شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م12:08 بتوقيت القدس

تصنع الدُمى بنيّة "البهجة"..

"أميجرومي" عائشة.. نافذة على الحياة وسط الموت بغزة

14 ابريل 2025 - 13:41

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"أميجرومي" كانت كلمة السر بالنسبة للعشرينية عائشة أبو حطب، حيث تهرب إلى هناك كل مرةٍ تشعر فيها، أنها ستغرق في "حالة التيه" التي فرضتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م.

هو "فنٌ" لا تلجأ عائشة للتعريف التقليدي له، على أنه فنٌ مأخوذ عن الثقافة اليابانية، ولكنها تقول: "هو ملجأ لتفريغ الطاقة، والانعزال فيما هو مفيد عن واقع الحرب بكل ما فيها من مآسي وآلام، حيث الفراغ كان قاتلا بعد توقف العجلة التعليمية وإغلاق الجامعات أبوابها، قبل أن تنال منها الحرب وتحولها جميعًا إلى أكوام من الركام".

والـ"أميجرومي" هو فن حياكة ياباني لتجسيد أى من الشخصيات أو الأشکال أو غيرها بالکروشيه، ما يجعله أحد فنون الکروشيه التى يمکن أن يضيف جانبًا جماليًا ووظيفيًا لتحقيق العديد من الأهداف التربوية والتعليمية من خلال هذا التجسيد.

لم يكن تعلم هذا الفن سهلًا على عائشة (21 عامًا) التي عايشت الحرب لحظة بلحظة، واكتوت بنيرانها فقدًا، ونزوحًا وتدميرًا لمنزل أسرتها في مدينة خان يونس. تخبرنا: "إن مجرد البقاء على قيد الحياة وسط هذا الجحيم هو إنجاز، حيث الموت يحيط بنا من كل جانب، لكنها إرادة الفلسطيني في غزة وتشبثه بأرضه هي التي تعطينا القوة والتعلق بحبال الأمل"، مستشهدةً بقول شاعر فلسطين الراحل الكبير محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

عندما أرادت عائشة أن تتعلم حياكة الصوف لم يدر في خلدها فن الأميجرومي، وكان هدفها البحث عما تستغل به وقت فراغها الطويل، ويشغلها عن التفكير في الأحداث المؤلمة المتلاحقة من حولها، فخطَت أولى خطواتها بتعلم "الغرزة والتعقيف" على أيدي ابنة خالها، التي تجيد فن الكروشيه التقليدي وحياكة الصوف.

تبتسم عائشة وهي تصف مدى معرفتها بهذا المجال قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وتقول: "ما كنت أعرف أمسك الصنارة".

وتضيف: "كان كل وقتي وجهدي مخصص للتركيز على دراستي الجامعية بتخصص هندسة الحاسوب، لكن بعد الحرب، لا دراسة ولا تعليم مثلي مثل باقي طلبة غزة".

بعد ذلك شقّت طريقها بنفسها بالتعلم الذاتي، واختارت فن "أميجرومي"، لأنها وجدت فيه مزيجًا خلّاقا بين الحياكة والتطريز والخيال والإبداع، ومن أجل إتقانه كان عليها أن تعتمد على نفسها بمتابعة قنوات متخصصة على "يوتيوب"، وهو أمر ليس سهلًا أو متاحًا دائمًا في زمن الحرب وانقطاع الكهرباء والإنترنت.

"كنت أقطع مسافات طويلة سيرًا بغية الوصول للإنترنت، وقبل ذلك كان علي أن أضع جوالي لشحن بطاريته بواسطة الطاقة الشمسية"، تعقب، موضحةً أن هناك عقبات كثيرة واجهتها في طريقها لتعلم فن الأميجرومي.

أحد أبرز هذه التحديات كانت تجربة النزوح القاسية التي خاضتها عائشة مع أسرتها (5 أفراد)، وقد اضطرت إلى مغادرة المنزل الذي ولدت وترعرت فيه وسط مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، والتنقل من مكان إلى آخر، وبرأيها فإن "تجربة الحياة لفترة طويلة في خيمة هي الأصعب والأشد قسوة من بين محطات النزوح المتكررة، حيث لا خدمات ولا خصوصية".

بعد عام ونيف غادرت عائشة وأسرتها "الخيمة البائسة" في المواصي غرب مدينة خان يونس، وعادت إلى المدينة، ولكن ليس إلى منزلها، حيث حولته غارة جوية إسرائيلية إلى "أثر بعد عين" وبعثرت ذكرياتها وملابسها بين الركام وتحته.

وتقول: "هي غارة مدتها ثوان معدودات، لكنها كانت كفيلة بهدم وتدمير حياتنا، وترك أثرها غصة في القلب، فبيوتنا ليست مجرد حجارة صماء، إنها حياة بكل تفاصيلها، وفي كل زاوية لنا حكاية وذكرى.. كل ذلك ينهار في طرفة عين"، مواصلةً حديثها بحرقة: "نحن نستحق حياة أفضل بكثير من هذه".

ولتحقيق هذه الحياة الأفضل، تعمل عائشة بجد على استكمال دراستها الجامعية بالتعلم الإلكتروني عن بعد، واستغلال ما يتاح لها من وقت في صناعة الدمى، التي باتت هوايتها المفضلة لتفريغ طاقتها، فصنعت العرائس والحيوانات المفضلة لها باستخدام صوف حصلت عليه من إعادة تدوير فستان قديم.

والحصول على الصوف يمثل بالنسبة لعائشة تحديًا آخر، لقلته في الأسواق وارتفاع أسعاره أضعافًا مضاعفة عما كان عليه قبل اندلاع الحرب.

وبحسب عائشة فإن "كرة الصوف" (100 غرام) ارتفع سعرها من 5 شواكل إلى 25 شيكلًا، ويلزم لصنعة دمية واحدة بطول 40 سنتمتر، حوالي "3 كرات من الصوف".

ووسط هذا الواقع المرير كانت عائشة تجتهد لصناعة الفرح لها ولأسرتها وللمقربين منها، وتحلم بأن تتخرج من الجامعة وتفتتح مشروعها الخاص، وبأمل كبير تقول: "قبل كل ذلك أمنيتي أن تضع هذه الحرب المجنونة أوزارها ويتوقف مسلسل القتل والتدمير، وأن تستعيد غزة روحها".

كاريكاتـــــير