عام 2019 ... الاقتصاد الفلسطيني يصل لـ"آخر نفس"
تاريخ النشر : 2019-12-30 11:19

غزة:

مؤخرًا، افتقد المارة في حي الزيتون وتحديدًا في الجهة المقابلة لـ"مصنع الستار" الشهير، حركة عمال "مصنع الكابلات" الدؤوبة، تلك الحركة التي بدأت منذ عام 1986.

فقد أغلق المصنع لأن صاحبه سميح الحداد لم يعد قادرًا أن يدفع لعماله رواتبهم من "دمه الحي" كما يقول، اضطر الرجل أن يغلق المصنع ليفقد أكثر من 35 عامل بعضهم عمل لديه أكثر من 20 مصدر رزقهم، وهنا يقول الرجل حزين: "لم يكن من السهل أن أقول لهم أبقوا في البيت، لكن حدث ذلك عندما فقدت القدرة على الاستمرار بعد 13 عامًا من تحمل تبيعات الحصار".

الآن لم يعد في قطاع غزة أية مشاريع، الاعمار شبه توقف، والمؤسسات المحلية حتى إن احتاجت منتجاتنا فهي تفضل المنتج الأجنبي

نعود بالحديث مع الحداد لما قبل قرار اغلاق المصنع، يقول الرجل لـ"شبكة نوى" : "كما نعمل حسب الطلبات وتوفر المواد الخام، الآن لم يعد في قطاع غزة أية مشاريع، الاعمار شبه توقف، والمؤسسات المحلية حتى إن احتاجت منتجاتنا فهي تفضل المنتج الأجنبي برغم حصول منتجاتنا على شهادة المواصفات الجودة العالية".

في العام 2001 تعرض فرع مصنع الكابلات الكائن بالمنطقة الصناعية الواقعة شرق مدينة غزة، لتدمير شامل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ولحقت خسائر قدرت بـ2مليون دولار، المصاب الأكبر لدي الحداد أنه لم يحصل البتة على أي تعويض، وهنا يقول: "واصلت العمل لآخر نفس، لكني هذا العام لم استطيع اكمال المشوار، لأن أحد لم يساعدني من المسئولين".

مصنع "الكابلات" هو واحد من جملة مصانع قطاع غزة التي تضررت بشكل كلي أو جزئي بسبب الحصار الإسرائيلي والاعتداءات المتتالية، كما أنه واحد من المئات من المصانع التي أغلقت أبوابها هذا العام بسبب الحصار والانقسام الذي أفرز هذا الوضع الاقتصادي الخطير.

المستوطنون يسرقون قوتنا

انتهى حصاد موسم الزيتون، لكن المزارع مصطفى نوباني "أبو جهاد" الذي يقطن قرية اللبن الشرقية في محافظة نابلس حتى الآن لم يتمكن من حصاد أرضه، أبو بالأحرى لم يتمكن من حصاد ما تركه المستوطنين بعد سرقتهم لمحصود.

النوباني صُدم بعد أن سمح له عبر الارتباط الفلسطيني بالدخول لأرضه من أجل حصادها بأن ما يقارب من 500 شجرة تم سرقة ثمارها

يمتلك هذا الرجل وعائلته الممتدة حقل زرع في العام 1950 ويتكون من ألف عرق زيتون في منطقة اسمها "واد علي"، تلك المنطقة التي يمنع من الوصول إليها إلا بتصريح من الاحتلال بسبب وجود مستوطنة "عيلي"، لقد صُدم بعد أن سمح له عبر الارتباط الفلسطيني بالدخول لأرضه من أجل حصادها بأن ما يقارب من 500 شجرة تم سرقة ثمارها قبل أيام قليلة من دخوله، يقول الرجل لـ"شبكة نوي" بحسرة : "خسارتنا كبيرة جدًا، 81 ألف شيقل كما قيمتها مؤسسة دولية، كنا نتوقع أن ننتج ما بين 150 -200 تكنة زيت، هي مصدر رزقنا  كفلاحين ننتظره منذ عامين"..

وبرغم ما ينال من الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو غزة من معاناة نتيجة الوضع الاقتصادي، فإنه ما تزال هناك فجوة كبيرة في الأرقام بين الجانبين، فمعدلات البطالة بلغت في القطاع نحو 55%، فيما سجل عدد العاطلين عن العمل حوالي 230 ألف شخص، وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالميا، أما في الضفة الغربية، فقد تراجعت البطالة من 17% في عام 2018 إلى 15% في الربع الثاني من عام 2019. 

وبرغم أنه من المفترض أن يشهد عام 2019 ارتفاعا في المساعدات والمشاريع التنموية بسب ارتفاع معدلات البطالة والفقر المدقع التي تجاوزت 65%، إلا نسبة انخفاض الشاحنات الواردة لقطاع غزة والخاصة بالمساعدات والمشاريع التنموية بلغت حوالي 80%، كما  أعلنت "اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار" في قطاع غزة، أن خسائر الاقتصاد الداخلي بسبب الحصار المستمر منذ 13 عاما، ارتفعت بشكل كبير مع نهاية 2019 لتلامس 100 مليون دولار شهريا، حيث أغلق أو تقلصت أعماله بنسب تزيد عن 80‎%‎ من طاقته التشغيلية طيلة سنوات الحصار، بنحو 4000 مصنع وورشة ومحل تجاري وشركة.

الحايك: عام 2019 كان أشد صعوبة على القطاع الخاص نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي بشكل كبير في غزة.

انهيار الوضع الاقتصادي

شبه رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين بغزة علي الحايك وزملائه أوضاع القطاع الخاص في عام 2018 بـ"عام الرمادة" كناية عن القسوة الشديدة التي مر بها القطاع، لكن الحايك خلال حديثه لـ"شبكة نوى" يرى أن عام 2019 كان أشد صعوبة على القطاع الخاص نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي بشكل كبير في غزة.

ويوضح الحايك: "عام 2019 كان أشد قسوة، إذا لم تنتهي مسببات هذ الانهيار سيكون عام 2020 عام القضاء على القطاع الخاص في قطاع غزة الذي حلت كوارثه على كل القطاعات الصناعية في غزة"، ويتابع القول : "ما زال الحصار مفروض، ويمنع التصدير ويمنع إدخال المعدات والمواد الخام، وما زالت آلية "السستم" GRM  التي ساهمت في تعزيز حصار غزة وخنق عجلة الإعمار من خلال تقيد حركة دخول مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار، الأمر الذي أضر بقطاع الانشاءات".

 ويعتبر الحايك الانقسام الداخلي بمثابة نزيف دايم على القطاع الخاص، فاستمراره أدي إلى انهيار القطاع بصورة تامة، ويضيف رجل الأعمال الحايك: "الحصار الإسرائيلي و الضرائب المفروضة على المواد الخامة والمصانع خلقت قطاع صناعي مدمر، حتى الآن لم يتم إعادة بناء الكثير من المصانع ولم يتم تعويض الناس التي دمرت مصانعها ومنشآها، نحن نتحدث عن آلاف المنشآت في قطاع غزة".

البطالة في 2019 هي الملف الأخطر

كانت المؤشرات ذات البعد الاقتصادي تسير في اتجاه أن يكون عام 2019 هو الأسوأ على مستوى الأعوام السابقة، وذلك لأن الظروف المحيطة بغزة من حصار وانقسام، وتكدس للبطالة، وقضايا مرتبطة بغياب التمويل الدولي والعربي لم تتراجع بل تزايدت في هذا العام.

الوضع الاقتصادي الصعب لم يكن في قطاع غزة، وإنما على مستوى أداء السلطة الفلسطينية في رام الله، ذلك فيما يتعلق بأداء وقدرة السلطة على الايفاء بالتزاماتها

يؤكد رئيس تحرير صحفية "الاقتصادية" محمد أبو جياب على ما سبق، ويستدرك قائلًا:"هذا العام، الوضع الاقتصادي الصعب لم يكن في قطاع غزة، وإنما على مستوى أداء السلطة الفلسطينية في رام الله، ذلك فيما يتعلق بأداء وقدرة السلطة على الايفاء بالتزاماتها، تحديدًا فيما يتعلق برواتب الموظفين و سداد التزامات القطاع الخاص  أو حتى فيما يتعلق بتحقيق التنمية ومعالجة الكثير من الأزمات على المستوى الاقتصادي".

ويشدد أبو جياب على أن الواقع الاقتصادي الخطير في غزة ناجم عن مكونات معقدة ومتراكمة وطويلة الأمد من إجراءات بدأت بالحصار الإسرائيلي قبل 13 وتلها الأخطر وهو العقوبات من قبل السلطة الفلسطينية على موظفيها، وأيضًا الغياب وتراجع التمويل الدولي للخدمات الصحية والتعليمية وغيرها في قطاع عزة، وكذلك حالة التردي الواضحة على القطاع الصناعي والانتاجي نتيجة الاغلاق الإسرائيلي للمعابر وحرمان القطاع الخاص من التصدير ووضع الكثير من العقبات أمام مكملات العملية الصناعية في غزة.

ويشير أبو جياب إلى أن مستوى البطالة ارتفع ليتجاوز 35 % بمعدل 300 ألف عاطل عن العمل نصفهم من الخريجين، معتبرًا أن نسب البطالة في 2019 هي الملف الأخطر، إذ كلما تزايدت البطالة تفاقمت حالات الانتحار، والإدمان والانحلال الأخلاقي، وكلها تشكل عبأ على خطير على أمن المجتمع الفلسطيني، موضحًا : "الأخطر أن المقومات التي كان يمكن أن نعتمد عليها في حالة أي انفتاح اقتصادي مستقبلي هي في طريقها الذهاب بلا عودة، فهيكل الاقتصاد الفلسطيني  تطور بشكل خطير لصالح القطاعات التجارية على حساب القطاعات الصناعية والإنتاجية، المصانع أغلقت،  رجال أعمال هاجروا، بأموالهم وعائلاتهم، وتراجع مستوى الخبرات العملية وفقدت الرغبة باتجاه العمل والإنتاج ".

 انحسار النمو الاقتصادي في الضفة

يضعنا أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح بنابلس نائل موسى أمام جملة من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي فرضت على الضفة الغربية في العام 2019، فيقول أن هذا العام شهد قضية اقتطاع أموال الأسرى والشهداء من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، مما حذا بالسلطة الفلسطينية في رام الله لرفض قبول تحويلات المقاصة (ضرائب الدخل من العاملين الفلسطينيين في إسرائيل) التي تشكل حوالي 70 % من التحويلات الداخلية للسلطة الفلسطينية.

ويبين موسى أن عدم قبول تلك الأموال أثر الاقتصاد الفلسطيني بشكل قوي، حيث انخفض الطلب الكلي والاستهلاك، وارتفعت مديونية المواطنين، وتخلف كثير من الناس عن سداد الديون، وكذلك تباطأ الاستثمار بالتزامن مع ارتفاع في معدلات البطالة.

الأخطر في الضفة الغربية هو أن حجم الموظفين الحكوميين ضخم، وهذا العدد يعتمد على الرواتب من السلطة، وهم مرتبطون في القطاع الاقتصادي الشامل

ويقول موسى أن الأخطر في الضفة الغربية هو أن حجم الموظفين الحكوميين ضخم، وهذا العدد يعتمد على الرواتب من السلطة، وهم مرتبطون في القطاع الاقتصادي الشامل سواء في الاستهلاك او الاستثمار كونهم يشكلون طلب، ناهيك عن أن بعض الترابطات بين القطاع الخاص والسلطة تأثرت بوضع السلطة المالي، مضيفًا  لـ"شبكة نوي" : "عند توقف التحويلات وإعطاء نصف راتب، تراجعت بشكل كبير جدًا السيولة النقدية المتوافرة في السوق، مما جعل هناك تراجع واضح وتباطأ في المستوى الاقتصادي".

كما يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح بنابلس أن المعيقات الإسرائيلية المستمرة و المتعلقة بحركة المواطنين أو الاستثمار ساهمت في انحسار النمو الاقتصادي، بل وتباطؤه في الضفة الغربية.