غزة في حضرة المنخفض.. "حسكات" لنقل سكان الأحياء الغارقة
تاريخ النشر : 2020-01-10 19:53

إن مجرد الحديث عن منخفضٍ مُرتقب، يعني لسكان حي "الوفية" غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، أن موسم الحجيج إلى أسواق المدينة لجلب احتياجاتٍ تكفي منازلهم لأيامٍ قادمة بات وشيكًا.

الخروج أثناء المنخفض يعدُّ ضربًا من الجنون بالنسبة لعشرات العائلات التي تقطن الحي الذي تتجمع فيه مياه الأمطار القادمة من حي الأمل والمعسكر، وتتخطى أزقته لتدخل البيوت بلا أي مانع، كون المنطقة هي الأكثر انخفاضاً في محيط المدينة.

"بيات شتوي، هذا هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يختصر علينا مكابدة زخات المطر التي ننتظرها طويلًا"، تقول المواطنة أم كامل وافي وهي تتفقد أكياسًا تحملها بيديها، متابعةً: "الشارع سيئ جداً، حتى السائقين يرفضون الدخول إليه بسبب كثرة الحفر، ونضطر إلى السير على أقدامنا عشرات الأمتار، حتى وإن كانت الدنيا تمطر".

تصف وافي حالة الحي خلال المنخفضات كل شتاء بأنها "الأسوأ على الإطلاق"، وتكمل: "لا نستطيع أن نتحرك خارج بيوتنا إلا للضرورة القصوى".

وتجتاح المياه –تبعًا لشهادات سكان الحي- المنازل كل شتاء، مخلفةً أضرارًا جمة، ناهيك في الأرضيات والأثاث، بينما يضطر سكان الطوابق الأرضية للنزوح إلى الطوابق العليا تاركة بيوتها للمياه الموحلة التي احتلتها فجأة.

ليس حي "الوفية" وحده، فحالة الطوارئ التي تنتاب الكثير من مدن وأحياء قطاع غزة مع قدوم فصل الشتاء كل عام، وتحديدًا مع كل إعلان عن اقتراب منخفضاتٍ قوية، في ظل تهالك البنية التحتية، تجعل عددًا كبيرًا من المواطنين لا يرحبون بفصل الشتاء، بل ويجدون فيه ضيفًا ثقيل الظل، رغم درايتهم الكاملة لأهميته في دعم المخزون الجوفي، والتربة، والأشجار، ودوره في تخليص الجو من كل ما علق به من فايروسات مسببة للأمراض.

"كيف سأحب الشتاء وأنا أمضي ليلي ونهاري، أحاول الهرب من تسرب المياه عبر الشقوق الجانبية ووالفتحات في السقف المغطى بألواح الزينقو؟" تتساءل المواطنة ليلى النجار 46 عاماً، وتقول: "مع كل إعلان عن منخفض، تجتمع المخاوف بداخلي، أشمر عن ساعدي وأبدأ بتحضير الأواني وكل ما يلزم لتجميع المياه، تفاديًا لغرق أولادي في مياه الأمطار وهم نيام".

النجار هي أحد متضرري عدوان 2014م، وقد تأثر منزلها بالقصف ولم تتلقَّ تعويضًا حتى اليوم، وهي ككل من في مثل حالها، تتضاعف معاناتها مع قدوم فصل الشتاء.

وليس حال الشوارع بأحسن من الحال في منزل المواطنة النجار، ففي قطاع غزة عمومًا، شوارعٌ ببنية تحتية مهترئة، ما أن يهطل المطر حتى تجري المياه فيها كالجداول، وقد يصل الحال بسكانها أحيانًا من أجل الوصول من مكان إلى آخر استخدام "حسكة" (قارب صغير) خلال هطول الأمطار بدلًا عن السيارات.

يضع المواطنون اللائمة على البلديات ويتهمونها بالتقصير، لكن المهندس محمود القدرة نائب مسئول لجنة طوارئ الشتاء في بلدية "خان يونس" ذكر أن الإشكالية غير مرتبطة بشكل أساسي بالبلديات التي تعد العدة في كل عام لموسم الشتاء، وما يصاحبه من أضرار تؤثر على حياة المواطنين وفق إمكانياتها المتاحة.

يفند القدرة أسباب غرق بعض الأحياء بشكل كامل، وارتفاع منسوب المياه في الشوارع مع هطول الأمطار، بقوله: "حالة الغرق التي تحدث في شوارع وأحياء قطاع غزة تعود بشكل أساسي لهشاشة البنية التحتية للشوارع، التي تحتاج إلى تطوير يتناسب مع التغيرات على الأرض من حيث ارتفاع عدد المباني والسكان، على حساب رقعة الأراضي الزراعية التي كانت تتسرب إليها مياه الأمطار وتخفف من حدة الأزمة".

وتابع: "البلديات ليست بأفضل أحوالها، وهي بالكاد تتدبر رواتب موظفيها بالحد الأدنى، ولا تمتلك قدرات وإمكانيات لتعتمد السياسات التطويرية، كون الأمر بحاجة إلى موازنات ليس باستطاعتنا توفيرها في ظل الأوضاع الحالية".

وقال: "على سبيل المثال فيما يخص حي الوفية الذي يغرق سنويًا، ويتعرض لأضرار كبيرة، فقد تلقى رئيس البلدية قبل عامين وعدًا من أحد المانحين بتوفير التمويل اللازم لإصلاح البنية التحتية وحل المشكلة، التي لا يتطلب حلها أكثر من مليون ونصف دولار، إلا أن شيئًا لم يحدث على أرض الواقع حتى الآن".

ووفقاً للقدرة  تقوم طواقم البلدية قبل موسم الشتاء، بتنظيف كل مصافي الأمطار، وغرف الصرف الصحي، ومحطات الصرف الصحي، وبرك ترشيح مياه الأمطار، لضمان سير المياه بشكل طبيعي لأماكن تجمعها، "لكن عند هطول المطر يبدأ بعض المواطنين بإلقاء القمامة في الشوارع، ما يفاقم المشكلة، وفي كثير من الأوقات يتسبب بتسديد المصافي ما يجعل ذلك سببًا مباشرًا لغرق بعض الشوارع" يزيد.

تتساوى الأزمة في كل مناطق القطاع بسبب ضعف البنية التحتية وعدم توفر التمويل اللازم لتطوير الشوارع لأسباب الحصار والانقسام وقلة المانحين، ورغم اختلاف نسبة التأثر بالأزمة، يبقى القاسم المشترك الوحيد الذي يمكن أن يجمع مدن القطاع وشوارعه في فصل الشتاء –إلا ما رحم الله منها- أنها كلها قد تغرق في شبر ماء إذا ما هطل المطر.