كيف يمكن إصلاح الجهاز القضائي الفلسطيني؟
تاريخ النشر : 2019-07-09 13:07

رام الله:

"هل يمكن إصلاح الجهاز القضائي الفلسطيني؟" سؤال كبير طرحه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان أثناء مؤتمر أهلي عقده في مدينة رام الله يوم أمس في ظل الصعوبات التي بات يعانيها القضاء نتيجة الانقسام والسيطرة السياسية عليه وتفشي النزاعات داخل الجسم المنوط به تحقيق العدالة الاجتماعية، وانعدام المساءلة والمحاسبة وتراكم القضايا المنظورة أمامه ما أدى لإضعاف ثقة المواطنين الفلسطيني به.

واقعٌ دفع 28 مؤسسة أهلية فلسطينية مختصة في العمل القضائي وحقوق الإنسان إلى عقد مؤتمر بعنوان "نعم لإصلاح منظومة العدالة وتوحيدها في فلسطين"، ناقش على مدار ثلاث جلسات نشأة القضاء الفلسطيني والتحديات التي تواجهه ورؤية المجتمع المدني لإصلاح السلطة القضائية وتحدياتها.

خرج المؤتمر بجملة من التوصيات الواقعية، والتي تحتاج إلى إرادة سياسية منها تهيئة المناخ العام لإصلاح القضاء من خلال الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، تضمن وجود جسم أصيل مختص بالتشريعات عامة والمتعلقة بالقضاء بشكل خاص، وإقرار التشريعات القادرة على تحقيق إصلاح جذري في السلطة القضائية.

ضرورة أن تتوقف السلطة التنفيذية عن أي تدخلات في الشأن القضائي، واحترام القانون في إجراءات تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى وباقي الوظائف القضائية العليا، كانت أيضاً من ضمن التوصيات إضافة إلى وتوقف القضاة عن سياسة إعاقة أية محاولات إصلاحية للقضاء، وعدم اعتبار أن القضاء هو بمثابة إقطاع خاص بهم دون غيرهم من قوى المجتمع الفلسطيني، وإتاحة المجال للجمهور للتعبير عن رأيه في الشأن القضائي، دون تشويه أو تخويف أو تخوين.

الحضور أوصوا بتفويض فريق مجتمعي من المشاركين والمشاركات في المؤتمر من ذوي الخبرة والمشهود لهم بالسمعة الحسنة بمهمة متابعة تنفيذ الرؤية المجتمعية لإصلاح القضاء التي عرضت في المؤتمر والملاحظات والكلمات والمداخلات والتوصيات التي قدمت خلال جلسات المؤتمر، تأخذ بعين الاعتبار المشاورات المجتمعية الجارية لإصلاح القضاء، واعداد مقترح تفصيلي للإنقاذ يتم الاعلان عنه رسمياً في موعد اقصاه 4 اسابيع من تاريخ انعقاد المؤتمر.

ووضع المؤتمر نصب رؤيته تعزيز ثقة المواطن بالقضاء الفلسطيني، إذ أظهر استطلاع للرأي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مؤخرا بأن 36% فقط من المستطلعة آراؤهم يثقون بالقضاء الفلسطيني، فيما يرى 67% من المستطلعة آراؤهم في الضفة الغربية أن هناك فساد يعتري السلطة القضائية وذلك بحسب استطلاع الرأي السنوي الذي أجراه ائتلاف أمان حول الفساد ومكافحته، الأمر الذي يسجل تردياً ملحوظاً، وضعفاً في ثقة المواطنين في القضاء، ما يدق ناقوس الخطر، مستوجباً إيجاد حل لإصلاح السلك القضائي والنهوض به ليحظى بثقة الشارع الفلسطيني.

رئيس مجلس إدارة أمان عبد القادر الحسيني قال في كلمة الافتتاح أن نجاح عملية إصلاح القضاء وتوحيده تتوقف على مدى وجود إرادة سياسية جدية، بالتزامن مع وجود بيئة ديمقراطية ومجلس تشريعي منتخب، والاحترام لمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات، وعدم استفراد السلطة التنفيذية بالسلطة القضائية تحت ذريعة الإصلاح، ما يضمن أن عملية الإصلاح لن تستخدم لتصفية حسابات شخصية داخل القضاء وخارجه، ولضمان حماية استقلالية السلطة القضائية وإعادة دورها الحقيقي كجهة رقابية على أعمال السلطات الأخرى، وكضامنة للحقوق والحريات والعدالة وسيادة القانون في المجتمع.

 وأكد الحسيني ضرورة تمتع أعمال القضاء بالشفافية والوضوح وحق المواطنين في الوصول اليها خاصة ما يتعلق بنشر قرارات، ومحاضر مجلس القضاء الأعلى وتفعيل التفتيش القضائي، وتمثيل المجتمع في مجلس القضاء الأعلى.

وتم خلال المؤتمر عرض أوراق العمل والتوصيات، إذ تحدثت الجلسة الأولى عن نشأة الجهاز القضائي، حيث قدم د. جورج جقمان ورقة عن أهمية دور السلطة القضائية المستقلة في بناء نظام دولة ديمقراطي، معتبراً أنه لا يكفي استقلال القضاء وإنما تنفيذ الأحكام ووجود محاسبة من خلال القانون، إضافة إلى دور الانقسام في عدم إنفاذ القانون.

في حين قدم د. كميل منصور ورقة حول السلطة القضائية في فلسطين من حيث النشأة والتطور والتحديات، موضحا أن عملية إصلاح القضاء بشكل جذري لا تتم إلا من خلال نظام سياسي فعّال يتّسم بالتعددية ومجلس تشريعي فعّال.

تشكيل مجلس قضاء أعلى

الجلسة الثانية ناقشت التحديات التي تواجه السلطة القضائية، أولها تشكيل مجلس القضاء، وتعيين رئيس المحكمة العليا، واعتبر المشاركون خلال أوراق العمل أن تنسيب رئيس مجلس القضاء الأعلى لرئيس السلطة التنفيذية من أهم الاشكاليات التي تعتري الجسم القضائي، وتعد تدخلاً سافراً ما يخلق إرباكاً في عمل السلطة القضائية، ويعود ذلك لضعف المجلس نفسه وانشغاله بالمحاصصة والولاءات وخضوعه لتأثيرات خارجية. 

 وشدد الائتلاف الأهلي على ضرورة الفصل بين رئاسة مجلس القضاء الأعلى كمنصب إداري  ورئيس المحكمة العليا كمنصب قضائي، ما يسهم في تحقيق الاصلاحات القضائية وتعزيزها، إضافة الى تعزيز المشاركة المجتمعية في عضوية مجلس القضاء الأعلى، ليشمل أعضاء ذوي خبرة وكفاءة من خارج القضاء على نحو يحدده القانون بشكل واضح وبمعايير اختيار شفافة، وتعزيز منظومة المساءلة في عمل المجلس وتطوير آلية لمساءلة رئيس المجلس، وتبني الانتخاب من الهيئة العامة كأسلوب لتنسيب رئيس المحكمة العليا، وتعزيز منظومة النزاهة في عمل المجلس ووضع ضوابط ومعايير موضوعية وشفافة في تشكيل اللجان والدوائر والوحدات التابعة للمجلس، وتحديد مهامها واختصاصها والعلاقة القائمة فيما بينها، وبخاصة في عملية تعيين القضاة وترقيتهم ومساءلتهم، ناهيك عن تعزيز منظومة الشفافية من خلال نشر جدول أعمال وقرارات مجلس القضاء الأعلى بالوسائل المتاحة.

رؤية مستقبلية

أما الجلسة الثالثة والتي تحدثت عن رؤية المجتمع المدني لإصلاح السلطة القضائية وتحدياتها، عبر فيلم قصير أكد أن اصلاح القضاء وتوحيده ممكن فقط في بيئة ديمقراطية تحترم الفصل المرن بين السلطات الثلاث وإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية تتم في ظل انهاء الانقسام وإعادة توحيد القضاء الفلسطيني.

الرؤية مبنية على مقترحات بنيوية فورية لإصلاح القضاء وجراء تعديلات تشريعية يتطلب بعضها وجود مجلس تشريعي منتخب، أول هذه المقترحات تعزيز وحماية استقلال القضاء وتجريم التدخل في شؤونه بعقوبة جزائية؛ يُضاف لها العزل من الوظيفة وبما يشمل كافة العاملين في السلطتين التنفيذية والتشريعية وغيرهما، وإلزام القاضي بالإفصاح عن التدخلات التي يتعرض لها بشكل رسمي ومباشر لمجلس القضاء الأعلى، وتفعيل النصوص الدستورية المجرِّمة للامتناع عن تنفيذ الأحكام وتعطيلها.

المقترح الثاني أن يعمل مجلس القضاء الأعلى من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية لذوي خبرة من خارج القضاء على نحو يحدده القانون وتكون معايير الاختيار شفافة، وتعزيز المساءلة داخل المجلس وتطوير رؤية لمساءلة رئيسه وتبني الانتخابات للهيئة العامة كأسلوب لتنسيب رئيس المحكمة العليا، إضافة إلى تعزيز منظومة النزاهة في عمل المجلس وضوع ضوابط ومعايير شفافة وموضوعية في تشكيل اللجان التابعة للمجلس، وتنظيم مهامها واختصاصاتها والعلاقة الخاصة بينها وخاصة في عملية تعيين القضاة وترقيته ومساءلتهم وتعزيز منظومة الشفافية من خلال نشر جدول أعمال وقرارات المجلس الأعلى.

المقترح الثالث هو حوكمة منظومة العدالة ورسم الحدود بين أركان العدالة خاصة مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل وتحديد الطبيعة القانونية للنيابة العامة باعتبارها شعبة من شعب السلطة القضائية ووضع آلية لمساءلة النائب العام، وتوفير الموارد اللازمة لقيام القضاء بعمله بفاعلية وكفاءة واستقلال.

رابعاً التقييم القضائي وإنشاء لجنة وطنية مستقلة مؤقتة للتقييم يشكّلها مجلس تشريعي منتخب يضم قضاة سابقين ومحامين وخبراء في الشأن القضائي تعمل لمرة واحدة وتكون توصياتها ملزِمة ونافذة بعد المصادقة عليها، وإنشاء لجنة دائمة للتقييم القضائي تتبع لمجلس القضاء وتمكينها من ممارسة عملها.

المقترح الخامس هو التفتيش القضائي وتمكين وتفعيل دوره من خلال تعزيز استقلاليته إخضاع أعضاء المحكمو العليا والنيابة العامة للتفتيش القضائي، وسادساً أوضاع القضاة والنيابة العامة ووقف العمل بما يسمى الحركة وخاصة ما يتعلق بابتعاث القاضي للعمل في وظائف خارج السلك القضائي وتعديل النصوص التشريعية ذات العلاقة.

وتم طرح مقترح سابع يتعلق بتخفيض سن التقاعد من أجل ضخ دماء جديدة داخل الجسم القضائي وزيادة عدد القضاة ضمن معايير شفافة ورفع رواتبهم والأخذ بالاعتبار غلاء المعيشة ورواتب القضاة في الدول المجاورة، وثامناً الدعوة الإدارية وزيادة عدد هيئات محكمة العدل العليا ووضع آلية لتوزيع القضايا بين هيئات المحاكم وتعديل القوانين ذات العلاقة بما يسمح باختصام الحكومة عن أعمالها وأعمال موظفيها غير القانونية الموجبة للتعويض المدني بما في ذلك التعويض عن الاحتجاز التعسفي والتعذيب.