الاكتئاب.. السرطان القاتل
تاريخ النشر : 2019-12-11 09:34

نقلًا عن مدونات الجزيرة

لابد أنك سمعت كثيرا عن مختلف الأورام والسرطانات القاتلة لكن هل صادف يوم سمعت فيه عن سرطان الاكتئاب؟ الاكتئاب حسب علم النفس هو اختلال عقلي ونفسي يتسبب في تغير عميق في الحالة المزاجية، ويعرف كذلك على أنه وجود خلل يؤثر على التوازن العاطفي والنفسي بالإضافة إلى التوازن الجسدي للإنسان. ومن منا لم يتعرض في حياته ولو لمرة واحدة لإنتكاسة أفضت به حبيسا داخل ما يسمى بقوقعة الاكتئاب، هذه القوقعة المكونة مقاديرها من الأفكار السوداوية عن العالم والحياة، قوقعة مظلمة لا بداية لها ولا نهاية.

إن تسمية الاكتئاب بالسرطان لم تأت بمحض الصدفة، فالاكتئاب يشبه إلى حد ما الورم، في البداية تكون أعراضه غير ظاهرة للعيان ومع مرور الوقت وفي غفلة منا ينتشر وتكون نتائجه غير محمودة، ولعل الانتحار من النتائج الكارثية للاكتئاب. نقرأ كثيرا عن شخصيات مشهورة إنتحرت فجأة وبدون سابق إنذار، فتتولد داخلنا مشاعر الأسى والحزن عليهم، أليس هؤلاء فقط البارحة كانوا في سهرة أو احتفال ما؟ أليس هؤلاء من كانوا يتقاسمون صورهم وهم يزورون مختلف بقاع العالم وعلى محياهم إبتسامة ساحرة أو بالأحرى إبتسامة مزيفة؟ أليس هؤلاء من كنا نغار منهم على حب الناس لهم وعلى قاعدتهم الجماهيرية الكبيرة؟

إن كل ما يظهر للإنسان العادي مثاليا، يظهر في أعين مريض الاكتئاب عاديا بدون نكهة أو لذة، كيف لا وهو فاقد للإحساس والشعور والحماس، وحيد داخل قوقعته، محاط بمشاعر الحزن والتشاؤم والذنب على أشياء لم يقترفها. أما أسباب الاكتئاب فقد تكون عوامل وراثية أو عند الإنتقال من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى حيث يجد الشخص نفسه محاطا بمسؤوليات جديدة فيقع تحت جملة من الضغوطات التي ترخي بظلالها عليه، إضافة إلى أسباب عاطفية خاصة بالنسبة للإناث وذلك لكونهن أكثر حساسية عكس الذكور الذين هم أكثر واقعية، الفشل الدراسي أيضا يمكن أن يكون عاملا مهما، خاصة عندما يحس الطالب أنه كان مواظبا ويدرس جيدا لكن نتائجه دائما ما تكون سلبية، الظغوطات داخل العمل خاصة بعض المجالات الصعبة كالمجال الصحي مثلا، فبين الحين والآخر نسمع عن ممرض أو طبيب ما أقدم على الانتحار ويكون ذلك في أغلب الأحيان بسبب عدم قدرته على مواجهة ظغوطات ومشقات العمل الصعبة والمتعبة.
في بعض الأحيان قد يكون الشخص هو من ينادي على الاكتئاب من خلال التفكير الزائد في مشاكل ومواقف خيالية لم تحدث كموت شخص قريب منه مثلا فيبدأ يشعر بالألم النفسي كما لو أن الموقف حقيقي. الاكتئاب لا يقتل مباشرة بالطريقة التي يصيب بها مرض السرطان ولكنه سبب حتمي للإنتحار حيث يعتبر الإنسان المريض بالاكتئاب أن الانتحار هو الحل الوحيد للتخلص من الأسى والحزن وإنهاء المشاكل، وحسب منظمة الصحة العالمية فالعديد من حالات الإنتحار تحدث نتيجة إنعدام القدرة على التعامل مع مختلف الأزمات فلا يجد الشخص غير الإنتحار كهروب قاسي فيكتب بذلك شهادة وفاته بيده.

يعتبر علماء النفس أن الانتحار هو نوع من العدوان الداخلي الذي ينتشر داخل الإنسان دون الخروج إلى المحيطين به ودائما ما ينظر المجتمع للمنتحر نظرة دونية تسبب في حرج اجتماعي وعبء نفسي لذويه فتجدهم غالبا ما ينكرون أن الشخص مات منتحرا. ولكن السؤال الذي يطرح، لماذا لم يواجه المنتحر مشاكله؟ لماذا لم يتغلب على نفسه؟ ماذا كان يحتاجه كبصيص أمل ليتشبت بهذه الحياة؟ لربما غياب أو انعدام الوازع الديني وافتقار الشخص للإيمان من الأسباب التي أدت به للانتحار، ولو أنه ترك أموره بين يدي الله لحلت مشاكله وأحس بطمأنينة كبيرة. وكختام لموضوعنا فالمريض بالاكتئاب لا يحتاج إلى شفقة أو نصائح سطحية بل أكثر من ذلك فهو يحتاج أن تقتحم عالمه وتحطم قوقعته لتنتشله منها قبل فوات الأوان.