عددهم يتناقص تدريجياً .. أين ذهب المسيحيون؟
تاريخ النشر : 2019-12-31 11:49

تخلق أعياد الميلاد سنويا، مساحةً للتندر على مواقع التواصل الاجتماعي، حول توجيه دعوة للمسلمين: دعوا المسيحيين يحتلفوا بشجرة عيد الميلاد. يعقبها الكثير من الضحكات.

غير أن الواقع محزن جداً، معروف أن المسلمين هم الأغلبية في الأراضي الفلسطينية، لكن خلال الأعوام الأخيرة ربما أصبح المسيحيون أقل من أن يطلق عليهم أقلية دينية إن جاز التعبير، بفعل تراجع اعدادهم بشكل كبير وملحوظ خصوصا في قطاع غزة.

تتجسد هذه الحقيقة في قولين: الأول صرح به ليلة أمس الاثنين رئيس الوزراء محمد اشتيه خلال مأدبة عشاء أقامها مجلس كنائس رام الله، قائلاً: يجب أن نعمل بكل جهد حتى لا يتآكل الوجود المسيحي في فلسطين.

أما الثاني، منسوب إلى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لرعاية المقدسات حنا عيسى، والذي قال فيه: الحضور المسيحي في المجتمع الفلسطيني في الوقت الحالي يشكل اقل من1% فقط من تعداد سكان الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.

تعزز الأرقام والاحصاءات الحقيقة الآنفة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أقل  من خمسة واربعين  ألف مسيحي في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، موزعين بين الضفة الغربية التي يقطنها 40 ألفاً، وقطاع غزة الذي يقطنه  733 مسيحي والقدس ما يقارب 4000 مسيحي، وتبين أحدث التقديرات أن نسبتهم لا تتجاوز0,60% من جميع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية.

يقول رامي (اسم مستعار)، وهو شاب مسيحي يعيش في قطاع غزة، لا زال متمسك بالعيش في قطاع غزة لأنه باختصار لم يطرح عليه فرصة عمل مناسبة خارج غزة. وبذلك يتبين أن الواقع الاقتصادي المتردي كان سبباً رئيسياً وراء هجرة المسيحيين من القطاع.

أضاف رامي: "نحن نعاني من الكثير من العوائق، وخصوصا منع استصدار تصاريح لمغادرة القطاع وغيرها، لكني أفضل العيش في غزة لطالما تتوفر لدي فرصة عمل مناسبة ومسكن.. نتمنى أن يتحسن الواقع ولكن إذا تغير للأسوأ حتماً سأضطر إلى الهجرة".

ليس رامي وحده من قال هذا، مي (اسم مستعار) قالت ذلك أيضا. واعتبرت الإقامة في القطاع مرهونة بمدى تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي، على اعتبار أن غزة لا يتوفر فيها مقومات كافية لحياة سليمة خالية من الحصار والعنف.    

وأفادت أنها لم يسبق وأن تعرضت لمضايقات لكونها مسيحية تعيش في مجتمع مسلم. غير أن الظروف القاهرة التي تعيشها غزة أجبرت الكثير من العائلات المسيحية على مغادرتها، كما قالت.

يقر بهذا القول، كامل عياد وهو يعمل مسؤولاً للعلاقات العامة في كنيسة الروم الأرثوذكس بقطاع غزة، إذ أكد أنّ الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها القطاع، والحصار الإسرائيلي، والانقسام الفلسطيني، من الأسباب التي دفعت المسيحيين للتفكير في الهجرة، فالأوضاع لم تكن مناسبة للعيش، لذلك أرادوا البحث عن حياة أفضل"، حسبما قال.

وقال عياد في تصريح صحفي: "ربما من الأسباب التي دفعت المسيحيين إلى مغادرة قطاع غزة؛ اقتصار الأعياد على الشعائر الدينية في الكنيسة فقط، وعدم الاحتفال بالأماكن العامة والمتنزهات، كما كان يتم سابقاً، في عهد السلطة الفلسطينية قبل الانقسام الفلسطيني، فكانت الاحتفالات تعمّ كافة أرجاء القطاع، ويتم إشعال شجرة الميلاد والتجول بالشوارع باحتفالات كبيرة، لكنّ الوضع الآن تغير".

وأوضح أنّهم ضدّ هجرة المسيحيين من قطاع غزة وتوجههم للعيش في مدن الضفة الغربية والدول الأوروبية؛ لافتاً إلى أنّهم في الكنيسة حاولوا إقناع الكثير من الشباب والعائلات بعدم الهجرة والبقاء في القطاع، لكنّهم نادراً ما كانوا يوفقون في هذا المسعى؛ لأنّ ذلك يعدّ في النهاية حرية شخصية، لا يمكن فرض تغييرها، على حد تعبيره.

وحذر مسؤول العلاقات العامة في كنيسة الروم الأرثوذكس بقطاع غزة، من أنّ هجرة المسيحيين بشكل مستمر من القطاع، وتوجههم للعيش في الدول الأوروبية والضفة الغربية، "يعدّ مؤشراً خطيراً، ويؤثر في الوجود المسيحي في القطاع، فالأعداد تناقصت كثيراً وأعداد المواليد المسيحيين انخفضت بشكل كبير، ولم تعد كالسابق بفعل الهجرة، وهذا يعني عدم وجود أجيال جديدة من المسيحيين في غزة".

من ناحيته، فسر حنا عيسى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لرعاية المقدسات، عوامل انخفاض نسبة المسيحية في فلسطين، بأنه عائد إلى العامل السياسي في المقام الأول، والذي مثله الاحتلال الإسرائيلي، وفرض ظروف اقتصادية سيئة ومناخ اجتماعي صعب لعب دوره أساسي في دفع الناس إلى ترك الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال عيسى: "كان من الأسباب المباشرة لانخفاض نسبة المسيحيين في فلسطين يعود إلى انخفاض معدل المواليد بين المسيحيين بسبب ارتفاع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وفشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة، وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية أخرى بلا جدوى البقاء بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية والسياسية فيها".