"أحلامُ" نساء غزة لعام 2020.. حقوقٌ مشروعة
تاريخ النشر : 2019-12-30 10:24

لون الغيوم في السماء ينذر بهطول المطر، ترفع نهاد أبو حماد يديها نحو السماء وتهمس لله بكلماتٍ بالكاد يمكن سماعها، ترجوه أن لا يُحمّلها ما لا تطيق إذا أرسل الغيث، تمامًا كما يحدث في كل شتاء.

تجول أبو حماد بناظريها بين التشققات التي ملأت جدران بيتها بفعل القصف المتكرر لمواقع مجاورة، وتمعن النظر في ثقوب سقف الصفيح خشية أن تكون قد نسيت سدَّ واحدةٍ منها ببعض الحجارة. تطمئن وتعود لإتمام أعمالها المنزلية على وقع صوت الرعد الذي يرتدّ صداه في زوايا البيت، فيزيد من رهبة الترقب لما قد يخلّفه المطر في بيتها من خسائر هذه المرة أيضًا.

تقول لشبكة "نوى": "لم أكره المطر يومًا، لكنني ومنذ تضرر منزلي أصبحتُ أخشى فصل الشتاء، صار هذا الموسم بالنسبة لي موسم همٍ وغم وسوء".

إن أقصى أمنيات نهاد التي تسكن مع زوجها في منطقة عبسان الكبيرة، شرق مدينة خان يونيس جنوب قطاع غزة، هي أن تدفع لها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أنروا" تعويضًا ماليًا عن الأضرار التي أصابت منزلها بسبب القصف الإسرائيلي المتوالي للمنطقة على مدار عدة سنوات، لعلها تستقبل الشتاء كما كانت من قبل "بفرحةٍ وحب".  تزيد: "أحلم بأن يتم إدراج اسم زوجي ضمن قوائم الحاصلين على المنحة القطرية المقدرة بـ 100$ في العام الجديد".

هذا جزءٌ مما يمكن أن تسمعه في غزة من أمنياتٍ على لسان النساء! حقوقٌ مشروعة صارت بمقام "الحلم" في قلوبٍ أنهكتها الحروب، وفطَرها الفقر.. ماذا يمكن أن نسمع أيضًا؟ التقرير التالي يجيب:

التعليم والعلاج

ولاء فارس، وهي معلمة في إحدى المدارس الابتدائية، تمحورت جل أمنياتها للعام الجديد حول بؤرة وظيفتها، تقول: "أتمنى أن تعود للاختبارات المدرسية هيبتها، باستعادة إقرارها للصفوف الأساسية، وإن كانت بشكل شفهي، كما أتمنى أن تعمل وزارة التربية والتعليم على تخفيف المناهج لكافة المراحل، فبعض المُدخلات لا تتناسب مع إمكانات الطلبة على الفهم والإدراك".

وتتحدث الشابة فاطمة الفرا التي تخرجت منذ عدة سنوات، عن أبسط حقوق الإنسان كـ "حلم" صعب المنال، فقالت: "أمنيتي أن تتوفر في العام القادم فرص توظيف أكبر للشباب، قدمت أوراقي للكثير من الوظائف لكن لم أحظَ حتى الآن بأي فرصة"، مضيفةً: "في كتير ناس ساتراها الحيطان، وفي مرضى الله اللي بيعلم بأحوالهم ما في عندهم معيل" وهؤلاء تحديدًا دعت الفرا لهم الله بأن ييسر أمور علاجهم "سيما المحتاجين للعلاج في الخارج دونما حاجة للمناشدات".

العمل والأمان

أما ميسون فحجان فتتمنى أن تنتهي أزمة رواتب الموظفين في قطاع غزة مع قدوم العام 2020م، وأن يشهد العام  الجديد إنهاء الانقسام الداخلي وعودة الوحدة الوطنية.

تضحك سمر السقا وهي تحاول أن تسرد أمنيات العام الجديد وتعلّقُ بالقول: "أمنياتنا بحاجة لعصا سحرية" مستدركةً: "كل ما أتمناه أن  يتحقق الأمن الإجتماعي فلا أخاف على حاضري ومستقبلي إن عبرت عن رأيي أو صدحت بكلمة حق".

وتتابع: "أتمنى أن يتحقق الأمن الاقتصادي وأن أستطيع التخطيط لمصروفاتي الشهرية دون مفاجآت بتأخر الراتب أو تقليصه".

وتحلم أم خالد سرحان من سكان شمال قطاع غزة، أن تتمكن في العام الجديد من تجاوز كل الأزمات المادية والنفسية التي لحقت بها وعائلتها منذ قصف منزلها خلال عدوان 2014م، "آمل أن أتمكن من زرع الأمل في قلوب أبنائي بعد خمس سنوات قضيناها نتنقل بين منزل وآخر بالإيجار".

أوضاع وظروف القطاع، فرضت نفسها على أمنيات نسائه، فتجلت أمنية ياسمين التي تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية باستعادة راتبها الذي قطع بسبب ما قالت إنه "تقارير كيدية".

بينما رددت يُسرى الأم لثلاثة أطفال على مسامع مراسلة "نوى" هذه العبارة ثلاث مرات: "أن لا تزورنا الحرب". إذ لا تتخيل السيدة الأربعينية حياتها لو أصاب أحد أطفالها مكروه، حتى إنها تعيش كوابيسًا مزعجة تزورها منذ انتهى عدوان 2014م، في مجملها "أشلاء ودم".

تقول: "زوجي عاطلٌ عن العمل، وبالكاد يكفي راتبي الذي أتقاضاه حيث أعمل سكرتيرة في عيادة طبيب، متطلبات أطفالي واحتياجاتهم، أسأل نفسي كثيرًا عندما يخبرني ابني أنه يريد أن يصبح طبيبًا، هل يمكن أن يحمل له المستقبل ما يتمنى؟ وهنا في غزة؟".

عجوز قابلتها نوى على ناصية طريق، تمنّت أن يشهد العام الجديد إفراجًا عن نجلها المحبوس على ذمة مالية "حيث اضطر لاستدانة المال من أجل تلبية متطلبات العائلة، ولم يتمكن من تسديده كونه عاطل عن العمل".

مثلها –مع اختلاف ظروف الغياب- كانت والدة الأسير ضياء الأغا، التي ما برحت تتغنى باسمه كلما ورد على لسانها، انحصرت جل أمنياتها بأن تراه في بيتها العام القادم، وأن تضمه إلى صدرها وقد تحرر من الأسر بعد 28 عاماً، تختم بكلماتٍ ترتجف وجعًا: "أمهلني يا موت عاماً آخر لأروي ظمأ قلبي برؤية فلذة كبدي حُرًا.. فقط عامًا آخر".