سردية الدم متلازمة الأخ
تاريخ النشر : 2019-09-15 09:07

خلال تتبعي لعدد كبير من جرائم قتل النساء كان القاتل هو "الأخ"، الرابطة الأقوى والأكثر حرمة وتلاصقاً، والمنوط بها أن تكون الأكثر رأفة وحباً، لكن كما يبدو أكبر ظلام النساء أقربهم لحماً ودماً إليهن، لا تبدو لي النتيجة غريبة، في مئات القصص والقضايا التي حررتها أو عملت عليها خلال عملي كان "الأخ " بصفته ومقامه وموقعه يبرز طوال الوقت الأشدّ خطراً والأسرع في الضرب والتعنيف، هل نحمل في أرحامنا قتلة؟؟
الأخ هو مَنْ جمعك وإِياه صُلْب أَو بطن أَو هما معًا كما تعرفه المعاجم وتبحر في وصفه الأغاني والموروثات، وهل أخطئنا عندما صدقنا أن الدم واللحم واللبن قادرات على أن يكن روافد حماية، وأسباب عظيمة وموجبة لتحريم جزّ اللحم وهدر الدم وتفتيت الأصلاب الواحدة، وهل كلّ ما يقال عن الحنيّة ومشاعر الإخوة التي تتربع على عرش المشاعر وديمومتها كلاماً قابلاً للنقض!
كل مرّة تقتل امرأة أتساءل ألا يخجل من يقوم بالفعل من أمّه، ألا يشعر بكم يقتلها عندما يقتل ابنتها؟ هل يبكي قتلة أخواتهم بالليل ويتذكرون هذه الشقيقة شريكة الرحم.

في طفولتي كان منظر فتاة وأخيها يمسكان بأيدي بعضهما وهما ذاهبان للمدرسة يثير بي نقصاً ورغبة بملامسة هذا الشعور فلقد كنت حينها لا امتلك اخاً وأخي المنوط به هذا الدور معاق جليس البيت، حتى الآن لا أصدق أن هذا الولد الحنون قتل رفيقة يده بعد عشرين عاماً لشبهة شرف، فكيف تجاوز يدها وقصها من ذاكرته وأنا الغريبة البعيدة لا زلت أحنّ لتشابك أيديهما.

دعوني من كلّ الكلام المنمق الجميل ومن افتراضات العائلة المترابطة والدم الذي لا يفقس ماء، ما يحدث وما حدث منذ أن تغنّى شعب بأكمله لمتولي الذي غسل عار شفيقة لم يعدّ في القلب متسعاً لتصديق كل ما نرفعه للسماء ويلقينا تحت التراب.
ما يقارب 380 امرأة قتلن منذ العام 2000، عدد غير دقيق لكنه بكل الأحوال الحد الأدنى، لا يشمل الفلسطينيات داخل فلسطين التاريخية ولا يشمل الفلسطينيات في القدس ولا يشمل الفلسطينيات بالشتات، ببساطة في كل شهر تقتل امرأة واحدة على الأقل، في كل شهر تقوم عائلة بقتل جزء من رحمها، تقوم عائلة بإثبات عارها وليس كما يدعون انهم يغسلون عارهم، فكيف يغسل عار من يقتل أخَيَّته؟ واي عار أكبر من تدس قدمك في رحم أمك لتقتل تحويشتها صغيرة كانت أم صارت كبيرة؟؟
لا أكتب هنا لأعبرَ عن غضبٍ أو استغراب، فكل هذا أحياه كلّ يوم، وكل هذا الفعل الشنيع صار خبز وزيت هذه الأمة منذ فجر تاريخها، وكل هذا العنف تجاه شقيقات الرحم يبرره الكبير والصغير، وكل هذا الوجود للنساء لا ترونه إلا من طاقة ضيقة: أجسادهن التي تتعبكم، وحياتهن التي ما كان لكم دور في إيجادها فكيف تغضبون الربّ الذي أوجدها وتقتلون ما لا تستطيعون أن توجدوه.
اصنعونا إن "استطعتم" واقتلونا حينها، "اخلفونا" لو قدرتم وعاقبونا بالموت كما شئتم، ولكن ما دمتم مثلنا من تراب ولحم ودم وروح لا فضل لكم في أنفسكم أكثر من فضلنا بها، فبأي حقّ تفعلون ذلك؟
متكبرون أنتم وجداً ولا تعرفون أن صرختنا التي خرجنا بها للحياة هي ذاتها صرخاتكم، فمن أين تأتون بكل هذه القسوة لتسكتوا صرختنا، من أين تأتون بكل هذا القبح ونحن وإياكم مجرد عابرين لحياة واحدة قصيرة، من حقنّا أن نحياها مثلكم تماماً بكامل الكرامة.
هل حقاً تتمتعون بهذا الكرامة التي منحت لكم كبشر؟ وهل تنظرون في مراياكم كل صباح و تسألون أنفسكم أي ترفع أو ميزة تمتلكون حتى تعطوا لأنفسكم الحقّ في الاستعلاء والتمايز عنّا؟
إذا كان الأمر كذلك فلماذا الوطن مسلوبٌ منذ سبعين عاماً؟ ولماذا القهر الذي نحيّاه والفقر الذي يطال كل مناحي حياتنا؟ لماذا تسكتون عن الظلم والفساد واستقواء البشر عليكم؟ ولماذا إذا كنتم "رجالاً "كما تتدعون ترتضون بكل هذا الذلّ والمهانة وتستقون على النساء.