شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 23 مايو 2025م21:54 بتوقيت القدس

في غزة يُقاس بالأحداث وصوت أول طائرة..

الوقت في "الإبادة".. "شعورٌ" لا "رقم"!

07 مايو 2025 - 15:02

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في غزة، لم يعد الزمن يُقاس بالدقائق أو الساعات، بل بالأحداث. يبدأ اليوم عند صوت أول طائرة، ويتوقف عند صدى انفجار. وكل ما بينهما يُقاس بما يحدث، لا بما تشير إليه ساعة الحائط أو الجوال.

مع استمرار الحرب، أصبح الزمن شيئًا غامضًا، ثقيلاً، لا يُقاس بالأرقام. "صار شعورًا لا رقمًا"، هكذا تصفه آلاء الفسيس، وهي ربة بيت.

تقول: "الزمن أصبح ضبابيًا. باتت عقارب الساعة ثقيلة، تمشي كسلحفاة لا حول لها ولا قوة. نتعامل مع غياب الساعة في ظل انعدام وسائل شحن الهواتف وندرتها، بمراقبة غياب الشمس وانعكاس الظل".

وتضيف: "غياب الساعة أثر على الحياة بأنها أصبحت بدون تنظيم أو تخطيط مسبق، وغير مرتبة. أثر سلبي بضياع الوقت دون استثمار دقيق أو إنجاز، والخطأ أحيانًا في مواقيت الصلاة، خصوصًا مع غياب صوت الأذان".

وتحكي هداية قشطة عن إدارتها أعمالها المنزلية، "كلها أخصص لها وقت النهار، أغسل الملابس يدويًا، وأكنس البيت يدويًا، أملأ جالونات الماء، وأجهز الطعام على الحطب.. أما بالنسبة للنوم، فوقته حينما يغيب صوت القصف، وأكون قد وصلت لأقصى درجات التعب".

وتتابع: "ضاع روتين حياتنا بين تفاصيل الحرب. لا نعرف متى يكون الوقت مناسبًا للراحة، ومتى نخصصه للعمل! أصبح النوم ليس للراحة فحسب، بل للهروب من الواقع الذي نعيشه".

وتصف آلاء الحسنات بدورها، علاقتها بهاتفها المحمول بالقول: "علاقة متقطعة ومريبة. أستغلّ أي لحظة قصيرة تمكنني من شحن الهاتف قليلًا، ثم أطفئه تمامًا لأحافظ على البطارية، ما يتيح لي الاطمئنان على الأقارب بين الحين والآخر. أستخدمه كإضاءة في بعض الأحيان، فهو لم يعد وسيلة للتواصل أو الترفيه، أصبح مجرد ساعة أعود إليها عندما أحتاج أن أعرف في أي زمن نحن".

وعن لحظة تشغيل الهاتف، تقول: "حين أفتح الهاتف وأرى الوقت، أشعر أنني فقدت الإحساس بالزمن. لا شيء يتغير من حولي، وكل الأوقات تتشابه تحت هذا الحصار. الدقيقة تمر ببطء، والساعة كأنها دهر. أحيانًا أشعر أن الوقت يسخر منّا.. مضي، ونحن عالقون في مكان لا يتحرك فيه شيء سوى الألم".

زمن القصف: لحظة بلا نهاية

الصحفي أحمد الزرد، الذي نجا من قصف في خانيونس، جنوبي قطاع غزة، يخبرنا كيف يتوقف الزمن في عينيه لحظة القصف! يقول: "لا تعود للدقائق أو الساعات أي معنى. كل لحظة تُصبح حياة كاملة من الخوف، من الترقب، من الدعاء. أنت لا تنتظر شيئًا سوى أن تمر اللحظة التالية دون أن تنتهي حياتك أو حياة من تحب".

"صوت الصاروخ في السماء يأخذ معك أنفاسك، وتنتظر لحظة سقوطه كأنها لا تنتهي. الزمن يصبح ثقيلًا، خانقًا، وكأن كل ثانية تُركّز فيها ذاكرتك على البقاء فقط".

ويكمل: "نعم، الدقيقة تصبح دهرًا بكل معنى الكلمة. صوت الصاروخ في السماء يأخذ معك أنفاسك، وتنتظر لحظة سقوطه كأنها لا تنتهي. الزمن يصبح ثقيلًا، خانقًا، وكأن كل ثانية تُركّز فيها ذاكرتك على البقاء فقط".

وعما بعد القصف، يخبرنا: "بعد أن يتوقف القصف، لا يعود الإحساس بالوقت مباشر. يبقى الجسد مشدودًا، والنفس قلقة. أحيانًا تمر ساعات ولا تدري إن كانت ساعة أو يوم. الهدوء بعد القصف مؤلم لأنه يكشف الخسارة، يتيح للحزن أن يدخل، ويذكّرك بمن رحل. الوقت يعود ببطء".

أبعاد نفسية خطيرة

وتتحدث الأخصائية النفسية ميس عجور، عن أثر ما أسمته بـ"الزمن المعلّق" على سكان القطاع، فتقول: "في ظل الأوضاع التي يعيشها سكان غزة، حيث تتكرر الانقطاعات في الكهرباء وتنعدم معالم الروتين اليومي، يُفقد الإحساس بالزمن تدريجيًا. الزمن ليس فقط رقمًا على ساعة، بل هو بنية ذهنية تساعدنا على تنظيم أفكارنا، وتوقّع الأحداث، والشعور بالسيطرة. وعندما يختفي هذا الإحساس، تبدأ النفس البشرية بفقدان توازنها".

وتضيف: "يعاني الأفراد من قلق مستمر، صعوبات في النوم، وتدهور في الصحة النفسية. هذا الشعور بالجمود الزمني قد يؤدي لاحقًا إلى حالات من الاكتئاب واللامبالاة والانسحاب من الحياة اليومية. كما يؤثر على الذاكرة والتركيز، لأن الدماغ يعيش في حالة تأهب دائم".

وتؤكد أن غياب الإحساس بالوقت، يُفقد الإنسان مهارات التنفيذ والتخطيط، ما يصعّب استئناف الحياة بعد انتهاء الحرب، قائلة:
"التكيف يبدأ من إدراك أهمية بناء الزمن الذاتي. في ظل غياب الساعات والروتين الخارجي، يجب أن يبني الإنسان لنفسه روتينًا داخليًا. حتى الإشارات الطبيعية كضوء الشمس أو موعد الأذان يمكن أن تخلق نقاطًا للتماسك الذهني".

ومن أجل التكيف مع فقدان الإحساس بالزمن، "ينبغي بناء روتين داخلي، مثل تحديد أوقات ثابتة للنوم والأنشطة اليومية" وفق توصية عجور، بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من الإشارات الحسية الطبيعية مثل ضوء الشمس أو أذان الصلاة؛ لتحديد أوقات النشاط والراحة.

وتتابع: "الأنشطة البدنية البسيطة، مثل الرياضة، يمكن أن تساعد في منح الفرد شعورًا بالتحكم، بينما يعزز الدعم الاجتماعي من خلال التواصل مع الأسرة والمجتمع الشعور بالإيقاع الزمني المشترك".

في غزة، لا تمر الساعات مرورًا عاديًا. الزمن هناك لا يُقرأ، بل يُحسّ، ولا يُحسب، بل يُعاش في ظل طائرات لا تفارق السماء، وذاكرة تختزن اللحظات لا التواريخ.

كاريكاتـــــير