كتاب عن المرأة "الحريدية" يفضح "مُدَّعية الديمقراطية"
تاريخ النشر : 2020-01-19 06:46

على قاعدة "اعرف عدوك"، لم يتوانَ الكاتب الفلسطيني توفيق أبو شومر طوال عقودٍ مضت من عمره، عن متابعة تفاصيل حياة المجتمع الإسرائيلي من الداخل، فاهتم بملاحقة الصحف العبرية، وبدأ يحتفظ بالمقالات والتقارير التي تتحدث عن طبيعة الشبكة المجتمعية الإسرائيلية، حتى جمعَ أرشيفًا ضخمًا.

ذلك الأرشيف اكتظ بمعلوماتٍ تتعلق بواقع المرأة "الحريدية" التي تنتمي لطائفة "الحريديم" الأقرب إلى الأصولية، والأكثر تدينًا في دولة الاحتلال، والكثير من القصص حول حجم ما تعيشه من ذلٍ وعنف باسم الدين، الأمر الذي دفعه إلى مزيدٍ من البحث حتى استوفى الحكاية، فجمع تفاصيلها في كتابٍ، أصدر منه الطبعة الثانية مؤخرًا تحت عنوان (قصص نساءٍ يهودياتٍ معنفات).

لم يكتفِ أبو شومر بأرشيفه الصحفي حين بدأ عملية البحث والكتابة، فالأمر كان يحتاج إلى دراسة المجتمع "الحريدي" عن قرب، يقول لـ نوى: "استصدرتُ تصريح عمل، وذهبت إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، بغرض التعرف عن قرب على ديدن حياة هذه المجتمعات المخفية".

لم يكن الأمر بالسهولة التي يمكن أن تعتقدها صديقنا القارئ، فالمجتمعات الإسرائيلية المتدينة، لا يسمح أفرادها للأغراب بالاقتراب من مناطق سكناهم، أو التوغل فيها، يقول أبو شومر: "استطعت أن أشاهد من خلال تجولي في بعض الأحياء، ما يمكن أن يعكس واقع المرأة هناك"، شارحًا بالقول: "في تلك الأحياء، لا يمكن أن تسير المرأة جنبًا إلى جنب مع الرجل، فالنساء لهن رصيف خاصٌ بهن، وللرجال رصيف".

ويؤكد أن أي امرأة هناك لا تستطيع أن تتمرد على الزي الذي يتوجب عليها ارتدائه، فجميع النساء هناك كُنَّ يرتدين نفس الملابس، والمرأة المتزوجة يجب أن ترتدي باروكة شعر".

من ضمن القصص التي أوردها أبو شومر في كتابه بطبعته الثانية، قصة طفلةٍ في الثامنة من عمرها، بصق عليها سائق الباص لأنها ترتدي بنطالًا، "فالمرأة المتمردة تتعرض للشتم والسب والتحرش من قبل الحريديم المتزمتين حتى ولو كانت طفلة" يعلق.

استعان أبو شومر بأصدقاء صحفيين، واعتمد على ملاحظته ومشاهداته خلال تجواله في الأحياء التي يسكنها الحريديم، يضيف: "هذه الحقائق غير معلنة، ولا يمكن لأي شخص عادي أن يلاحظها، وقد تمر عليه دون أن تشكل نقطة توقف، شقيقي يعمل هناك، وكان يتقن اللغة العبرية لكنه لم يكن يعرف أيًا من هذه الحقائق".

يزيد بنبرة استغراب: "هذا يؤكد أن إسرائيل تتعمد إخفاء حياة الحريديم، الطائفة المتدينة التي تسعى إلى تطبيق ما ورد في التوراة في كل شئون الحياة، وهي الحياة المغايرة تماماً لما تظهره في الإعلام".

يتجاوز الأمر لدى تلك الفئة الآخذة في الازدياد عددًا بفعل تحريم تحديد النسل في نصوصهم التوراتية، إلى اعتبار المرأة مجرد آلة للإنجاب، ومتاعًا يملكه الرجل، بينما هي يكمل أبو شومر: "لا تملك حق الطلاق، بل يمكن أن تبقى معلقةً العمر كله، إذا لم يمنحها الرجل شهادة الطلاق، فليس بإمكانها الطلاق من خلال المحكمة أو الحاخام، وهذا قمة الإذلال والعبودية".

ويتناول الكتاب المجتمع الحـريدي من الداخل، كما يظهر ويكشف زيف الديمقراطية التي تتغنى بها "إسرائيل"، حيث لم يكتفِ الكاتب بالمشاهدة والملاحظة إلى جانب الأرشيف الصحفي الكبير الذي يمتلكه، بل عاد لدراسة الدين اليهودي دراسة معمقة، ليكتشف أن المرأة في نظر رجال تلك الطائفة "ليست بشرًا"، بل "مجرد كائن نجس"، إذ لا يُسمح لليهودية المتدينة، بالبقاء في المنزل خلال فترة الحيض، فتخرج منه لمدة 12 يومًا، ثم تعرض نفسها على حاخامين يتثبتان من طهارتها قبل العودة إلى منزلها.

ممارساتٌ عدَّها الباحث أبو شومر "قمةً في الإجرام والإذلال والتحقير للمرأة"، داعيًا الباحثين والكتاب إلى الإبحار في ما جاء ضمن كتابه من عناوين بشكل أكثر توسعًا، " فالبحث في مغتسل الطهارة على سبيل المثال، قد يكشف مصائب مخفية تحت ستار الدين" يزيد.

ولا يسمح المجتمع الحريدي لأبنائه عموماً باستخدام التكنولوجيا بأشكالها المختلفة، فيحظر عليهم نشر صور المرأة في الصحف أو في اعلانات الشوارع، كما يوجد فصل في المدارس بين الحريديات الشرقيات والغربيات، ومفاضلة في التوظيف إذ تُمنح الوظائف العليا للغربيات غالبًا، بينما نساء الفلاشا تأخذ الوظائف الدنيا، "وهذا يرسّخُ لأبشع أشكال العنصرية" يعلّق.

يعتقد الكاتب أبو شومر أنه من المهم ترجمة هذا الكتاب للغات مختلفة، لدحض الرواية الإسرائيلية، حول كونها "أم الديموقراطية"، وفضح هذا الواقع الممارس حتى اليوم والآخذ في الازدياد.