قيادة تعرف ولكنها لا ترى ولا تحس
تاريخ النشر : 2016-03-10 12:17

 يعرفون ولكنهم لا يرونا- نحن حشرات بالنسبة لهم- ومن لا يراك لا يحس بك، لينزلوا إلى أي شارع في غزة ويكلموا الناس، ليحسوا بنا، هم لا يريدوا توسيخ أحذيتهم وينظرون لنا عبر الزجاج الأسود لسياراتهم الفخمة، نحن أيضا لا نراهم ولكننا نعرف أنهم لا يتعاملون معنا كبشر- احنا بالنسبة لهم صراصير-"

أنا: وماذا عن القيادة في رام الله؟

سائق التاكسي: "بطلنا عارفين مين النسخة ومين التقليد رام الله أم غزة، هم أسوأ من بعض"

أنا: لو سمحوا لك بحضور لقاء مصالحة، فماذا ستقول لهم؟

سائق التاكسي: "لن يسمحوا لي بالكلام وسيقتلوني لو فتحت فمي، يعرفون مسبقاً ما قد أقول"

أنا: لو أعطوك الأمان..

سائق التاكسي: "كذابين"

* * * * *

هذه هي الرسالة الثانية التي أنقلها على لسان سائق تاكسي في غزة، وكنت قد نقلت الرسالة الأولى قبل عام، ومباشرة للدكتور موسى أبو مرزوق ونصها " قولي له، احنا بنكرهكم، ولكنا نخاف منكم"

رسائل السائقين والباعة المتجولين وبائعات الأعشاب في حسبة رام الله وأسواق غزة الشعبية لا تصل، حتى وإن تم التعبير عنها في استطلاعات الرأي التي تظهر الهوة الكبيرة بين القيادة والجمهور، ومدى انعدام الثقة.

أتفهم أن يخاف شعب من قيادته ولا أقبله- الخوف فقط يكون من الأنظمة الديكتاتورية والدول البوليسية، ولكن أن يكره الشعب قيادته ولا ولا يثق بها ولا يعول عليها، فهذه المصيبة والكارثة التي تتعامى عنها قيادة تعتقد أنها قدر لهذا الشعب.

أن نكره الاحتلال أمر محمود، فالكره مرحلة أولى للرفض والمقاومة، ولكن ماذا عن كره القيادة؟ هل سيتحول إلى فعل حقيقي قادر على ازاحتها طالما أنها لا تعبر عن أدنى طموحاته وآماله؟

كنت في غزة قبل عام، وكانت الناس تنفض ما علق في أرواحهم من موت، يحتفون بحقيقة أنهم "لا زالوا على قيد الحياة" بعد عدوان صهيوني همجي استمر 51 يوماً، خرجت قيادة حماس تحتفل بنصر "وهم"، وظهرت المقاطعة "شامتة" بفشل غريمتها بتحقيق أي انجاز أو مطلب، وما بين "الشماتة" و "الوهم" دفع الناس الثمن على كل الأصعدة ومع ذلك احتفظوا برائحة الحياة و قرروا أن يكونوا "على قيد الأمل".

اليوم وبعد عام من الزيارة الأولى، وجدت الناس أكثر احباطاً، وأقل قدرة على التحمل تحيطهم غيمة من الغضب واليأس، لا يصدقون بل لا يكترثون بما يصدح به القادة في الإعلام، ويتندرون على لقاءات الدوحة، واتفاق تركيا- اسرائيل والميناء، والرتب التي صدرها الرئيس بدون رواتب، يتندرون على ضريبة التكافل، وضريبة السجائر، والمخالفات المرورية وفاتورة الكهرباء المضاعفة لساعات كهرباء تقل ولا تزيد.. الناس تتندر ألماً وقهراً.

لم يعد انهاء الانقسام أمنية لأحد، فلنتفق على ادارته اذن وبأقل خسائر ممكنة على طريق انهائه بعد جيل، من يمتلك الشجاعة ليقول للجمهور أن هذا ما يتم في الحقيقة وأن اللقاءات جميعاً لا تزيد عن كونها حبات "ترامال" لتخدير الناس واطالة أمد الانقسام.

نعم لندير الانقسام قبل أن تفرغ فلسطين من سكانها الأصليين محققين الحلم الصهيوني "بترانسفير" طوعي، لندير الانقسام بحفظ كرامة الناس وتوفير مستلزمات صمودهم على الأرض بدل مص دمائهم أحياء وأخذهم رهائن في مقامرات الكراسي.

لست انبطاحية ولا انهزامية، ولست واقعية أكثر من اللزوم، فحين يقول لي مزارع من بيت لاهيا أن أقصى أمنياته من الرئيس الجالس في المقاطعة "اترك غزة في حالها، ولا نريد منك شيئ إلا ان تدعم "السجائر" وكثر الله خيرك" أدرك أن الشعب في واد والقيادة في واد على كوكب غير كوكبنا!

الحفاظ على كرامة الناس ودعم صمودهم يكون بإنصاف المعلمين والأطباء والعمال والنساء والمعاقين والشباب، يكون في توفير مقومات الحياة الأساسية كالكهرباء والماء النظيف، وتوسيع هامش الحريات ومنع القمع وتجريم الاعتقال على خلفية الرأي، ومحاسبة وملاحقة الفاسدين والمتلاعبين بمصادر وموارد وثروات الشعب- المحدودة أصلاً-

الانقسام ليس قدراً، والاحتلال ليس قدراً، والقيادة التي لا ترى شعبها ليست قدراً، فالحرية قادمة لا محالة، بأمل أكبر وكذب أقل، ومقاومة أوسع.

سائق التاكسي وصفهم بكلمة واحدة "كذابين"، فهل من صادق ينفي توصيفه؟

هامش: في آذار – شهر النساء- قررت أن لا اكتب عن المرأة، بل عن الصوت المسحوق لجمهور لا تراه القيادة- هذا تعريفي للنسوية!

*رئيسة تحرير شبكة نوى