إطارات مخالِفةٌ بغزة.. هل تكون سببًا في حوادث الطرق؟
تاريخ النشر : 2019-11-06 14:02

غزة:

تفاجأ سائق الأجرة رجاء موسى بانفجار أصاب إطار سيارته أثناء طريقه من مدينة خان يونس إلى غزة، إذ بالكاد سيطرة على المركبة ونجا وهو وجميع الركاب البالغ عددهم 4 من حادث سير مميت.

سريعاً قام السائق موسى بتركيب الإطار البديل، وذهب إلى أقرب ورشة لتغيير الإطارات، ليؤكد له صاحبها أن السبب الرئيس في انفجار إطار سيارته هو إنه ذات جودة رديئة.

وتذهب تحقيقات شرطة المرور عند تسجيل حوادث السير المميتة في قطاع غزة إلى حكم واحد وهو السرعة الزائدة للسائقين، مع إغفال أي دور للمركبات ومدى تطبيقها لإجراءات الأمن والسلامة المطلوبين.

عد الإطارات غير المطابقة للمواصفات والمقاييس، من أحد الأسباب الخفية لحوادث السير على الطرقات

وتعد الإطارات غير المطابقة للمواصفات والمقاييس، من أحد الأسباب الخفية لحوادث السير على الطرقات، حيث تشير تقديرات رسمية إلى أن نوعية رديئة من الإطارات دخلت إلى القطاع عبر معبر رفح البري، بعد حظر سلطات الاحتلال دخولها إلى القطاع، إضافة إلى لجوء بعض الورش الصناعية لتصنيعها داخليًا فيما يعرف باسم "إطارات الصب بدون هواء".

ومنع الاحتلال الإسرائيلي توريد إطارات السيارات إلى غزة بسبب الاحتجاجات الشعبية في المناطق الشرقية من القطاع، التي أشعل خلالها آلاف المتظاهرين الفلسطينيين الإطارات، بهدف حجب رؤية القناصة لمنع استهداف المحتجين، ليتم توريدها لاحقًا عبر مصر كمنفذ بديل بسبب النقص الحاد في السوق، ولكن بأسعار مضاعفة.

الإطارات غير المطابقة للمواصفات تعد سببًا لوقوع حوادث السير

وعلى إثر ذلك اتجه أحد التجار لاستيراد كمية كبيرة من إطارات (waterfall tyres) تركية الصنع، وبعد تمرير الإطارات إلى السوق الفلسطيني اشتكى السائقون وورش صيانة "الكاوتشوك" منها، ما دفع وزارة النقل والمواصلات لإصدار قرار بمنع استيراد إطارات "وتر فول" لـ"عدم مطابقتها للمواصفة الفلسطينية".

ويؤكد مهندس "ميكاترونيكس"، وشرطة المرور أن الإطارات غير المطابقة للمواصفات تعد سببًا لوقوع حوادث السير، إذ يعمل الإطار السليم المطابق لمواصفات السلامة المرورية على تماسك الاحتكاك بين عجلات السيارة والطريق، ومنع الانزلاق والدوران والسير بمنحنيات.

وتنص كراسة المواصفات الفلسطينية لإطارات السيارات الصادرة عن وزارة النقل والمواصلات، على ضرورة أن تتضمن البيانات المكتوبة على الإطار تاريخ الصنع، وألا تزيد صلاحيته عن ثلاث سنوات، إضافة إلى اسم الدول المنتجة.

كما تلزم الكراسة التجار المستوردين بضرورة أن تكون الشركات المصنعة حاصلة على شهادة الجودة "الأيزو"، وتدون على منتجاتها عدة معايير يرمز لها بأحرف إنجليزية، وهي: معامل السرعة الذي يرمز له بالأحرف ((L-Z، وتحدد الكراسة الحرفين (A) أو (B) لمعامل الحرارة، وتطلب لمعامل الاحتكاك الرمز (A).

وتعد المواصفات الفلسطينية قريبة من ما تطلبه الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، إذ تُلزم بإظهار تاريخ إنتاج وصلاحية إطارات السيارات، حفاظاً على سلامة الركاب وأمان المركبة.

ويؤكد صاحب مجموعة شركات تصليح الإطارات أن السوق الفلسطينية دخلت منها مؤخراً كميات من الإطارات الرديئة التي تنفجر أثناء سير المركبات.

مدير شركة "وتر فول" في الشرق الأوسط والموجودة يؤكد أن شركته وردت إلى قطاع غزة أكثر من 10 آلاف إطار.

مدير شركة "وتر فول" في الشرق الأوسط والموجودة في العاصمة المصرية القاهرة، محمود المصري، يؤكد أن شركته وردت إلى قطاع غزة أكثر من 10 آلاف إطار.

ويوضح أن هذه النوعية من الإطارات حاصلة على شهادة الجودة "الأيزو" ولا يوجد بها أي عيب صناعي، ولكن تكمن المشكلة حين يتم استخدامها في شوارع بها حفر ومطبات كبيرة كقطاع غزة.

كميات كبيرة

الناطق باسم اتحاد تجار إطارات السيارات بغزة، طرزان دغمش يُقر بأن أحد التجار استورد بالفعل فئة من الإطارات غير المطابقة للمواصفات والمقاييس الفلسطينية، والتي بيعت لمتاجر تغيير الإطارات في قطاع غزة، ووضعت على عدد كبير من السيارات.

ويكشف أن نوعية إطارات "وتر فول" التي دخلت القطاع "غير جديدة التصنيع، وإنما أعيد إنتاجها من مواد قديمة، مع وجود تلاعب بنسبة المطاط والأسلاك، وطغيان مادة البلاستيك على مكونات تصنيع الإطار.

ويقول دغمش: "الإطار المطابق للمواصفات الفلسطينية يلزم بأن تكون نسبة المطاط فيه 70%، ولكن نوعية "وتر فول" التركية تتضمن نسبًا عالية من البلاستيك، وهو ما يجعل المركبة لا تقف عند الفرملة في حالة وقوع حادث باللحظة المطلوبة".

هذه النوعية من الإطارات لا تزال متداولة في السوق ووصلت بعد المنع 150 إطار

ويؤكد أن هذه النوعية من الإطارات لا تزال متداولة في السوق ووصلت بعد المنع 150 إطار، خاصة أن الكميات التي دخلت القطاع قبل صدور قرار الوزارة بالمنع كبيرة، مشيرًا إلى أن دولة الاحتلال تحظر أيضا التعامل أو استيراد هذه النوعية من الإطارات بسبب عدم جودتها.

وحول خطورة نوعية إطارات "وتر فول"، يذكر دغمش أنها تُسهم بانزلاق واندفاع المركبة ولا تمكن السائق من السيطرة عليها عند التوقف المفاجئ بسبب طغيان مادة البلاستيك على تكوين الإطار، محذرًا في الوقت عينه من استخدام إطارات "الصب بدون هواء" المنتجة في غزة، كونها كتلة واحدة.

بين الوظيفة والاستخدام

مهندس الميكاترونيكس، علي المصدر يؤكد أن أحد أسباب حوادث السيارات يرجع إلى سوء اختيار صاحب السيارة نوعية الإطارات المناسبة لمركبته، أو إهمالها وعدم استبدالها في الوقت المناسب، وفق دراسة حديثة صدرت في الولايات المتحدة.

ويبين أن الإطارات تعمل كمخدات أو وسادات هوائية بين المركبة والطريق لامتصاص الصدمات، إضافة إلى الحفاظ على التماسك الاحتكاكي بين عجلات المركبة والطريق لمنع الانزلاق في حال وجود مسببات لذلك أو عند الدوران والمنحنيات.

وتصنع الإطارات من مواد مختلفة يدخل بها شرائح متعددة من الخيوط والمطاط والأسلاك الحديدية المغطاة بالزنك والنحاس، حسب المصدر، ملفتًا إلى أن نوعية الإطارات وجودتها تلعب دوراً مهماً أثناء الانعطاف والتوقف، "إذ يفضل أن تكون الإطارات الأربعة من نفس النوع، كما أن العمر الافتراضي للإطار تحدده طبيعة الاستخدام والمنطقة التي تسير بها المركبة كطريق جاف، أو ثلجي، أو وعر".

تؤدي غياب المواصفات عن الإطار إلى ضعف الفرملة بسبب قصر مسافة الاحتكاك بين الإطار والأرض

ويبين أن استيراد إطارات غير مطابقة للمواصفة الفلسطينية، يزيد من فرص اصطدام المركبة وتأذي الركاب على الطريق، كما يتسبب تلف منظومة التعليق في المركبة، أو إتلاف أجزاء منها، كما تؤدي غياب المواصفات عن الإطار إلى ضعف الفرملة بسبب قصر مسافة الاحتكاك بين الإطار والأرض، وانزلاق المركبة في المنحنيات واحتمال انقلابها بسبب السرعة، وزيادة الزاوية بين الإطار والإسفلت.

ويشدد المهندس المصدر على ضرورة التزام التجار والسائقين بالمواصفات التي تصدرها وزارة النقل والمواصلات، ونشر الوعي وتحذير من مخاطر الإطارات غير الملائمة للمركبة، مشيرًا إلى أن بعض الشركات تعطي عمر افتراضيًا ليس أكثر من ٦ سنوات للإطار، وهو ما يوجب على السائق معرفة قراءة الرموز المدونة على الإطار، مثال (245 /40R F 19 94 W).

ويؤكد أن إطارات "الصب بدون هواء" المصنعة في غزة تشكل خطرًا على سلامة المركبة وركابها، منبهًا إلى أن ضغط الهواء في الإطار لابد أن يتراوح ما بين (٣٣ و٣٥)، وتكون عمق الأخاديد في الإطار ما بين (٢.٥ ملم) إلى (١.٥) ملم، وأقل من ذلك يؤدي لضعف الفرملة ويزيد من فرص وقوع الحوادث.

السوق الفلسطينية دخل منها كميات من إطارات رديئة الجودة خلال الفترة الماضية

إبراهيم بارود صاحب مجموعة شركات أبناء بارود للإطارات، يؤكد أن بالفعل السوق الفلسطينية دخل منها كميات من إطارات رديئة الجودة خلال الفترة الماضية.

ويقول بارود: "هذه الكميات من الإطارات تنفجر والمركبات تسير، وتشكل خطر على حياة قائد المركبة والركاب".

ويضيف بارود: "هذه النوعية من الإطارات هي تجارية هدف من استوردها فقط الربح، وعمرها الافتراضي قصير جداً بالكاد يصل إلى 6 شهور في حين يجب أن يمتد إلى أكثر من عام".

واجه معد التحقيق أبو عبيدة عبد العال، صاحب الشركة التي تستورد إطارات "وتور فول" لقطاع غزة، ليؤكد أن هذه النوعية من الإطارات أوقف إدخالها بسبب رفض التجار شرائها مؤخراً.

وقال عبد العال: "إطارات وتر فول جيدة وحاصلة على شهادات دولية ويتم توريدها لكثير من الدول، ومناسبة لقطاع غزة الذي تبلغ مساحته 40 كيلو متر حيث لا ترتفع حرارة الإطار بها".

الجودة واحتياجات السوق

في حين يقول مدير المعهد المروري بشرطة المرور والنجدة مصطفى الشاعر :"إن الإطارات غير المطابقة للمواصفات والمقاييس لها علاقة كبيرة بحوادث السير ليس في قطاع غزة فقط، وإنما على مستوى العالم".

ويقر بأن أسواق غزة شهدت دخول إطارات غير مطابقة للمواصفات، إضافة إلى رواج إطارات صُنعت بجهود فردية، مشيرًا إلى أن الظروف الصعبة، وتضاعف أسعار الإطارات منذ نحو عام بسبب منع سلطات الاحتلال دخولها، دفعت السائقين إلى هذه النوعية غير القانونية، التي لها انعكاسها السلبي على حالة المركبة وركابها.

لكن الشاعر يوضح بأن المركبة تتحمل 5% فقط من أسباب حوادث السير، وتشمل هذه النسبة الإطارات غير المطابقة للمواصفات، وأمور ميكانيكية وفنية أخرى، منبهًا إلى أن الإطارات تعد أحد أهم أجزاء المركبة فهي من تنقل جسمها وأحمالها على الطريق، وتمثل صمام الأمان الأول لمنع وقوع حادث سير.

ويشير مدير المعهد المروري إلى أن الأخاديد على الإطار لابد أن تكون بعمق (2 ملم) على الأقل، ويتوافق سمكها مع كراسة المواصفات، كما يتوجب على السائق التقيد بالحمولة المسجلة في رخصة المركبة، فللإطار قدرة قصوى على التحمل يرمز لها برقم مطبوع على الإطار يجب على السائق التقيد به "وفي حال عدم الالتزام بذلك، أو في حال كانت الإطارات مهترئة يحرر إشعارًا لقائدها بالتوجه لإحدى مراكز فحص (الديناموميتر) لتسوية وضعها".

ويؤكد أن شرطة المرور سجلت مخالفات لعدد من المركبات غير المطابقة للمواصفة بعد الفحص الظاهري لها، وللأخاديد الموجودة في الإطار نفسه، ملفتًا إلى أن إدارة المرور تحاول الموازنة بين نقص الإطارات في السوق، وبين جودة المصنعية ومتطلبات الأمان، لضمان رحلة بدون حوادث سير.

وبشأن إطارات الصبّ المصنعة محليًا، يلفت الشاعر إلى أن بعض المركبات تستخدمها لكن يشيع استخدامها أكثر لدى مالكي الدراجات النارية، محذرًا منها "كونها لا تمكن السائق من التحكم في الفرملة بالشكل المطلوب وتقود إلى حوادث سير".

غياب الإمكانات

ويفيد نائب مدير الدائرة الفنية في وزارة النقل والمواصلات أنيس عرفات، بأن الوزارة منعت فعلًا فئة من إطارات السيارات بسبب عدم جودتها، أو لعدم مطابقتها للمواصفة لفلسطينية، موضحًا أن الوزارة قررت منع إدخال الإطارات من نوع "ووتر فلو" استنادًا إلى إفادات ورش تصليح الإطارات.

ويلفت إلى أن النقل والمواصلات لا تمتلك الأدوات لإجراء فحص مخبري للإطارات، وإنما تعتمد على الفحص الظاهري للبيانات المدونة على الإطار، إضافة إلى تجميع معلومات من أصحاب ورش الصيانة.

ووصل عدد ضحايا الحوادث المرورية في قطاع غزة منذ بداية عام 2019،  52 حالة وفاة، جراء 3354 حادث سير لمركبات ودرجات نارية، وفق إحصائية حديثة حصل عليها معد التحقيق.