قرّاء الجيل الجديد... هل أصبحت الكتب للزينة؟      
تاريخ النشر : 2019-12-23 08:00

في غرفة واسعة، ذات أرفف موزّعة بعناية، وملوّنة بالأحمر والأبيض والبرتقاليّ والأخضر، تشاهد عن كثب عشرات الكتب الّتي تتناول مختلف الموضوعات السياسيّة والعلميّة والدينيّة أيضًا، بينما على ذلك الرفّ الأسود تحديدًا، ترى الكتب المصوّرة وعددًا من الروايات الأدبيّة الأخرى.

إنّها كتب ثريّا محمّد، البالغة من العمر عشرين عامًا، وهي تهوى تجميع الكتاب وكذلك تصويرها ومشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعيّ. لا يتحدّث أصدقاء ثريّا أمامها عن كتاب جديد يتوفّر في المكتبات، إلّا وتسرع لشرائه، وخاصّة تلك الروايات الحائزة على جوائز عدّة، تسعى لامتلاكها ومن ثَمّ وضعها على الرفّ المناسب.

عندما طرحت عليها السؤال: "هل أصبحت الكتب مجرّد مقتنيات للزينة؟"، أجابت: "أحبّ شراء الكتب الذائعة الصيت، وتصويرها بجانب كوب القهوة وأمور أخرى، ومن ثَمّ مشاركتها عبر إنستجرام؛ فهذا الأمر أصبح هواية بالنسبة إليّ. أمّا عن القراءة، فأنا لم أتصفّح سوى القليل منها، لكنّي أسعى إلى إكمالها".

بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعيّ، وجّهت السؤال نفسه إلى هبة العبادلة، ذات الأربعة والعشرين عامًا، فكان رأيها أنّ هناك قرّاءً متمرّسين من الجيل الجديد، لا يهمّهم مشاركة الكتب الّتي يقرؤونها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وهي واحدة منهم. تقول: "أنا أقرأ لأنّ القراءة هي المفتاح الأوّل للاتّصال بالعالم الخارجيّ؛ فهي بمنزلة تذكرة سفر مجّانيّة"، مشيرة إلى أنّها تشارك الكتاب عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ إذا استصعب عليها فهم جزئيّة منه، وتحديدًا عبر "تويتر"؛ فهذه المنصّة - من وجهة نظرها - تضمّ عددًا كبيرًا من القرّاء والمثقّفين، وتحظى بتفاعل واسع عن غيرها في هذا المجال.

تمسك هبة كتابًا بيدها لتكمل حديثها بأنّ القارئ الجيّد يهتمّ بالأساس بالموضوعات الّتي يقرؤها، أمّا هي فأكثر ما يستهويها موضوعات تطوير الذات، والمناظرات، والسياسة، والقيادة، والروايات والأدب؛ لأنّها تهتمّ بتطوير ذاتها الشابّة من خلال التعمّق في معارف معيّنة، تحصل عليها عبر رحلتها مع كلّ كتاب تقرؤه، ولأنّ اختيار الكتب هو المرحلة الأهمّ للاستفادة والاستمتاع، فهي تعي أنّها عندما تريد أن تعرف عن موضوع معيّن، فإنّه لا يلزمها اختيار كتاب ضخم مكوّن من مئات أو آلاف الصفحات، بل يكفي لذلك كتاب جدّيّ مكثّف وصغير الحجم.

أمّا العلاقة بين القارئ والكتاب الأدبيّ، وتحديدًا الرواية، فوصفتها هبة بالعلاقة غير الثابتة؛ فمن وجهة نظرها ثمّة متغيّران أساسيّان لتحديدها، وهما: أسلوب الكاتب في السرد، وبراعته في الوصف وتقديم المعلومات، فكلّما توافر هذان الشرطان كان الانسجام بين القارئ والكتاب كبيرًا جدًّا والعلاقة أقوى؛ بمعنى أنّ العلاقة بالكتاب متغيّرة كما هي بالبشر، ولأنّ الكتاب بمنزلة صديق لها فقد يكون جيّدًا، وقد يكون غير ذلك.

"نسيان" كان أكثر الكتب تأثيرًا في شخصيّة صالح خليفة، كما يقول، وهو يبلغ من العمر واحدًا وعشرين عامًا، كانت رواية "أنت لي" لمنى المرشود، أوّل كتاب يقرؤه في المرحلة الثانويّة، ثمّ تطوّرت العلاقة بينه والكتب في ما بعد، لتصل إلى درجة هوس تجميعها ومشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، مبرّرًا ذلك بتقاسم تجربته مع أصدقائه، ومناقشتهم في محتوى الكتاب، ليكتسب هو وهم تجربة جيّدة مليئة بالمعلومات والمعرفة اللغويّة والاقتباسات، الّتي قد تكون ملهمة لشخص ما وتعطيه الأمل؛ فهو لا يشارك الصور لنفسه فقط، بل ليحظى الجميع بالرحلة ذاتها.

"أنقذتني الكتب من الرتابة والغضب والجنون وتدمير الذات، وعلّمتني الحبّ، بل أكثر من ذلك". بهذه المقولة المقتبسة من كتاب إيلف شفاق، وصف صالح علاقته بالكتب؛ فالقراءة بالنسبة إليه ليست مجرّد عادة، بل مثل صلاة دائمة، إحساس يمنح روحه السلام، ويشعره بأنّ طريقة تفكيره تتّجه إلى الأفضل يومًا بعد يوم؛ ولذلك تغيّر اتّجاهه من قراءة الروايات إلى البحث عن الكتب الموضوعيّة الّتي تخاطب العقل، وتهتمّ بالجوانب العلميّة والعمليّة المليئة بالتجارب والمواقف والحكمة ذات الزخم، ليطوّر ذاته.

"يهتمّ الجيل الجديد بقراءة كتب المشاهير، وتكمن المشكلة في أن ليس جميع المشاهير يملكون كتبًا قيّمة؛ فالغالبيّة يشترونها لمجرّد الافتتان بالشخص، أو لأنّها الأكثر تداولًا على مواقع التواصل الاجتماعيّ"، هذا ما قالته صفيّة أبو شاربين، بائعة الكتب في "مكتبة اقرأ"، وهي تهتمّ بجلب جميع أنواع الكتب، من روايات ودواوين شعريّة وكتب التنمية البشريّة والفلسفة والتاريخ والسياسة والسيرة الذاتيّة، لكن بالمقابل، توضح أنّ مجموعة رائعة من الشباب، تبحث عن كتب "ثقيلة"، ذات قيمة علميّة جيّدة.

أمّا عن توفّر الكتب بأسعار ملائمة للجيل الجديد في مكتبتها، فتقول صفيّة إنّ تخفيضات كبيرة على أسعار الكتب، إلى درجة أنّه يوجد العشرات من العناوين ثمنها 5 شواكل فقط، وهي كتب جيّدة، مشيرة إلى أنّها أثناء عمليّة البيع تنصح المشتري بعناوين معيّنة، بعد أن تسأله عن الكتب الّتي قرأها وراقت له مسبقًا، كي تستطيع تحديد ميوله وخلفيّته الثقافيّة وما سيعجبه، وإن كان يريد شراء كتاب هديّة، تسأل عن طبيعة الشخص المُهدى إليه الكتاب، وسنّه، والعناوين الّتي سبق أن قرأها ونالت إعجابه، لكي تحدّد ما هو مناسب إليه. وتوفّر المكتبة أيضًا لقرّائها العديد من عناوين الكتب الّتي تُجلَب من الخارج حسب الطلب.

لعلّ صفيّة لم تألُ جهدًا في تشجيع القراءة؛ فتعرض الكتب الجديدة والاقتباسات الّتي تروقها، عبر صفحة المكتبة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وتطلب إلى أصدقاء المكتبة دومًا دعوة أصدقائهم لتَعرُّف المكتبة، ورؤية عناوين الكتب الجديدة، وتطرح من فترة إلى أخرى عددًا من الأسئلة عن موضوعٍ ما، في حساب المكتبة على موقع التواصل "إنستجرام"، وتشارك آراء القرّاء لتشجّعهم على مواصلة قراءاتهم المعمّقة، بل تنفّذ أيضًا العديد من المبادرات للقراءة مجّانًا.

"ثَمّة فرق كبير بين القارئ القديم وقارئ الجيل الجديد"، بهذا الوصف بدأ محمّد جبر حديثه، وهو العامل في "مكتبة آفاق" الّتي يزيد عمرها على أربعة وثلاثين عامًا؛ فالجيل الجديد لا يبحث عن زخم المعلومات، بل أكثر ما يفضّل قراءة كتب المشاهير والروايات والتنمية البشريّة.

وعلى الرغم من أنّه ينصحهم ببعض العناوين المفيدة، إلّا أنّهم يطلبون عناوين لروايات ضعيفة وكتب مصوّرة، لا تحمل فائدة علميّة أو خبرة حياتيّة وإنسانيّة خاصّة؛ وهذا ما اضطرّه إلى الاستغناء عن كمّيّة كبيرة من تلك الكتب في المخازن، لكي يحافظ على مستوًى راقٍ للقرّاء لديه، كما يقول.

وتسوّق المكتبة لنفسها عن طريق الإعلانات المموّلة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، الّتي أصبحت تضمّ الجمهور الأكبر لقرّاء الكتب، وتشارك آراءهم في ما يقرؤون، من خلال صفحة المكتبة الّتي توفّر جميع الكتب بأسعار ملائمة للجميع، من خلال الحملات المستمرّة.

 فُسْحَة