مرضى غزة رهائن السياسة
تاريخ النشر : 2017-06-17 00:35

لم يحدث وأن نثر الاحتلال وروداً على الشعوب التي يحتل أراضيها، ما يحدث أنه ينثر الملح فوق جراحهم، ويُحكِم الخناق عليهم بالضرب في الخاصرة، وفي واقع قطاع غزة الخاصرة أصبحت خواصر، فالأزمات تزداد وتصبح لجاماً جديداً يحكم حرية وحقوق أهلها الكرام، يُمعن في إذلالهم، وأكثر ما يؤرقهم اليوم هو مرضاهم، في ظل ارتفاع حاد في أعداد مرضى السرطان والذي بلغ 83.3 حالة لكل مائة ألف نسمة في قطاع غزة، بحيث أصبح السرطان ثاني أسباب الوفاة في فلسطين، إضافة إلى الأمراض الأخرى المستعصية على امكانيات الرعاية الطبية المحدودة في القطاع نظراً للحصار والانقسام المتواصلين منذ 10أعوام.

يواجه المرضى اجراءات معقدة لاكتساب حقهم في العلاج بالخارج، بدءً بالحصول على تحويلات طبية  ومن ثم اجراءات السفر عبر معبر رفح، أو الحصول على تصريح مرور عبر ايرز في حال حالفهم الحظ، في ظل انخفاض في أعداد المرضى ومرافقيهم في الحصول على التصريح لأسباب امنية، عدا عن أن بعض المرضى يتم مساومتهم على حقهم في العلاج مقابل التخابر، ثم يستكمل المريض هذه الرحلة الشاقة من العذاب والألم وحيداً وأحيانا مع مرافق واحد، تغمره مشاعر الضعف والشوق إلى عائلته، ولكن  يُفرض عليه الاستسلام للأمر الواقع وتلقي العلاج فقط، دون مراعاة للتجربة الانسانية العاطفية المؤلمة، وكأنه يتعرض للعقاب كونه مريضاً من قطاع غزة.

للأسف هذا العنف لا يُمارس فقط من دولة الاحتلال، بل من سلطتي الحكم في الأراضي الفلسطينية المحتلة (المنقسمون)،  ففيما يمكن وصفه بسياسة السلطة الفلسطينية لإقصاء قطاع غزة وقضاياه ومن ضمنها المرضى، تتسرب أخبار اليوم حول توقف العلاج بالخارج، فعلى صعيد تجديد التحويلات الطبية قيل: " ١١٠٠ تحويلة لم يُجدد منها الا ١ فقط"، وقيل أيضاً: "1510تحويلة لم يتم توقيعها منذ نحو اسبوعين"، هذه التسريبات التي هرولت وزارة الصحة إلى نفيها، في حال حدثت أو خُطط لها، تعني بوضوح التخلي عن مرضى قطاع غزة، ولا نعلم هل هو تخلي مرحلي مؤقت أم دائم، كما تم التسويق لقضية خفض الرواتب سابقاً بأنها مؤقتة والتي تمخضت بقرار الإحالة للتقاعد، ثم يأتي مؤخراً موافقة اسرائيل على طلب السلطة في تقليص امداد الكهرباء إلي قطاع غزة،  وليس آخراً ما يُشاع في الاعلام العبري عن تفكير الرئيس أبو مازن في إعلان غزة اقليماً متمرداً، فهل سيكون إعلاناً صريحاً أم تنصل هادئ من كل المسؤوليات (ملف المرضى أحد الأمثلة)؟

عودة إلى التحويلات الطبية و معبر رفح، حتى وإن استمر العمل بها، فإن معضلة أخرى تواجه المرضى وهو إغلاق معبر رفح أغلب أيام العام، والذي كلفنا غياب أحباء وأصدقاء كانوا ينتظرون الخروج عبره للعلاج بعد أن مُنعوا أمنياً عبر ايرز، أو لم يُمنحوا تحويلة إلا إلى مصر، وكلنا يعلم الأسباب السياسية لإغلاق المعبر والمتعلقة بإنهاء الانقسام الفلسطيني وسيطرة حركة حماس على القطاع، والتي يبدو من المستحيل أن تتراجع عنها، فالواقع والشواهد تؤكد أنها كرست تواجدها ومطالب المصالحة هي محض خيال, والمؤشرات الأخيرة في التقارب الحمساوي الدحلاني هي تكريس لهذه اللعنة محلية الصنع.

في النهاية لا أحد يُبالي بمعاناة المرضى سوى عائلاتهم، السياسيون ينظرون لهم كأرقام مجردة، لا يذرفون الدموع، نحن من يذرف الدموع وننظر لهم كأرواح وقطع من القلب، وآمال بنيناها على شفاءهم، وعلينا أن نتساءل هل كل هذه الاجراءات التي يُمارسها  هؤلاء الأطراف في ملف مرضى قطاع غزة، جاءت بمحض صدفة لعينة؟