هل يُصلح العطّار؟
تاريخ النشر : 2019-07-08 09:29

في تاريخ النضال الوطني المعاصر، شهدت منظمة التحرير الفلسطينية أزمات وانقسامات وخلافات شديدة، كانت كلها تقع على خلفية تباين الخلافات السياسية. 
كان الانقسام بعد إقرار النقاط العشر والبرنامج المرحلي العام 1974، من قبل المجلس الوطني، وتشكلت جبهة الرفض ثم جبهة الإنقاذ ووقع انقسام آخر بعد العام 1982، أدى إلى انعقاد المجلس الوطني في عمّان بغياب فصائل رئيسة في منظمة التحرير، ثم وقع انقسام آخر في ضوء توقيع منظمة التحرير على اتفاقية أوسلو، ولكن ولا مرة، كان الانقسام يهدد مكانة منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي، والوحيد للشعب الفلسطيني، كما أن تلك الانقسامات، لم تكن ولا مرة واحدة على المحاصصة، وسلطة القرار. وفي كل المرات التي وقعت فيها الانقسامات لم يقع التزاحم والتنافس، والتحريض، على المنظمة بالرغم من أن معظم الفصائل التي عارضت السياسات الرسمية، كانت تحظى بعلاقات قوية، مع دول عربية، ومع حركات تحرر عربي وحتى مع قوى دولية، حين كان الاتحاد السوفياتي موجوداً. 
حين اندلعت الانتفاضة الشعبية الكبرى الأولى العام 1987، توحّد الفلسطينيون على الأرض وشكلت فصائل المنظمة القيادة الموحدة، توحّد الفلسطينيون بالرغم من اختلاف التقييمات والمواقف والرؤى بشأن مستقبل الانتفاضة، ولكنهم جميعاً رفعوا أياديهم بالموافقة على إعلان استقلال دولة فلسطين خلال المجلس الوطني الفلسطيني. 
خلال تلك الدورة للمجلس الوطني الفلسطيني، وافقت الأغلبية على قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، وعارضت قوى وفصائل ذلك القرار الذي شكل جوهر ما عرف بمبادرة السلام الفلسطينية. 
في تلك الدورة وقف القائد المرحوم جورج حبش يهتف وسط القاعة، ويردد خلفه أعضاء المجلس، وحدة وحدة حتى النصر. 
كان الضابط الناظم للعلاقات الوطنية آنذاك الشعار المعروف والعلمي، وحدة نقد وحدة، ضابط ظل ينظم العلاقات في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
بموازاة ذلك التاريخ في العلاقات الوطنية، كانت حركة "حماس" قد أعلنت عن تأسيسها العام 1987، من خارج إطار المنظمة، وتأكيداً على رؤيتها ودورها، الموازي لمنظمة التحرير، التي جرى تكفيرها، شكلت "حماس" خلال الانتفاضة الكبرى الأولى، قيادة أخرى.
الانقسام الذي وقع بعد الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2006، والذي اتخذ شكل الانقلاب على المؤسسة الوطنية العامة، العام 2007 وما رافقه من تدمير لمؤسسات السلطة في غزة، واقتتال ذهب ضحيته أعداد كبيرة من المناضلين من الطرفين، ذلك الانقسام جاء ليتابع مسيرة سابقة، من التنافس على البدائل.
الانقسامات في الحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية قديمة، والانقسام الجغرافي كان موجوداً، حيث وقع قطاع غزة، تحت الإدارة المصرية، والضفة الغربية تم دمجها في المملكة الهاشمية. وقع هذا حتى العام 1967، حين وقع كل الشعب الفلسطيني على الأرض الفلسطينية تحت الاحتلال ولكن تلك الانقسامات لم تؤد إلى انقسام المؤسسة الوطنية. ولم تؤد إلى انقسام الشعب، أو الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، لكن الانقسام الأخير، هو الأخطر، والأكثر تأثيراً على وحدة الشعب، ووحدة القرار والعمل، والأكثر تأثيراً على وحدة الهوية ووحدة التمثيل، وربما إذا استثنينا الانقسامات قبل العام 1948، فإنه الأطول والأكثر تعقيداً.
الغريب في الأمر، أن الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم، متفقون سياسياً على أهم الملفات التي تشكل جوهر الحقوق الفلسطينية، فهم متفقون على رفض "صفقة القرن" وضرورة مقاومتها وإفشالها، وهم متفقون على ملفي القدس واللاجئين، ومتفقون على رفض ومقاومة الاستيطان، وعلى ملفات الأرض، والأسرى، والشهداء، ومتفقون حتى على أولوية المقاومة الشعبية بحسب اتفاقية المصالحة التي تم التوافق عليها. يتساءل المرء إذاً على ماذا يختلفون إلى الحد الذي يجعل من المصالحة واستعادة الوحدة، أمراً تحقيقه أقرب إلى المستحيل؟ 
إذا أردنا أن نعيد الأمور إلى بداياتها، فإن ما يفسر استمرار هذا الانقسام، هو الاستمرار في التمسك بالرؤى الخاصة، بالتمثيل والمحاصصة والسلطة، وسلطة القرار. 
ومع أن ثمة طريقة لتجاوز هذا التضارب والصراع، عبر صناديق الاقتراع، لكن الواقع القائم بكل تعقيداته لا يسمح بالاحتكام إلى هذه الطريقة، ولا يسمح، أيضاً، بآلية الجلوس على طاولة حوار جدي، يبدي فيه كل طرف استعداده للتنازل والتوافق على خارطة طريق، لا يمكن أن ترضي كل الأطراف، ولكن إعلاء المصلحة الوطنية، والصبر على ما يقدمه المستقبل لكل طرف، كفيل بأن يعالج مثل هذا الفالج.
الرئيس محمود عباس قدم ما يعتبره البعض مبادرة تقول بالذهاب إلى انتخابات، تخوضها الأطراف ضمن قائمة واحدة، ولكن لو كان هذا الأمر ممكنا التوافق عليه، لكان بالإمكان أصلاً، التوافق على تنفيذ اتفاقيات المصالحة العام 2017 و2011 لأن المضمون يشير إلى المحاصصة.
الدكتور صلاح البردويل، أيضاً، طرح ما يسميه مبادرة تفتقر عملياً لصيغة المبادرة العملية، فهي باستثناء الدعوة لحوار جدي مباشر دون وساطات ليست أكثر من لغة جميلة، وآداب، وقيم وضوابط، ودعوة للأخذ بحسن النوايا. 
الفلسطينيون عالقون، والشقيق المصري، الذي لا يزال يبدي حرصاً واستعداداً للتحرك، لم يعد مستعداً لأن يصرف المزيد من الوقت والجهد في زيارات ودعوات، تضاف مخرجاتها إلى عشرات المحاولات التي أنتجت خيبات أمل.
والحال أنه حين يغيب الأمل، وتتراجع المحاولات، وتتباعد الحوارات، فإن الاشتباك الإعلامي بكل ما ينطوي عليه من اتهامات، وتبريرات، يكون سيد الموقف. 
إن أخفّ الضرر يكمن في التزام الأطراف بالحقيقة حتى لو كانت مرة، على أن يضخوا عبر وسائل الإعلام، آمالاً كاذبة ووعوداً لا تأتي إلاّ بمزيد من فقدان الثقة، وخيبات الأمل.