هل الرئيس جاهز لاستلام غزة؟
تاريخ النشر : 2017-04-14 15:48

كتبت :

لم يفاجئني قرار الرئيس بالتصعيد تجاه غزة وطلبه بتسليمها كاملة له ولحكومته، وهو طلب قديم قدمه الرئيس للقطريين وأعلنه في غير مناسبة، وما جولات المصالحة والاتفاقات إلا كسبا للوقت في انتظار اللحظة المناسبة لتركيع حركة حماس ومعاقبة قطاع غزة الذي لم يقرأ رسائل الرئيس جيدا خلال عشر سنوات من الانقسام.
لم يكن الخلاف بين حماس وفتح على ملفات، بل على قاعدة هل تسلم حماس القطاع تماماً وبعدها يتم التفاوض معها على الملفات؟ أم يتم التفاوض على الملفات وصولا لشراكة كاملة؟ - الموضوع السياسي كان أسهل الملفات بعيدا عن المهاترات الإعلامية، وأصعبها تلك الأسئلة التي تتطلب اجتهاداً من نوع آخر على شاكلة:
الموظفون:
في كل جولات المصالحة (الرسمية والموازية)، رفضت حماس أي مبادرة لا تشمل الحفاظ على موظفيها وحقوقهم المالية والإدارية، ودافعت بشراسة عن أصغر موظف لديها ف"الحركة لن تتخلى عن أبنائها المخلصين الذين تحملوا معها الحصار وقبلوا بربع راتب وعملوا لساعات طوال" هذا ما أصر عليه أبو مرزوق في جلسة.
بالمقابل أبدت حركة فتح مرونة أكبر اتجاه موظفيها، ولم تمانع بالتضحية بهم في سبيل إعادة بسط نفوذها على القطاع، وقدمت اقتراحات لحصر عدد الموظفين المتبقين في القطاع بعد شطب المسافرين، وحساب أعداد المتقاعدين والموتى بل قدمت أفكارا حول التقاعد المبكر، ليتم استيعاب موظفي حماس. إذن، موظفو السلطة في القطاع لم يكونوا إلا عبئا على الرئيس وحركته ولا مانع من مقايضتهم، ففي كل المحطات لم يخاطبهم الرئيس ولم يشركهم في قرارته اتجاههم، واكتفى بمناداتهم لإكمال نصاب اجتماع تنصيبه رئيسا لحركة فتح في مؤتمرها الأخير، وقد لبى الفتحاويون الغزيون النداء، وأكملوا النصاب والتصفيق!
من يحكم غزة ومعضلة القسام:
لا يختلف اثنان أن حماس استمرت في حكم القطاع بعد تشكيل حكومة التوافق، "تركنا الحكومة ولم نترك الحكم" كما قال هنية، ولم نكن بحاجة للإعلان عن "حكومة إدارة غزة الحمساوية" فهي موجودة ويعرفها كل غزي، والحكم هنا ليس عبر الجهاز المدني الذي تتحكم حماس في كل مفاصله فحسب، بل عبر جهازها الأمني- وهنا لا نقصد الشرطة وجهاز الدفاع المدني- بل عبر "جيش القسام"، والسؤال للرئيس، كيف سيتم التعامل مع "القسام" الذي هو مصدر الشرعية الأول لحركة حماس "المقاومِة"؟ فحماس لن تقبل بحله على غرار ما حدث مع كتائب شهداء الأقصى بالضفة، فماذا يقترح الرئيس؟ وكيف سيتسلم الحكم من القسام وهو الحاكم الفعلي لغزة متجلياً بانتخاب "السنوار" مؤخراً؟
الوزرات والهيئات:
عشر سنوات من الانكفاء والعزلة، أصابت العاملين السابقين في القطاع العام بالعطب- صورة حرس الرئيس الذي رافق حكومة التوافق في زيارتها الوحيدة للقطاع لا زالت ماثلة في الأذهان-!، هل سيتم إعادة تأهيل الكادر القديم لاستلام مواقعه؟ هل تم تحديد الهيكليات المتبقية في القطاع لتحديد ثغرات غياب/تغييب المدير العام والوكيل؟ من سيعطي الأوامر والتعليمات لمن بقوا على ذات الدرجة؟ وهل سينتظر الناس تأجيل حياتهم لحين إتمام هذا التأهيل؟؟ (لن أسأل عن موظفي حماس وماذا سيحدث لهم فهذا موضوع آخر)، فهل جهز فريق الرئيس نفسه لتسليم هؤلاء المضربين لعشر سنوات مواقع الخدمات؟ وتأهليهم وسد ثغرات فراغ الهيكليات؟
الموازنة المخصصة لاستلام القطاع:
لو سلمنا بما تقوله الحكومة من وجود أزمة مالية، فهل تم تحضير موازنة خاصة لاستلام القطاع؟ موازنة تشغيل الوزارات والهيئات؟ وموازنة لحل أزمات القطاع من كهرباء وماء وأدوية وتعليم؟ من أين مصدرها في ظل الأزمة المالية التي تروج لها الحكومة؟؟
المعابر:
انسحاب حماس من معابر كبيت حانون، وكرم وأبو سالم، هو أسهل الخطوات، رغم سؤال "ثكنات القسام" المجاورة لتلك المعابر، ويبقى استلام معبر رفح عبر استبدال الموظفين هو الأصعب ولن يعني شيئاً للغزين في ظل استمرار اغلاقه، فهل تواصل فريق الرئيس مع الشقيقة مصر، أنه وفي حال تسليم المعبر سيجري فتحه اعتيادياً، أم سيبقى رهينة الحالة الأمنية في سيناء؟ وما فائدة استلام معبر مغلق؟
إذن وعلى فرض أن حماس وافقت على تسليم كل شيء، والعودة لما كان عليه الحال قبل 2007، هل الرئيس جاهز للاستلام؟ أم أنه يعول على أن حكومة الوحدة الوطنية ستستلم وبذلك يتم ترحيل الأزمة وأسئلتها الشائكة لهذه الحكومة؟
وبمقابل قبول حماس بشرط الرئيس بتسليم القطاع، ماذا سيقدم الرئيس لحماس؟ هل سيتم عقد الإطار القيادي المؤقت ولو لمرة واحدة للتداول في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومهماتها وطريقة عملها- مع التسليم أن برنامجها هو برنامج الرئيس ولا وظيفة لها إلا التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية- فكم حصة حماس فيها؟ وهل سيقبل الرئيس بوجود عضو قيادي من حماس يمثلها أم سيكون على حماس اقتراح شخصية قريبة منها بدون انتماء فاقع كما هو حال باقي الفصائل التي قد تمثل نفسها عبر الأمناء العامين أو الصف الأول من قياداتها؟ هل سيقبل الرئيس بالزهار مثلاً وزيرا فيها وهو المنتخب من حركته؟
هل سيقبل الرئيس أن يعقد مجلساً وطنياً تكون حماس جزء أصيلا فيه، ليتم تمثيلها لاحقا في اللجنة التنفيذية للمنظمة ومرة أخرى هل سيقبل بعضو بارز منها كالسنوار مثلاً يجلس على الطاولة؟
لا أعتقد أن حماس ورغم ادراكها لهشاشة وضعها في ظل التحالفات الإقليمية الجديدة و-صفقة القرن- التي لم يقدم تفاصيلها الرئيس السيسي ستقبل بالتخلي عن حكم القطاع وعن موظفيها، وعن شراكتها في التمثيل عبر منظمة التحرير، وهي التي قدمت تنازلا مجانياً في برنامج سياسي جديد لا يختلف كثيرا عن برنامج الرئيس، وبالمقابل لا أعتقد أن الرئيس وحركة فتح جاهزين لاستلام القطاع بكل اعبائه وأزماته والويلات التي تسبب فيها الاحتلال والحصار والحروب والانقسام.
المطلوب، مكاشفة وشراكة حقيقية ليس بين حركتي حماس وفتح، بل بين قيادة الحركتين والشعب الذي دفع ولا زال يدفع ثمن استمرار الاحتلال والحصار والانقسام والمناكفات السياسية التي حولته لرهينة تنتظر من يطلق عليها الرصاص، ولكنها لن تموت!
رئيسة تحرير "نوى"