنية العسكرية عبر القصف الجوي وصولا إلى اليوم الذى تنتظره اسرائيل والذى ترى غزة فيه كيانا مستقلا عن باقى أجزاء فلسطين التاريخية؛ وهذا وإن كان يخالف بنود الصفقة فإنه يمثل غاية اسرائيلية ويقع ضمن تحفظات اليمين الاسرائيلي على البند الذى ينص على إنشاء ممر أمن بين الضفة وغزة .

إن التصدى لصفقة القرن لن تكون مهمة سهلة على أى قيادة فلسطينية؛ ولكن هذه المهمة سوف تكون أيسر بكثير كلما كان هذا التصدى شعبي جماهيري مطلق العنان؛ وعليه فإن مهمة القيادة الرئيسية اليوم تكمن فى تفعيل دور الشعب.

 وإن تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل الوجود السياسي الفلسطينى على هذا الأرض فعلى الشعب الفلسطينى أن يذكرهم بطريقته الخاصة التى يفهمونها الطغاة السذج .