شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 23 مايو 2025م19:48 بتوقيت القدس

"الجوع" أبشع الحروب.. عدس ومعكرونة لصنع الخبز بغزة!

08 مايو 2025 - 11:19

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يومان من دون خبز، بقي فيهما يوسف، البالغ من العمر سبع سنوات، يضم بطنه الصغير بيديه النحيلتين، يتخيّل شكل رغيف خبز نفخته النار، أو "ساندويشة" زعتر وزيت كان يتدلل برفضها من أمه التي تتحايل عليه. يشتهي ولو أنه يحوز نصفها في يوم "العوز"، الذي أدرك الطفل معناه تحت المجاعة في زمن الإبادة. يخبر أمه، فتحبس دموعها وتنهض لتواصل البحث!

تخبرنا أمه سمية الحلو، أنها حاولت البحث في كل زاوية بخيمتها المهترئة. فتشت بين الأكياس الفارغة، أو تحت سرير مكسور تستند عليه جدته المُسنة. تنظر إلى طفلها الوحيد فيبدو وجهه شاحبًا، عيناه تلمعان من شدة الحزن، أخبرته أنها ستجد له شيئًا يأكله، وما عليه إلا الصبر.

"نقعنا المعكرونة ليلة كاملة، ووفرت إحدانا كمية بسيطة من الطحين لجعل العجين متماسكًا. لم نصدق حين بدت النتيجة بشكلها الأولي تشبه الخبز العادي".

خرجت إلى المخيم الذي تسكنه في منطقة اليرموك وسط مدينة غزة، تسأل الجيران إن كان لديهم "رغيف خبز" من أجل الصغير فقط، لكنها وجدت عشرات الأمهات على الحال ذاته، يبكين من أجل أطفالهن، حتى سارعت إحداهن بإخبارهن عن طريقة شاهدتها لصنع الخبز من بذور العدس أو المعكرونة.

تقول: "أنا وعدد من الجارات اتفقنا على التجربة بكمية بسيطة، فنقعنا المعكرونة ليلة كاملة، ووفرت إحدانا كمية بسيطة من الطحين لجعل العجين متماسكًا. لم نصدق حين بدت النتيجة بشكلها الأولي تشبه الخبز العادي، حتى وصلنا إلى مرحلة خبزه على نار الحطب".

"لم يكن الطعم ذاته، لكنه شهي لأمعاء خاوية. لا أنسى سعادة يوسف الذي أخذ يأكل بشراهة، وطلب مني تخزين ما يمكن تخزينه كي لا يجوع مرة أخرى".

وتشرح: "لم يكن الطعم ذاته، لكنه شهي لأمعاء خاوية. لا أنسى سعادة يوسف الذي أخذ يأكل بشراهة، وطلب مني تخزين ما يمكن تخزينه كي لا يجوع مرة أخرى، لكنني أعرف أن الحرب تتجاوز كل المخزون، فنحن نباد منذ أكثر من عام ونصف إلى أن فقدنا الأمل بإنهاء الحرب".

وقصة يوسف، تعكس معاناة آلاف الأسر في قطاع غزة التي تعيش تحت الحصار والإبادة الإسرائيلية منذ عام ونصف، حيث أصبح الطعام رفاهية، والأطفال ينامون على أصوات القصف وأجسادهم تئن من الجوع.

تقول أريج عليان، وهي أم لسبعة من الأولاد والبنات: "منذ نحو 10 أيام، أعتمد على بذور العدس التي أطحنها في إحدى المطاحن وسط قطاع غزة كبديل للطحين؛ لتفاقم الأزمة"، مضيفة: "أقطع مسافات طويلة من السير على قدمي بمساعدة أحد أبنائي، نصل إلى المطحنة ونقف في طابور طويل من أجل إتمام العملية قبل العودة إلى المنزل والذهاب إلى المرحلة الثانية من إنتاج الخبز".

وفي بعض الأوقات، لا يصلها الدور نظرًا لنفاد الوقود المستخدم في عملية الطحن، فتعود لبديل المعكرونة الذي يعد ثالث الخيارات أمامها، لكن معيقات أخرى تواجهها بالحالتين.

توضح أنها تحتاج وأسرتها إلى 20 رغيفًا بشكل يومي، لكن مع انقطاع الطحين ووصول سعر الكيلو الواحد منه إلى 100 شيكل/30 دولارًا، صار تناوله رفاهية لا تستطيع تلبيتها.

"يخيل لنا أن طعمه مشابه للدقيق العادي، لكن لا أحد يتفوه بكلمة أو يعلق نظرًا للحالة التي نعيشها، فهو الموجود الذي نتمنى ألا نفقده مع تشديد الحصار".

وعن استخدامها للعدس والمعكرونة، تخبرنا: "أسعارهما ارتفعت إلى ستة أضعاف نتيجة اعتماد غالبية الغزيين عليهما، إذ كان سعر الكيلو يتراوح من 2 إلى 5 شواكل، لكنه ارتفع إلى 30 شيكلًا أي ما يساوي قيمة 7 دولارات".

أما بخصوص الطعم، تعلق: "يخيل لنا أن طعمه مشابه للدقيق العادي، لكن لا أحد يتفوه بكلمة أو يعلق نظرًا للحالة التي نعيشها، فهو الموجود الذي نتمنى ألا نفقده مع تشديد الحصار".

الحال ذاته تعيشه عائلة الخالدي، فيخبرنا العم محمد بأن حروبًا كثيرة تواجه الأهالي غير الإبادة، تكمن في توفير الغذاء والمياه والنزوح المتكرر وغلاء المعيشة، "وحرب توفير الخبز أبشعها".

ويكمل: "اليوم نحن لا نأكل الخبز يوميًا، بل كل يومين أو ثلاثة حتى مع استحداث صنعه عن طريق العدس والمعكرونة نظرًا لارتفاع سعريهما".

منذ الثامن عشر من مارس/ آذار لعام 2025م، يعاني أهالي قطاع غزة من أزمة إنسانية غير مسبوقة، نتيجة استمرار إغلاق المعابر  ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والوقود لليوم الـ 66 على التوالي.

وبلغ سعر كيس الطحين بوزن 25 كيلو ١٨٠٠ شيكل/500 دولار وفق الرجل، مع إمكانية عقد تجارب البدائل التي وصلت إلى حد تجفيف الخبز البائت وتحميصه للحفاظ عليه أطول فترة ممكنة.

ومنذ الثامن عشر من مارس/ آذار لعام 2025م، يعاني أهالي قطاع غزة من أزمة إنسانية غير مسبوقة، نتيجة استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والوقود لليوم الـ 66 على التوالي.

وزاد الوضع سوءًا، بعد إعلان برنامج الأغذية العالمي، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" نفاد مخزون الدقيق، ليدخل القطاع مرحلة شديدة الخطورة، بعد أن شح الدقيق من الأسواق، وارتفعت أسعاره، ما دفع المواطنين للبحث عن بدائل يسدون بها جوع أطفالهم. 

كاريكاتـــــير