الأدب الرقمي.. عصا سحرية في مشاع التكنولوجيا
تاريخ النشر : 2019-06-23 07:22

غزة:

 لم يكن الأدب بمعزل عن المستجدات التقنية التي غيرت ملامح العالم في قرن التكنولوجيا والعولمة؛ فقد واكب الثورة التكنولوجية واستفاد من منجزاتها التقنية، ونتج نمط جديد من الأدب هو ما عُرف بـ "الأدب التفاعليInteractive  literature  والذي خرج من رحم التكنولوجيا ويجمع بين فنية الأدب وعلمية التكنولوجيا، فنتج عن هذا التزواج أنماطًا أدبية تفاعلية، مثل القصيدة التفاعلية، الرواية التفاعلية، والمسرحية التفاعلية وغيرها، نتلقاها كلها عبر وسيط هو الشاشة الزرقاء.

كثيرون اختاروا الأدب أداة للتغير، نظرًا لتأثيره الناعم والحاد، فهو لم يعد أداة للرفاهية ومجالًا للتسلية، بل انما يقود إلى التغيير والبناء، إذا ما أحسن استخدامه.

ويُشهد لهذا النمط من الأدب أنه حقق إبداعًا يتجاوز اللغة المكتوبة، حيث أصبح بالامكان التعامل مع وسائط أخرى مرئية ومسموعة في تقديم صنوف الأدب، مما يجعله يحظى بالشيوع والمتابعة من قبل الجمهور، ويؤيد هذا الرأي الكاتب محمود عماد، الذي رأى أن الاقتصار على الكتاب الورقي قد يجعله في معزل عن الناس، فقرر أن يواكب التطور التقني الحاصل، ليجذب متابعينه بأي وسيلة متاحة له.

وبالفعل وبحسب محمود فبعد أول قصيدة نشرها عبر حسابه على الفيس بوك وانستجرام، وكان قد أخرجها على شكل فيديو، جمع فيها صورًا حقيقية ذات علاقة بالموضوع، كما أسقط عليها موسيقى مؤثرة من اختياره، تضاعف عدد المتابعين لديه، كما صاحبه ازدياد تفاعلهم الذي أصبحت استمراريته مرتبطة بقدرته على أن يكون لديه دومًا شيءًا جديدًا لينشره.

"منذ 5 سنوات وأنا مهتم بالأدب الرقمي، وطيلة هذه السنوات أحاول أن يكون لدي عملاً جديدًا أقدمه"، يقول محمود، ويضيف منبهًا "الكلمات الجيدة النابعة بصدق من داخلك، واختيار الصور المناسبة، الموسيقى المؤثرة أيضًا، وتوقيت النشر أو الحادثه التي تروي لها، جميعها عوامل بالغة الأهمية لا يمكنك أن تصل للجمهور إلا من خلالها".

ويرى أن هذه الفنيات والمهارات عادة لا تأتي وحدها، إلا إذا سعى الكاتب بنفسه إلى تعلمها، فقد حصل محمود عماد على عدة دورات في التعليق الصوتي، ومهارات الالقاء، المونتاج، الهندسة الصوتية، يستطيع الكاتب أن يستعين بمن يجعل أدبه المكتوب رقميًا، لكنه ومن وجهة نظر محمود عماد "الكاتب هو الأقدر على وصف ما يشعر به، وتوظيف الأدوات لايصال شعوره إلى المتلقي"، لذا مازال في طور تعزيز مهاراته وأدواته، وهذا ما ينصح به الكتاب الآخرين.

محمود عماد هو كاتب وقاص وشاعر أيضًا، عانى من السرقات الأدبية لأعماله، فقد وجد صفحات عبر الانترنت ينسب أصحابها أعماله الأدبية إليهم، حاول متابعتهم والتواصل معهم، إلا أن الأمر كان ينتهي بحصوله على "بلوك" من قبل السارق، ورافق ذلك شعوره بالحزن والاحباط والاقلاع عن نشر مؤلفاته، مما يقحمه في عزله عن جمهوره، فما كان منه إلا أن استسلم لهذه الحالة "المرهقة" على حد تعبيره، ويعتبر أن صدور 3 أعمال له عن دار نشر فلسطينية، ستثبت حقه في هذه الأعمال مهما ادعى السارقون.

وإذا ما أردنا تعريفًا شاملاً "للأدب الرقمي"، سنجده لدى الدكتورة سهام أبو العمرين، التي أعدت بحثًا حول الموضوع، باعتبارها ناقدة وأكاديمية؛ "هو الأدب الذي يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد، يجمع بين الأدبية والاليكترونية، ولا يمكن أن يتأتى لمتلقيه إلاًّ عبر الوسيط الاليكتروني أي من خلال الشاشة الزرقاء، ولا يكون هذا الأدب تفاعليًّا إلا إذا أعطي المتلقي مساحة تعادل أو تزيد عن مساحة المبدع الأصلي للنص".

وتلفت إلى ما اختتمت به التعريف، ألا وهو "التفاعلية"،  فهي تعتمد على مقدار الحيز الذي يتركه المبدع للمتلقي، والحرية التي يمنحها إياه للتحرك في فضاء النص، دون قيود، فهذ النمط يعتمد على الحالة التفاعلية بين العناصر الثلاثة المكونة للعملية الإبداعية (المبدع - النص- المتلقي).

ونوهت أن للأدب التفاعلي نسقًا ايجابيًا مختلفًا يميزه عن الأدب المكتوب، حيث يسمح للمتلقي بالإضافة والتعديل والحذف، ويكون غالبًا بدعوة من المؤلف الذي يقدم نصًا متسلسلاً وغير مكتمل، ويطلب من المتلقين التفاعل مع النص بالإضافة فيكملون بناء النص، وهذه العملية تنقل النصوص من طور التأليف الفردي للتأليف الجماعي.

هذا الجنس الأدبي الجديد له شروط كي يتحقق ويصبح تفاعليًا، أوجزتها أبو العمرين خلال حديثها لـ "نوى": "على النص أن يتحرر مبدعه من الصورة النمطية التقليدية، وأن يتجاوز الآلية التقليدية في تقديم نصّه الأدبي، كما على الكاتب أن يعترف بدور المتلقي في بناء النص، من خلال المساحة المتاحة له، وألا يغفل عن تقديم نصًا حيويًا تتحقق فيه روح التفاعل".

نافذة آخرى لابد أن تُفتح على هذا التقرير، ألا وهو "أدب الطفل التفاعلي"، والذي نشأ في الظروف نفسها مثل أدب الكبار التفاعلي، حيث الاستفادة من الثورة التكنولوجية وتكنولوجيا المعلومات، لتنمية قدرات الطفل واكسابه المعلومات، أضافة إلى تنمية قدراته الذهنية ومهارات التواصل مع الآخرين.

وتشير أبو العمرين إلى مواد أدب الطفل التفاعلي أصبحت متوفرة بغزارة، حيث المواقع الأدبية الالكترونية والتي تُفرد أقسامًا خاصة للقصة، الشعر، الحكاية، المسرح، الموسيقى، التواصل مع الكتاب وغيرها، وهذه المواقع ليست حصرًا على الأدب فحسب، بل هنالك من يهتم بالثقافة والتعليم، عدا عن المجلات الثقافية مواقع والقنوات التفاعلية، الأقراص المدمجة، الكتاب الالكتروني.

تخيل أن بمقدور طفلك مشاهدة القصص الهادفة وسماع الحوار بين الشخصيات، كما يمكنه اختيار مشاهدة القصة دون حوار، واستبداله بالموسيقى والأناشيد، كما يُخيرهم الموقع أو القرص المدمج الذي يقدم القصة باللغة التي يريدونها.

إذا هي تقنية استثمرها المبدعون في عصر انفجار المعلومات وفي عدة مجالات مختلفة، لتتجاوز اللغة والدور الذي كان يقع على عاتق المتلقي وهو الاستقبال فقط، انها حرية يتم منحك اياها للتحرك في فضاء النص دون قيود، حيث لن يكن النص نهائيًا أو مكتملاً، إنما في حالة حركة وتجدد.