الأسيرة شروق دويات.. حكاية عناق لم يكتمل
تاريخ النشر : 2019-01-17 08:37

رام الله:

خمسة أمتار فقط كانت تفصلها عن حضن أمها وأبيها، حضن دافئ كان سيعوضها شيئًا من برد السجن الذي دخلت عامها الرابع فيه، في خيالها رسمت الأسيرة في سجون الاحتلال شروق دويات لذلك اللقاء أجمل الصور، حلمت وحلمت ولم تدر أن حلمها الجميل الذي كان قريبًا جدًا من التحقق، ستحيله يد الاحتلال لكابوس فظيع.

"بدي أبوس إيد أمي وأبوي.."، آخر كلمات سمعتها من شروق وهي تبكي بحرقة وتُسحب بعيدًا عني وعن والدها وسط ذهولنا وبكائنا، تقول والدة الأسيرة دويات لـ "نوى"، وتكمل "كان موقفًا صعبًا وقاسيًا أكثر من لحظة حكمها بالسجن 16 عامًا".

10 دقائق فقط!

محكمة استئناف على الحكم عُقدت للأسيرة دويات (نهاية شهر ديسمبر الماضي)، انتظرتها وعائلتها لحظة بلحظة لعلمها بأن لقاءً لمدة 15 دقيقة دون قيود وزجاج سيحظى به والدها ووالدتها بأمر من قاضي محكمة الاحتلال الإسرائيلية عقب انتهاء المحاكمة، لكن القاضي الذي سمح بلقاء دويات لمدة 10 دقائق فقط مع والديها؛ اشترط موافقة الشاباص (قوة أمنية تتبع إدارة مصلحة السجون) على هذا اللقاء.

اقتاد الجنود والد ووالدة دويات طابقًا تحت الأرض إلى حيث يحتجز الأسرى بمقر المحاكمة وقاموا بفحص هوياتهم فحصًا أمنيًا، واقتادوهم إلى حيث ابنتهم (شروق) وخطواتهم تسابق بعضها، فاللقاء اقترب والحضن الذي طال انتظاره سيكون.

وأوضحت والدة دويات: "حدثتني والدة الأسيرة شاتيلا أبو عيادة عن لقائها بابنتها في محكمة الاستئناف، قالت إنني محظوظة كوني سأحتضن شروق، وكم تحمل تلك اللحظات من مشاعر تعطي عائلة الأسير دفعة صبر للأمام".

على بعد أمتار كانت شروق تجلس على مقعد يحيطها 5 جنود، غابت لحظتها لغة العيون وبدأ الجسد يستعد للحديث، مشهد مهيب أوقفه فجأة صوت أحد الجنود المحيطين بدويات يقول لها قولي لهم مرحبًا، فقالت، وبدأ الجند بسحبها بعيدًا عن والديها، هناك كانت الدموع سيدة الموقف وصرخت دويات "بدي أبوس إيد أمي وأبوي"، وغابت ولم يغب صوتها من مخيلة وعقل والدها ووالدتها.

"كوني قوية ورح يجي يوم لأضمك"، هكذا قلت لشروق في تلك اللحظات، بينما انشغل والدها بتهدئتي، وفق تصريحات والدة دويات لنا.

وأضافت دويات: "هذا الموقف قَلب حياتي وحياة والدها ونحن نفكر كيف تجاوزت شروق ذلك الموقف وما هو حالها اليوم؟ ونحن ننتظر موعد الزيارة لنطمئن عليها".

حنين؛ شقيقة الأسيرة دويات، التي نشرت عبر صفحة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" صور شقيقتها في المحكمة، تحدثت عن لهفة وشوق أمها وأبيها لذلك الحضن، للقاء دون زجاج ولا سماعة هاتف، كما يكون الحال في زيارات السجون، وكيف تحولت تلك المشاعر الجميلة إلى "مرارة وغصة" وتبدلت الضحكات التي كانت تتحضر لترتسم على الوجوه المشتاقة إلى "بؤس ودموع".

الفتاة الباسمة

الأسيرة المقدسية شروق دويات (21 عامًا)، من بلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة، كانت قبل اعتقالها طالبة في كلية التربية في جامعة بيت لحم، تميزت بابتسامتها، التي لم تغادرها طوال أشهر من عرضها على محاكم الاحتلال، قبل حكمها في الـ 25 من كانون أول/ ديسمبر عام 2016 بادعاء الشروع  بقتل أحد المستوطنين، في البلدة القديمة بالقدس المحتلة في تشرين أول/ أكتوبر عام 2015، والذي كان في حينها قد أطلق النار عليها وأصابها في كتفها، وهي في طريقها للصلاة في المسجد الأقصى بعد محاولته نزع حجابها، وادعى محاولتها طعنه.

إلى سجن الدامون

عادت شروق الى سجن الدامون الذي يحتجز الاحتلال فيه الاسيرات الفلسطينيات في ظروف صعبة، تحمل في عقلها بقايا لقاء لم يكتمل وحضن لم يكُن، ستسرد حكايته للأسيرات اللواتي بلغ عددهن في سجون الاحتلال 54 أسيرة، بينهن 22 أسيرة "أُم"، وأسيرتان قاصرتان، و19 أسيرة موقوفة، و32 أسيرة محكومة، وأسيرتان قيد الاعتقال الإداري، وفق آخر إحصائية لهيئة شؤون الأسرى، لكل واحدة منهن حكايتها مع ظلم الاحتلال.