عيد غزّة.. "عند دار سيدي وفي الميناء"
تاريخ النشر : 2019-08-13 23:15

غزة:

"كيف يكون العيد خارج غزّة؟" سؤال كان حاضراً بين مجموعة أطفال يتحدّثون صدفة أمام معدّة التقرير، وأما عن حوار  الإجابات فكان كالآتي:"أكيد عيدياتهم بتكون كبيرة.. وأكيد عندهم مدن ملاهي ضخمة يذهبون إليها، ومطاعم حديثة، بس هما ما بيطلعوا بالشارع مثلنا، لا توجد لديهم مراجيح في شوارعهم ولا بائعي الشاورما والكبدة..".

ساروا ثلاثة أطفال نحو عربة الكبدة المصطفة على الرصيف وتعجّ بالأطفال، إنه ساندويش العيد بالنسبة لهم، سعره بسيط لا يتجاوز الشيكل الواحد لكن قيمته كبيرة لديهم، فالرائحة تفوح وتلوّح للأدمغة أنها كبدة لن تتكرر، عليك أن تجربها أيها المار دون تردّد.

كيف شكل العيد في غزّة؟ هذا السؤال الأهم الآن، العيد يتواجد في مناطق محدّدة، عند مفترقات الطرق الرئيسية في حي الشجاعية شرق غزّة، وعند مفترق الأمن العام على قرابة من شمال القطاع، وفي الجندي المجهول وسط مدينة غزّة وفي متنزّه البلدية الكائن في شارع عمر المختار أيضاً.

أطفال من كل الأعمار، يرتدون أزهى الألوان وأحلاها، يضحكون ويفرحون عندما تطير بهم الأرجوحة، يغنون بعلو صوتهم "طيري وهدّي يا وزّة، ع بلاد غزّة يا وزّة، خليك حزينة، تحت التينة.." حتى في أغانيهم وضحكاتهم يرتبط مفهوم الحزن مع طائر حبيس يحلّق في سماء مدينة يحاصرها الاحتلال منذ ١٣ عاماً، فأي سجن هذا؟ وأي آدمية هذه؟

"الزيارات عند دار سيدي والد أبي في اليوم الأول، وعند دار سيدي والد أمي في اليوم الثاني، وفي اليوم الثالث مع أولاد الحارة إلى ميناء غزّة" يتحدّث الطفل سامح الحلو عن جدوله في عيد الأضحى.

فالزيارات محدّدة بين أهل الأب وأهل الأم ولا ثالث لها سوى في الأماكن العامّة مثل الميناء، التي تتزيّن بدورها بآلاف الناس الذين قرروا الاحتفاء في العيد هناك، وسط نسمة هواء باردة، بعيداً عن انقطاع الكهرباء.

يضيف الطفل: "بنشوف البحر، ونتخيل إلى أين يمكن أن نصل فيه لو ذهبنا في رحلة بحرية، بالتأكيد سوف يطلق جنود الاحتلال النار علينا إن تعدينا مساحة الـ ٦ ميل، كما يفعل مع الصيادين" متابعاً أنه يدفع مبلغ 20 شيكلاً / 4 دولارات ونصف مقابل هذه الرحلة التي لا تبعد عن الشاطئ كثيراً، إلا أنها تشعره بعض الشيء بالراحة والحرية وتغيير الجو، فتبدو الناس بعيدة عنه يراهم من بعيد ويتساءل "ماذا لو ركبت طائرة؟ كيف سيبدو شكل الناس وأنا في الأعلى؟".

سرعان ما يضرب خيالاته وتساؤلاته شكل طائرة حربية تضرب بصواريخها الفلسطينيين في قطاع غزّة فتقتلهم، هذا هو الواقع إذن، يحاصرنا الاحتلال حتى في خيالاتنا وفي أحلامنا.

الطفلة ميار حسنين لديها نفس التخيلات، تتمنى مرور العيد بسلام، تحب ملاهي الشارع القريبة من منزلها، تستيقظ صباحاً، ترتدي فستانها الأحمر، تعدّ عيديتها (٣١ شيكل حتى اليوم الثاني) ثمّ تلتقي بصديقاتها اللاتي ينتظرنها أمام المنزل ويذهبن جميعاً إلى الأراجيح، وفي اليوم الثالث قررت أن تأكل فرشوحة الشاورما معهن في منتزه البلدية، هكذا اتفقن مع عائلاتهن.

مريم مسعود 34 عاماً، أم لثلاثة من الأطفال تحكي لنا عن أجواء العيد في أسرتها، بدأت من استطاعتها تدبير كسوة العيد بأقل الأثمان لتوفر على زوجها الذي يعمل في مخبز بيومية تبلغ 25 شيكلاً / 5 دولارات، وكيف ستستغل بناطيل الجينز لتكون كسوة زي المدارس أيضاً.

تقول مريم "في اليوم الأول نستقبل الضيوف حتى الساعة الرابعة مساءً تقريباً، نصلي العصر ومن ثم آخذ أولادي بصحبة زوجي إلى بيت أهله، نجتمع مع إخوته وزوجاتهم وأبناءهم، نتبادل صحون الكعك والمعمول وبعض المسليات".

وعن الأحاديث المعهودة في الأعياد، تضيف أنها تبدأ بطرق صنع الكعك ثم أسعار مستلزماته وصولاً كالعادة إلى الوضع الاقتصادي وكيف يتدبر  الإنسان في غزّة أمره، وبعضهن يشتكي أنه لم يستطع صنعه بسبب سوء الأحوال الاقتصادي ويكتفي باستقباله من الأقارب.

تتابع:"نتحدث عن العيديات ونقارنها في الأعوام السابقة، كيف انخفضت وكيف تحولت إلى عبء بعد أن كانت فرحة توزّع بين الناس بكلّ حب، وفي هذا الأمر بالطبع يشاركنا الأطفال بشكاويهم منا نحن الأمهات بسبب مصادرة أجزاء من العيدية".

مصادرة العيدية من قبل الأمهات في غزّة في الحقيقة فعلاً هي محور أحاديث الأطفال، فتتذرّع الأمهات بأنها ستوفرها له لشراء حذاء جديد للمدرسة، أو إعادتها لهم على مدار أيام كي لا يتعودوا على الإسراف، وفي غالب الأمر فإنها تذهب إلى مصروف البيت ومستلزماته.. هذه غزّة حيث لا عمل ولا مال وخطّ فقر مدقع، نتيجة حتمية لحصار محكم وثلاث عدوانات إسرائيلية حصدت الزرع والضرع في القطاع.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وصلت نسبة الفقراء إلى ما يزيد عن نصف السكان في قطاع غزة، فقد بلغت 53.0%، أما بناءً على خط الفقر المدقع فقد بلغت نسبة الفقراء حسب المسح وصلت في قطاع غزة الى 33.8%.