الصيد في بحر غزّة.. فخّ ينصبه الاحتلال للصيادين
تاريخ النشر : 2019-11-06 19:46
صورة أرشيفية

غزة:

"نرجو ألا يكون البحر اليوم فخّ لنا" هكذا يحدّث الصياد مروان الصعيدي نفسه ثمّ يعدّ عدّته وينطلق إلى البحر، رحلة شاقة وخطرة، فهذا بحر غزّة مقيّد المساحة، ملغّم ببارود الاحتلال الإسرائيلي وبوارجه البحرية التي ترى في الصيادين ملاذاً لجنودها المتربصين بهم.

خالد هو ابن الصياد مروان، يعمل معه، لم يكن يعلم أنه يوماً سيفقد بصر عينه اليسرى باعتداء إسرائيلي وسط البحر، في مساحة يفترض أنها متاحة للصيد، لا تتجاوز الـ ٦ أميال بحرية ولكن بالطبع هذا ليس بمفهوم مزاج الاحتلال الذي لا يتردّد بإطلاق النار وملاحقة الصيادين بأي مسافة كانوا.

لم يكن خالد يعلم أنه يوماً سيفقد بصر عينه اليسرى باعتداء إسرائيلي وسط البحر

يقول الوالد إن الاحتلال فقأ عين ابنه بعد أن أصابه بشكل مباشر خلال اعتداء تطوّر حد اعتقاله وابن عمه والشقيقين هيثم وعوض بكر، من المنطقة المسموح الصيد بها في بحر خانيونس جنوب القطاع، وصادر حسكتين ومعدات صيد لهم في فبراير / شباط من العام ٢٠١٩.

ويضيف: "لا أمان على حياتنا ولا ضمانات بعدم استهدافنا من قبل جنود الاحتلال، في وقت نجبر فيه على العمل بالصيد لتوفير لقمة عيشنا، خاصّة أن دخلنا يومي وهذا أيضاً يحدده الاحتلال حين يمنعنا ويسمح لنا وحين يلاحقنا ويطردنا ويقتلنا أيضاً في عرض البحر".

في يونيو / حزيران من العام الجاري، أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بياناً يقول فيه إن القرارات الإسرائيلية الخاصة بتوسيع مساحة الصيد في قطاع غزة، لفترات متقطّعة منذ أبريل/ نيسان الماضي، لم تحسّن أوضاع الصيادين، ولم تحدث فرقاً كبيراً، فيما يتعلق بزيادة كمية الإنتاج، مرجعاً السبب إلى "استمرار استهداف البحرية الإسرائيلية للصيادين داخل المساحة التي يُسمح لهم بالصيد فيها، واستمرار فرض القيود على توريد المعدات وأدوات الصيد اللازمة للصيادين". 

القرارات الإسرائيلية الخاصة بتوسيع مساحة الصيد في قطاع غزة، لفترات متقطّعة لم تحسّن أوضاع الصيادين


وتابع: "سلطات الاحتلال ما زالت تفرض قيوداً على توريد المعدات والتجهيزات اللازمة للصيادين التي تساعدهم في الصيد، مثل المحركات، الألياف الزجاجية (الفيبر جلاس)، والكابلات الفولاذيّة وقطع الغيار اللازمة للصيانة؛ بحجة أنها مواد ثنائيّة الاستخدام". 

وهذا ما أكّده زكريا بكر منسق لجان الصيادين في اتحاد العمل الزراعي، الذي يقول إن عمل الاحتلال طوال الفترة الماضية على بخ سمومه بتضليل الرأي العام الدولي بفتح البحر أمام الصيادين في غزة بمسافة ١٥ ميل بحري، لكنّه لم يعلن أيضاً أن المسموح لهم الوصول إلى هذه المسافة هم ١٣ مركباً من مراكب "الجر" ولا يسمح لسواهم.

وبحسب بكر، فإن تكلفة الصيد لمركب الجر تتراوح ما بين ٥٦٠٠ إلى ٦٠٠٠ شيكل لليوم الواحد، أي ما يعادل حوالي ١٥٥٠ إلى ١٧٠٠ دولار، ما يحتاج أن تكون مساحة الصيد هذه وفيرة بالأسماك وإلا ستكون مغامرة لا يجرؤ بعض أصحاب المراكب على فعلها، خصوصاً إذا ما تعطل مركب أحدهم في وقت لا تسمح فيه إسرائيل بإدخال قطع الغيار والمحركات للصيانة منذ سنوات.

مساحة الـ١٥ ميل التي يروّج لها الاحتلال تكون في مناطق ليست خصبة بالأسماك غالباً

ويضيف أن للاعتبارات السابقة، في كلّ شهر يخرج مركب أو مركبين للصيد بمساحة الـ ١٣ ميل بحري على الأقل، حتى أن مساحة الـ١٥ ميل التي يروّج لها تكون في مناطق ليست خصبة بالأسماك غالباً، فعند الـ ١٢ ميل مثلاً والتي تبدأ من شاطئ مدينة الزهراء في الوسط حتى شاطئ مدينة رفح بالجنوب، توجد أنواع محدودة من الأسماك أبرزها السردين والغزال.

في قطاع غزّة، يوجد حوالي ٤٥٠ حسكة للصيد يعمل عليها حوالي ٣ أشخاص، يعيلون بدورهم ١٣٠٠ أسرة تقريباً – وفقاً لبكر -.

ومنذ شهر حزيران / يونيو للعام الجاري، يؤكّد أن المناطق المسموح الصيد فيها قد استنزفت، غير أن رحلة الصيد تكلّف صاحبها ٥٠٠ شيكل، وتحديد المساحات مع استنزافها يؤثر على دخل الصيادين بمقابل تكلفة الرحلة، أمر ذكره تقرير المركز الحقوقي أيضاً بأن إسرائيل، حينما يقرر توسيع مساحة الصيد، يقتصر ذلك على "المناطق التي تتصف بفقرها للأسماك". 
وأكد المركز على أن استمرار الحصار البحري، وحرمان الصيادين من الوصول إلى المناطق التي تتكاثر فيها الأسماك، تسببت في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لنحو 4 آلاف صياد، ونحو ألف شخص من العاملين في مهن مرتبطة بصيد الأسماك.

غزّة مدينة ساحلية، لماذا ترتفع فيها أسعار السمك؟ سؤال يزعج سكّانها، فئة الصيادين تحديداً، لماذا؟ يوضح بكر بأن عمليات الملاحقة والمطاردة وإطلاق النار عند مساحة الميل وحتى الـ ١٥ ميل بحري التي يمارسها جنود البحرية الإسرائيلية تجيب عن تساؤلات الناس غير المدركين لوضع غزّة، ليس هذا فحسب، وإنما طرد الصيادين بشكل مباشر وغير مباشر وسرقة معداتهم إلى جانب إطلاق النار عليهم في عرض البحر.

غزّة مدينة ساحلية، لماذا ترتفع فيها أسعار السمك؟

وينبّه "في اليوم الذي تشعر أجهزة الاحتلال بأن هنالك أسماك في المناطق المحددة للصيد، فإنها تقوم باستهداف الصيادين لإجبارهم على العودة للشاطئ، وبخلاف ذلك فإنها تسمح لهم بالعمل".

عن الأسماك المتوفرة حالياً في الأسواق، يعرض الصيادون كلّ من سمك السردين وغزالة البلاميدا التي تبلغ أسعارهم ١٠ شواكل / دولارين ونصف للكيلو الواحد فقط، فيما تعجّ أسواق غزّة بالسلطعون أو "الجلمبات" التي يباع الصندوق منها بقيمة ١٦ شيكلاً / ٤ دولارات تقريباً.

كما يؤكّد زكريا بأن الكميات المتوفرة من الجمبري مثلاً، والتي يتم اصطيادها على الشواطئ لا تكفي حاجة السوق الغزي ما يساهم في رفع أسعارها، غير عملية التصدير بالطبع.
ومنذ بداية 2019، يسمح جيش الاحتلال الإسرائيلي لصيادي غزة بالصيد ضمن مسافات متفاوتة، يقررها وفق حالة الهدوء الميداني على حدود القطاع. 
وكانت إسرائيل قررت توسيع مساحة الصيد، ضمن تفاهمات التهدئة التي تمت بوساطة مصرية وأُممية، مقابل امتناع الفصائل عن استخدام أدوات المقاومة الشعبية "الخشنة"، كالبالونات الحارقة، وعودة الهدوء للقطاع. 
وعن الاعتداءات التي نفّذتها البحرية الإسرائيلية بحق الصيادين خلال الفترة الممتدة بين نوفمبر/ تشرين ثاني 2017، وأبريل/ نيسان الماضي، قال المركز إن إسرائيل قتلت بالرصاص صياديْن فلسطينييْن، وأصابت 22 صيادا آخراً، كما تم توثيق 434 حادثة إطلاق نار تجاه الصيادين أثناء ممارسة أعمالهم، وإتلاف 15 قارب صيد، فضلاً عن اعتقال 121 صيادا واحتجاز 25 قارباً، وقطع من شباك الصيد.