شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م11:27 بتوقيت القدس

رفض ترك جريحٍ عالق رغم تهديد "الأرقم" بقصفٍ جديد..

المُسعف "نوح الشغنوبي".. بطولةٌ تحت ركام المجزرة!

14 ابريل 2025 - 17:59

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"لم يهُن عليَّ أن أتركه. وكيف تهون روحٌ خلقها الله على أي إنسان ذو فطرةٍ سليمة؟"، يتساءل المسعف نوح الشغنوبي بتأثّر، ويبتسم.

يحاول الشاب استرجاع مشهد الإنقاذ في مدرسة دار الأرقم، الذي كان "بطله"، يداري وجله، ويقول: "لم أفعل شيئًا. ما حدث هو تعبير حقيقي وصادق عن ثبات، وانتماء الإنسان الفلسطيني لأرضه وأبناء شعبه تحت أي ظروف".

في الثالث من نيسان/ ابريل الجاري، شنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حزامًا ناريًا على مدرسة دار الأرقم شرقي مدينة غزة. مجزرةٌ بشعة، راح ضحيتها (36) شهيدًا، فيما أصيب تحت نيرانها 180 إنسانًا وفق إحصائية المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

لم يكتفِ الاحتلال بذلك! عاد ليهدد بقصفٍ جديد للمدرسة الواقعة في حي التفاح، شرقي مدينة غزة، محذرًا جميع فرق الإنقاذ، وطالبًا منهم الإخلاء الفوري.

في تلك الأثناء، كان المسعف نوح يحاول جاهدًا إخراج شابٍ يُدعى محمود حسونة من بين الركام. يخبرنا: "كانت الساحة تعج بالشهداء والمصابين، فجأة اختفى الجميع ولم يعد هناك أي صوت، أخذتُ أسال من حولي عما يجري، فأخبروني أن المدرسة ستقصف ثانيةً".

يتابع: "حاولت مرارًا سحب جسده من تحت السقف الذي كان عالقًا تحته، لكن الأدوات بين يدي كانت محدودة. تارةً أحفر بيدي في الركام، وتارةً أخرى أحاول سحبه. كنتُ أصارع الوقت حرفيًا".

كانت الثواني الأخيرة قبل قصف المدرسة الفاصل في القصة، وفي مشهدٍ يحبس الأنفاس، بقي نوح لوحده يحفر بيديه بين الركام لإخراج حسونة، لكن باءت محاولاته بالفشل وأصابه اليأس، لكنه وضع خطةً بثوانٍ معدودة.

"عدتُ إليه راكضًا، فتحت عليه اللوح الخشبي، فلم يصدق أنني عدت، صُعِق بي فأخذ يحفر بيديه ويرمي الركام معي".

يخبرنا: "جعلتُه ينام بوضعية المقلوب، واضطررت لوضع لوح خشبي على جسده حتى لا تصيبه شظايا الصواريخ ولا ينهال عليه الركام واستودعته الله، تركته ووعدته أن أعود إليه".

خرج نوح من المكان وعيناه تبكيان، وقلبه يقول له "ارجع"، لكن ما حدث كان أشبه بالمعجزة الإلهية.

يتابع: "عدتُ إليه راكضًا، فتحت عليه اللوح الخشبي، فلم يصدق أنني عدت، صُعِق بي فأخذ يحفر بيديه ويرمي الركام معي".

مرت ثوانٍ كان يمكن أن تكون القاضية، الوقت يركض مسرعًا، وفي أية لحظة قد يهبط الصاروخ. "بكل قوتي كنت أسحب جسده، كانت أعمدة السقف تضغط على قدميه بشدة. كنا نحتاج لمعدات ثقيلة، لكنني حرفيًا في تلك اللحظة لم أكن أملك إلا يداي اللتان لم تهدآ منذ أول أيام الحرب".

استسلم نوح للأمر الواقع، وجد أنه لن يستطيع إخراجه، فقرر أن يستشهد معه! حتى جاءه رجل وأخبره بضرورة المغادرة. يقول نوح: "طلبت من الرجل أن يساعدني بالحفر، بالفعل.. بدأ يسحب جسده معي بكل قوة، وبالفعل نجحنا".

تلك اللحظات لا يمكن لنوح أن ينساها حقًا، بينما يخرج جسد محمود بسلاسة من تحت الركام. "وكأن يدًا خفيةً دفعته معنا. إنها معونة الله".

بلمح البصر غادر ثلاثتهم المدرسة، وبالفعل عاد الاحتلال ليقصف المدرسة التي تؤوي نازحين منذ أول أيام الحرب بحزامٍ ناريٍ جديد، حتى صارت جميع مبانيها ركامًا.

ذهبت المباني، لكن المشهد وثقته كاميرا هاتف بسيطة. مشهدٌ لا يمكن أن ينسى من ذاكرة التاريخ التي لن ترحم أحدًا ولو بعد حين.. نوح أصر وضحى بحياته، بعد أن عاهد نفسه بخدمة الناس حتى آخر نفس.

يعقب مبتسمًا: "لو تكرر المشهد مرةً أخرى لن أتردد لحظة في إعادة الكرّة.. أسأل الله أن يجعلني سبب حياة"، مردفًا وهو يضحك: "وإلا يا محلاها من شهادة".

الشاب حسونة، قال تعقيبًا على حديث نوح: "لما تركني في المرة الأولى عرفتُ أنها النهاية. قرأت الشهادتين، وفقدت الأمل بالنجاة تماما".

حسونة الذي اضطر للنزوح داخل المدرسة، أصيب بكسر في قدمه ويده اليسرى، ناهيكم عن الشظايا والجروح في كافة أنحاء جسده. يصف اللحظات الأولى للقصف بقوله: "شعرتُ بزلزالٍ في المكان، وكأنه يوم القيامة".

هناك أكثر من ألفي عائلة تمت إبادتها بالكامل، عدد شهدائها بلغ أكثر من 6 آلاف شهيد.

من جهته، قال المدير العام للمكتب الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة لـ"شبكة نوى": "ارتكب الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة أكثر من 12 ألف مجزرة ضد المدنيين، في المقابل استهدف أكثر من 11 ألف عائلة بشكل مباشر داخل منازلها".

وأشار إلى أن هناك أكثر من ألفي عائلة تمت إبادتها بالكامل، منوهًا إلى أن عدد شهداء تلك العائلات بلغ أكثر من 6 آلاف شهيد.

وأكد الثوابتة أن قطاع غزة يعاني من انهيار شبه كامل في المنظومة الطبّية والإنسانية نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل، ملفتًا إلى أن فرق الإنقاذ تعمل بإمكانيات شبه معدومة، "ونحن هنا نطالب المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال لوقف الحرب، وفتح المعابر، وإدخال المعدات الطبية والمساعدات الإغاثية".

كاريكاتـــــير