“حماس” و”فتح”… ازدواجية الموقف والمشاعر من مقتل سليماني
تاريخ النشر : 2020-01-09 13:37

كشف اغتيال قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني مدى انقسام الفلسطينيين، وزاد انقسامهم داخل الفصائل.

يبدو أن أولويات الفلسطينين تغيرت ولم يعودوا موحدين في التضامن مع قضايا الشعوب المضطهدة، مثلما كان الوضع في زمن الثورة الفلسطينية، حين كانت الساحات والشوارع تمتلئ بالمتظاهرين للتضامن والهتاف ضد الامبريالية الأميركية والصهيونية والرجعية العربية. تبدلت أحوالهم بعد “اتفاقية أوسلو” وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وأيضاً بعد سيطرة “حركة حماس” على قطاع غزة بالقوة المسلحة عام 2007، والانقلاب على السلطة التي هي جزء منها. 

الفلسطينيون استبدلوا الساحات بالتظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وانحسر تضامنهم بهاشتاغات، وفقاً لرؤى الفصائل الفلسطينية وتوجهاتها الفكرية وتحالفاتها الإقليمية، وقمع محاولات المتظاهرين الداعمين ثورات الربيع العربي، والمنتقدين تدهور حالة حقوق الإنسان والحريات العامة. 

انحسر التظاهر والتضامن ليصبح شبيهاً بالتضامن مع السوريين أو مع مسلمي الإيغور المضطهدين، أو مع المسلمين في الهند ضد القانون العنصري.

كشف اغتيال قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني مدى انقسام الفلسطينيين، وزاد انقسامهم داخل الفصائل. عاد خطاب الستينات والسبعينات، وتعمقت الاصطفافات، منهم من يؤيد إيران في مواجهة الامبريالية الأميركية والرجعية العربية، ومنهم من يتهمها بأنها تسعى إلى السيطرة على الوطن العربي، ووصف سليماني بالمجرم وصاحب المهمات القذرة، وقال إن يديه ملطختان بدماء الأطفال السوريين واليمنيين. 

في قطاع غزة، فتحت الفصائل الفلسطينية خيمة عزاء لسليماني ولاقت الخطوة حملة نقد واتهامات شديدة، بخاصة أن فصائل فلسطينية يسارية، كالجبهتين الشعبية والديموقراطية، شاركت في الخيمة، ووصفت سليماني بقائد فوق العادة في مواجهة الامبريالية الأميركية، والأنظمة العربية الرجعية والديكتاتورية. وكالعادة فتح باب الجدل والمناكفات والمزايدات بين أعضاء حركتي “فتح” و”حماس” وفصائل فلسطينية أخرى، ويبدو أن الجميع فقد ذاكرته بخاصة أعضاء “فتح” والبعض من “حماس”، اتهموا، بعلاقاتهم المميزة مع أنظمة عربية رجعية ودكتاتورية تآمرت، ولا تزال تتآمر على القضية الفلسطينية.

المزاج الفلسطيني العام هو ضد إيران. هكذا نرى الأمر عندما نأخذ في الاعتبار معارضة حركة “فتح” وأعضائها العلني سياسات طهران. قادة حركة “حماس” وأعضاؤها هم أيضاً من أشد معارضي إيران من ناحية عقائدية ودينية، وبطريقة شعبوية. وهذه الجرأة النادرة ضد إيران تصب بلا شكّ في فلك إرضاء قاعدة “حماس”، وقد يكون هذا هو الدافع أكثر منه مسؤولية سليماني عن ارتكاب جرائم حرب في سوريا.

ناشطون مؤثرون في مواقع التواصل الاجتماعي ومؤيدون للثورات العربية، انتقدوا بشدة تعزية الحركة بسليماني، وسفر وفد منها برئاسة رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية للتعزية والمشاركة في تشييع الرجل ووصفه بـ”شهيد القدس”، وهو أمر أثار حفيظة كثيرين من حركة “حماس”. 

فلسطين محتلة، وسلطة الحكم الذاتي بشقيها الجنوبي والشمالي على وشك الانهيار وعاجزة عن إدارة شؤون الناس وتعزيز صمودهم في مواجهة البطالة والفقر، وغول الاستيطان وحكومة إسرائيل العنصرية الفاشية تعمل بشكل مستمر على التهام ما تبقى من الضفة الغربية وحصار غزة.

جناحا السلطة منقسمان فكرياً وسياسياً، وكل فريق منهما صاحب رؤية وتوجهات مختلفة عن الآخر، والفصائل الأخرى تعبر عن مواقفها، لكنها ليست بعيدة من الاستقطاب بين الطرفين.

“شيعة شيعة” شعار أو هتاف كان يصيب حركة “حماس” وأفراد أجهزتها الأمنية بالقشعريرة والغضب الشديد، وهو هتاف عنصري يطلقه المحتجون من أعضاء حركة “فتح” على قمع أفراد الأجهزة الأمنية التابعة لحركة “حماس” في قطاع غزة على حرمانهم من التظاهر وإحياء ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية أو ذكرى غياب الرئيس ياسر عرفات، وذلك في العامين الأول والثاني من بداية الانقسام الفلسطيني وانقلاب حركة “حماس” على السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2007.

ترديد الهتاف بمثابة اتهام لحركة “حماس” بأنها حركة “شيعية” وليست “سنية” تابعة لإيران، لكن في الحقيقة، إن الكراهية التي تكنها “حماس” و”فتح” لإيران، نابعة من كراهية طائفية، وربما ترتبط بالقتال الذي اندلع في بداية ثمانينات القرن الماضي بين حركتي “أمل” اللبنانية و”فتح” في بيروت، والخلاف بين حركتي “فتح” و”حماس” سياسي وليس طائفياً، فالحركتان تنتميان للطائفة السنية، وها هي خلافاتهما منذ 13 سنة وحتى اليوم تتعمق وتتعزز بأشكال مختلفة.

تبدو الكراهية الواضحة التي تكنها “فتح” لإيران عائدة لاعتبار الأخيرة حليفاً استراتيجياً لـ”حماس”، فيما تعتبر “حماس” أن قاسم سليماني مجرم، ويتداول أنصارها مقولة “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين”، مؤكدين أن المقاومة ليست معصومة عن الخطأ، وأن نعيه من قيادة الحركة اضطراري، وأن خطاب التعزية من الحركة موجه إلى الخارج. هذا، مع أنهم يدركون أن أيادي إيران وسليماني “البيض” في دعم “حماس” والمقاومة غير محدودة، و”كتائب عزالدين القسام” تدرك فضل سليماني أكثر من غيرها، وهناك في قطاع غزة من يصف سليماني بـ”الأسطورة”، وأنه قائد من طراز فريد استطاع الدخول إلى مواقع عسكرية أميركية في العراق وسوريا من دون أن يعرفه أحد.

الفلسطينيون يكررون مطالبة قيادتهم باعتماد سياسة النأي بالنفس عن التدخل في الشؤون العربية والإسلامية، وعدم الاصطفاف وألا يكونوا جزءاً من أي تحالفات إقليمية والحفاظ على القرار الفلسطيني المستقل.

هنا يلح علينا السؤال، هل يتفق طرفا الانقسام على أنهما حركتا تحرر وطني؟ 

وأي قرار هو المستقل، في حين لا يملك الفلسطينيون قرارهم في قضايا كثيرة، وهم محكومون بالجغرافيا والتاريخ والمواقف السياسية العربية المقسمة والمتنافرة؟ 

وسط هذا الواقع تبرز الحاجة إلى التمييز بين الأخلاقي والسياسي، فكيف بإمكان شعب يناضل من أجل الحرية وصاحب قضية محقة كالشعب الفلسطيني، أن يقبل بتغليب السياسة والمصالح على المواقف الأخلاقية؟