ظاهرة نسوية رسمية شرايعة: الدخول في حيِّز الذاكرة
تاريخ النشر : 2019-07-14 09:08

من كفر عانة/ يافا، إلى قبية/ رام الله، إلى اللبّن الشرقية/ نابلس، إلى مخيم بلاطة/ نابلس؛ هُجِّرت الحاجة "رسمية أحمد سعيد عبد الهادي شرايعة" العام 1948، وبقيت تحلم بالعودة، حتى رحيلها عن عالمنا، يوم 28 حزيران 2019.
لم تبدأ الحاجة روايتها حول يوم التهجير بالحدث ذاته؛ بل بدأت بتوجيه الاتهام لمن كان وراء الحدث، في وعي لفصول المؤامرة المبيّتة مبكّراً ضد الفلسطينيين:
"أهل البلد معهمش سلاح، السلاح مع اليهود، منين أخدوه؟ من بريطانيا، بريطانيا كعدوا 35 سنة في بلادنا، أنطوا سلاحهم لليهود، وأنطوهم سياراتهم، وكل شي سلّموهن إياهن، بعدها كالوا للفلسطينية: تعالوا، هَيْ إحنا بدنا نطلع.
بكينا في الليل يرموا علينا مدافع موتر، نروح انّام في القمح، القمح بعيد، حامل أنا الولاد، وطالعين في الليل، ضربوا ورانا قنبلة، رميت الولاد على الأرض نيَّمتهم، ونمت فوقهم، على بال ما نترت لفوق، حملت الولاد بصحة وعافية، وطلعت ع القمح، شهر وإحنا إنّام في القمح، في الخلا.
كلنا طلعنا مع بعض وجينا على قبيه، بالطريق كانوا يعترضوا العصابات اليهودية ويكَتّلوا، والله كتَّلوا 40 نفر، كتّلوا 40 نفر ع البيدر، ما هو الطريق عن البيدر تمرك، والله تعبنا وذقناها يمّه.
الدول العربية كُلَّيتهم قالوا: طلّعوا البنات الصبايا، مع الولاد الزغار، والبنات الزغار، إن شثَّرت أسبوعين ثلاثة، هَيْ الدول العربية في الطريق، قال: بدهم يحاربوا اليهود".
*****
"طلعنا من كفر عانة على قبيه. قبيه قليلة ميّتها، نفرّ 4 جبال تنّا نجيب نقلة ميّه. كعدنا 6 تشهر. 
في قبيه؛ كنا نروح نعبّي الميّه من الجبال، فرّينا 3 جبال، إنتكلنا على الجبل الرابع أنا وأخته لزلمتي. الجارة اللي احنا عندها "ذهبه"، بكول لها: الله يقطعتشن ويقطع بلادتشم، من الصبح إلنا، وهي صارت الدنيا بعد العصر، وإحنا دايرين على جلن الميّه، 4 جبال فرّينا، وإللاّ هي بتقول: وليش ما كلتن لي، إحنا عنا بير هناك، صرنا نملّي من عندها، ونروح على على المحلات تاعتها اللي في في الجبل، نُغسل نُنشُر، ونتحمَّم في البيت اللي عملينه في الحقل، تَ ينشفن هالأواعي انلملمهن، ونسحب حالنا ونروِّح.
بعدين كعدنالنا أبو جمعتين، وطلعنا على اللبّن، إستأجرنا سيّارة، وأخدنا أغراضنا ورُحنا، نصبنا هالخيمة، وكعدنا فيها 3 سنين، بعدها أجت الوكالة، يالله على نابلس". 
*****
عبر رواية الحاجة رسمية، التي وثقها مركز "الرواة للدراسات والأبحاث"، العام 2017، ضمن مشروع توثيق روايات التهجير الفلسطيني العام 1948؛ تبدّت قوة، وصلابة، وحنكة المرأة الفلسطينية، في مواجهة ظروف التهجير الاقتصادية والاجتماعية القاسية: 
"بكينا نطلع نروح نجيب حطب، نطلع من اللبّن على عمورية، ومن عمورية على جبل سلفيت، نروح من هناك نجيب حطب، تشِلّ يوم إلي حزمة حطب، فش كاز، الكاز غالي، وقية الكاز بكت بِ 3 قروش، وشو بدّك تجيبي كاز؟ يا دوب للضوّ، وبدنا نُطبخ ع الحطب، نساوي شاي، بدنا نغسل ونتحمَّم ع الحطب. نطلع بدري، مَحنا صبايا، نطلع من البلد 20 - 30 وحدة. ما تسير الساعة 8 إلاّ الحزمة في الدار.
في نابلس، جَبونا ع الأرض هذِه، نظّفنا الأرض وحدَّدت عليها ع الداير، مليتها على الداير طينة، وأحطّها بالشمس تغلي، أتشعبلها تشعابيل وأرميها في الشمس تَ يتجمد، وثاني يوم أسير أرمي وأنا لحالي، ما حدا عاونّي، تَلَفّيت الدار تشِلّها. بكى عمري 22 سنة. بنيت بيت، بنيته بالطينة. بكيت أبني لحالي، والله إنّاكِل الميّ وأساوي الطينة وأبني لحالي، وجوزي كان يشتغل يدوّر له على شغلة.
وبعدها اتطوّرت معانا المصلحة.
إحنا بكينا فاتحين دتشاتين فيها بضايع للأكل والشرب، فيها بضايع قماش بِ بالدراع، فيها بضايع قماش ملابس داخلية وفوقنيه، من بنطلونات، من قمصان، من جميعه.
بكيت أبيع فيه أنا وجوزي، نجيب إلنا سحبتين سحبة أول الشهر وسحبة نص الشهر، مكان شركة كبيرة شركة أتا بقولوا الها، كنا نسحب؛ يعني إذا بدّه يبيعها مطرحها عليها 50 دينار، إحنا كنا نبيعها في دارنا عنا، وناخدلنا منها مربح زي 100 دينار، بكت علينا إحنا منيحة، مَحَلّي بكى يبيع أكثر من كل دتشاتشين البلد، أكتشر من 60 دُتشانة، أنا بكيت أبيع النص وهمّه النص. 
هاضا شَشى علينا مين؟ المختار، بدّه رخصة  محل تشبير، وميخدين رخصة، بدّه يوخدها. شَشى علينا للحكومة. أنا في البرنده هيك بتطلَّع، إلاّ أربع جنود ومعاهم ضابط جايين، سَتشَرت الدُّتشانِة، وحطِّيت المفتاح في جيبتي، وظلّيت واقف في البرندة برّه، إلاّ بكول: هاذي دُتّشانِة "محمد سمارة"، كُلِتِلُّه: آه، إلاّ بكول لي: إفتحي لنا إياها، كُلتِلُّه: بَفتحهاش، كال: لا مش على خاطرِتش، كُلتِلُّه: وإللاّ على خاطرَك؟  كال: هاتوا المخاتير، جابوا كل ختيارية البلد، شو؟ إنتلت الحارة، الضابط: إفتحيها، من شُتُر ما حَرّوا عليّ على الفتح، كُلتِلُّه: إسمع، أنا بَنطيك المفتاح تفتح الدُّتشانِة، أما فيها 1000 دينار، إزا راحوا عليك إنت، ما فش غير الواقفين، كالوا: مزبوط، والله إحنا بنشهد، كُلتِلُّه: إنت حُرّ، بتكبل بنطيك المفتاح.
والله نَصَت إلاّ بِقول: طب بَلتشي ما فيهاش، كُلتِلُّه: فيها 1000 دينار، إن شالله بتروح ليرة منه إنت االلي مكلّف فيه. قال: بكره بنيجي، كُلتِلُّه: الله يسهل عليك. ما قدروش، طب بلكي ما فيهاش! خاف. ما كَنش في الدكان 1000 دينار، والله ما فيها ولا تعريفة، بصراحة.
في بلاطة تعلمت أساوي بوظة، وتعلمت أسوِّي شراب، وتعلمت خياطة، تشِلّ يوم أخيِّط 4-5 جَكيتات، يطلعن مصروفنا، الماكينة  لليوم عندي.
بدّي أشتغل، بدي أشتغل ونساعد مشان ولادنا. كان فيه عندي دفتر ديون أسجّل عليه ديون الناس، الحمد الله، شغلي وشغله سوا".
*****
الحاجة رسمية شرايعة،
رحلتِ عن عالمنا؛ لكن القيم التي أكّدتها باقية أبداً؛ قيمة العمل، والكفاح، والمساواة، والشراكة.
قدَّمتِ نموذجاً ملهماً للمرأة الفلسطينية الذكية والشجاعة والمحنَّكة. سوف يظل عملك وعمل نساء جيلك ملهماً للأجيال. 
مكانك في ذاكرة بلدك وأحبائك، وفي ذاكرة الشعب الفلسطيني الجماعية. 

[email protected]
www.faihaab.com