شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م12:18 بتوقيت القدس

انقطاع المياه يمتد لأسابيع وأشهُر في بعض المناطق..

احتلال "الماء".. واقعٌ مُرٌّ في "صيف" الضفة!

مواطنون يضطرون لتخصيص ميزانية "تعبئة" شهرية تفوق قدراتهم الاقتصادية
03 ابريل 2025 - 13:03

الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في الضفة الغربية، يمكنك أن تدرك -صديقنا القارئ- أنك أمام أزمة مياهٍ عاصفة، قد تمتد لأيام طويلة، بمجرد أن تداعب سمعك سيمفونية "الطرق على الخزانات الفارغة".

تلك الخزانات المطلية بالأبيض، والمتكدسة فوق أسطح البيوت والعمائر، في كافة مدن وبلدات وأحياء الضفة، تعدُّ صمام الأمان للعائلات الفلسطينية، التي تعتمد على ما تملؤه فيها لأيامٍ طويلة، قد تمتد لأسابيع دون قطرة ماء واحدة تصلهم عبر صنابير البلديات.

يبدأ الصيف في الضفة، فتصبح "زيارة السطح" لتفقد الخزانات "مهمة" يومية. مواجهة صعبة مع الشمس في وقت الظهيرة، قد تتطور -في حال نفاد كمية المياه داخل الخزانات- لتمتد حتى المغيب، في محاولةٍ لتوفير كمياتٍ منقذة.

وتعتمد فلسطين بشكل أساسي على المياه المستخرجة من المصادر الجوفية والسطحية، التي تبلغ نسبتها 76.4% من مجمل المياه المتاحة، وفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء، في حين يبلغ عدد الآبار الفلسطينية حوالي 400 بئر جوفي، تتركز معظمها في محافظات قلقيلية وأريحا وطولكرم، وبعدد أقل في محافظتَي الخليل وبيت لحم.

في بلدة "بيرزيت" شمالي رام الله، وسط الضفة الغربية، يعاني طلبة الجامعة التي تحمل اسم البلدة ذاته، بالإضافة إلى أعباء الدراسة، من ملاحقة المياه، وإيجاد حلول لأزمة انقطاعها المستمرة، التي قد تمتد في بعض الأحيان لشهرين متتالين.

تجد أحدهم على سطح المبنى يضرب الخزان ليعرف مستوى المياه فيه، وآخر يتصل على المؤجر مطالبًا بحل، بينما تنعقد جلسات لمناقشة الميزانية في شقق طلبة آخرين، "من أجل بحث إمكانية تغطية تكلفة شراء صهريج مياه، يصل سعر الكوب فيه لـ50 شيقلًا".

وتعاني بيرزيت منذ سنوات من أزمة حقيقة في المياه، حيث تعدُّ آخر خطٍ تغذيه مصلحة مياه القدس، وتبلغ حصتها من المياه 40 ألف كوب شهريًا، "لكنها لا تكفي، ولا تصل جميعها خلال فصل الصيف"، وفقًا لرئيس بلدية بيرزيت نضال شاهين. 

ويرى شاهين أن سبب تفاقم الأزمة "ناتج عن عدم وجود عدالة في توزيع المياه"، قائلًا: "هناك مناطق تغذيها المصلحة، وقد تنقطع فيها المياه ليومين في الأسبوع فقط، وأخرى لا تنقطع فيها المياه إطلاقًا".

وبرغم حصول البلدة على وعود من مصلحة مياه القدس وسلطة المياه الفلسطينية بإيجاد حل جذري للأزمة، إلا أن هذه الوعود لم تتجاوز الأوراق التي كُتبت عليها، "ولا توجد أي إجراءات على أرض الواقع" يعقب.

"سياسة تمييز عنصري"

ولم تكن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على 85% من مصادر المياه في الضفة الغربية أمرًا عابرًا، بل أحد أوجه التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، فمنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، أصدرت سلطات الاحتلال العسكرية أوامر تفضي إلى تخويل الاحتلال صلاحيات العمل في مجال المياه، ابتداءً بمصادر المياه، وليس انتهاء بتوزيعه واستغلاله، سالبة الفلسطينيين حقوقهم في هذا المجال إلا بتصاريح نادرًا ما تُعطى.

ومن هذه الأوامر  الأمر (291) لعام 1968م، الذي فرض جعل مصادر المياه المتوفرة في الضفة الغربية ملكًا عامًا لدولة الاحتلال. 

بلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي للمياه 85.7 لترًا خلال عام 2022م، وهو أقل من الحد الأدنى الموصى به عالميًا حسب معايير منظمة الصحة العالمية البالغ 100 لتر في اليوم.

ووفقًا لبيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وسلطة المياه الفلسطينية العام الماضي 2024م، فقد بلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي للمياه 85.7 لترًا خلال عام 2022م، وهو أقل من الحد الأدنى الموصى به عالميًا حسب معايير منظمة الصحة العالمية البالغ 100 لتر في اليوم.

وأشار البيان إلى أن حصة الفرد الفلسطيني من المياه العذبة تنخفض إلى 20.5 لترًا في اليوم، بسبب نسبة التلوث العالية للمياه في قطاع غزة، وحجم كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي مما هو متاح. 

في المقابل، معدل استهلاك الفرد "الإسرائيلي" نحو 300 لتر في اليوم، أي أكثر بثلاثة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني، فيما يتضاعف هذا المعدل للمستوطنين، إلى أكثر من 7 أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني. 

ماذا عن إدارة قطاع المياه فلسطينيًا؟ 

ويفيد مدير عام مجموعة "الهيدرولوجيين الفلسطينيين"، عبد الرحمن التميمي، بدوره، أن أزمة المياه في الضفة الغربية أخذت طابعًا أكثر حدة في الفترة الأخيرة، موعزًا ذلك إلى مخطط سلطات الاحتلال تحويل الفلسطينيين من أصحاب مصادر مياه إلى "زبائن".

وشدد على أن السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة، هو اتفاقية "أوسلو"، التي جعلت صلاحيات المياه بيد الاحتلال، موضحًا أن الحصة الفلسطينية وفقًا للاتفاقية، تتراوح بين 70 و80 مليون متر مكعب، "لكن ذلك كان بافتراض أن الاتفاقية ستنتهي عام 1999م، في حين تضاعف حاليًا عدد الفلسطينيين، وبالتالي زاد حجم حاجتهم للمياه". 

وفيما يتعلق بإدارة المياه فلسطينيًا، يرى التميمي أن سلطة المياه ومصالح المياه تحاول إدارة الأزمة، ولكنها برفقة البلديات "زبائن" لدى الاحتلال في المحصلة، تقوم بشراء وبيع المياه، وفق وصفه.

وأوضح أن هناك سوء إدارة وتوزيع للمياه، مرتبط بكون مصادر وكميات المياه غير كافية، إلى جانب مبدأ التوزيع المعتمد، وتصميم شبكات المياه، "كما أن هناك فاقد في شبكات المياه قد يصل إلى 50%". 

وقال التميمي: "بعض البلديات تفتقر للكفاءة الفنية والعلمية لإدارة شبكات المياه، وبالتالي يجب تقليص مسؤولياتها وصلاحياتها في هذا المجال لصالح مصالح المياه الرئيسة، أو بلديات أكثر كفاءة".  

وأكد على عدم وجود سياسية واضحة للمياه لدى الحكومة الفلسطينية، "وفي حال وجودها فإنها لا تطبق"، مشيرًا إلى أن خطط إدارة المياه تأخذ طابع التأملات والأماني أكثر من الواقعية، كون مصادر المياه تحت سيطرة الاحتلال. 

"كل سنة أسوأ من ذي قبل"

بالرغم من عدم دخول فصل الصيف بعد، إلا أن قرية "قريوت" جنوبي نابلس، عانت لـ (45) يومًا من انقطاعات في المياه!

وفي وصف الأزمة يقول يوسف الحج محمد رئيس مجلس قروي قريوت بالإنابة: "كل سنة بتكون انقطاعات المياه في القرية أسوأ من السابق، حيث تتواصل الانقطاعات لأسبوعين متتاليين"، موضحًا أنه وبالرغم من وجود عيني مياه في القرية، إلا أن الاحتلال سيطر عليهما منذ بداية العدوان على قطاع غزة، ومنع المجلس من سحب مياه "نقطة الميكروت" أيضًا. 

"تفاقم الأزمة "مفتعل"، وسببه سوء إدارة مجلس الخدمات المشترك (وهو عضو هيئة إدارية فيه)، الذي يزود القرية بالمياه، إلى جانب مجموعة من قرى جنوبي نابلس".

ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وصلت كمية المياه المشتراة للاستخدام المنزلي من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" (98.8) مليون متر مكعب عام 2022م، التي شكلت ما نسبته 22% من كمية المياه المتاحة، البالغة 445.7 مليون. 

وأفاد الحج محمد أن تفاقم الأزمة "مفتعل"، وسببه سوء إدارة مجلس الخدمات المشترك (وهو عضو هيئة إدارية فيه)، الذي يزود القرية بالمياه، إلى جانب مجموعة من قرى جنوبي نابلس، موضحًا أن المجلس لا يقوم بتوزيع المياه بشكل عادل، "فبعض المناطق تأخذ ضعف حصتها من المياه، بينما مناطق أخرى منها قرية قريوت، تحصل على نصف الكمية" يقول.

"سلطة المياه غير قادرة على حل الأزمة، ولا يوجد لديها خطة لحلها، بينما تساعد في توفير تمويل من المؤسسات الأجنبية، وإجراء تنسيقات مع الاحتلال التي قد لا تعود بنتائج".

ويرى الحج محمد أن سلطة المياه غير قادرة على حل الأزمة، ولا يوجد لديها خطة لحلها، بينما تساعد في توفير تمويل من المؤسسات الأجنبية، وإجراء تنسيقات مع الاحتلال التي قد لا تعود بنتائج، "فمنذ عام قام بتبليغ سلطة المياه للحصول على موافقة لسحب "نقطة الميكروت"، إلا أنه لم يحصل على الموافقة حتى اليوم".

ويضيف: "عند الضغط على سلطة المياه تقوم بزيادة حصة المياه في اليوم ولكن لفترة بسيطة تمتد لأسابيع".

غياب الدور الرقابي

ويؤكد رئيس بلدية كوبر شوكت البرغوثي، من جهته، أن أزمة المياه في البلدة الواقعة شمال غربي رام الله، "تستفحل" في فصل الصيف منذ سنوات، دون وجود بوادر حقيقية لحل الأزمة، مشيرًا إلى أن المياه كانت تصل المواطنين خلال العامين الماضيين مرة واحدة كل أسبوعين، إلا أنها قد تنقطع عن المناطق المرتفعة في القرية مدة شهرين، ما يضطرهم إلى شراء صهاريج المياه بتكلفة عالية تثقل كاهلهم.

ويعزو البرغوثي سبب هذه الأزمة إلى الاحتلال في المقام الأول، الذي يسعى إلى "تعطيش الفلسطينيين"، إضافة إلى ذلك، يؤكد على أن مصلحة مياه القدس لا تقوم بتوزيع المياه على المناطق بشكل عادل، وأن الجهات المسؤولة لا تقوم بدورها الرقابي على إدارة وتوزيع المياه. 

مسؤولية مشتركة

ولأن سلطة المياه الفلسطينية ومصالح المياه، هما الجهتان المسؤولتان عن توزيع المياه وإدارة شبكاتها، حملنا ما ورد في التقرير من تساؤلات واتهامات بوجود خلل لمناقشتها معهما، إلا أن مصلحة مياه القدس التي حملتها البلديات مسؤولية تفاقم الأزمة أجلت إجراء المقابلة أكثر من مرة، لينتهي المطاف بالاعتذار عن إجرائها لانشغالات أخرى.

في المقابل، أكدت سلطة المياه الفلسطينية وجود أزمة في المياه، تتحمل مسؤوليتها جميع الأطراف ذات العلاقة، مشددة على أن السبب الرئيسي وراءها هو سيطرة الاحتلال على مصادر المياه، وتحكمه بكميات تزويدها، وكثرة نقاط التزويد الإسرائيلية، وتداخل شبكات المياه "فمنها ما يزود الفلسطينيين والإسرائيليين بالمياه في آنٍ معًا". 

وأوضح المستشار الفني في سلطة المياه الفلسطينية معاذ أبو سعدة، أن سلطة المياه لا تتحكم  بعملية توزيع المياه بعد تحويلها لمزودي الخدمات، كالبلديات والمجالس المشتركة، ولا تتحكم بعملية التزويد في 50% من مناطق الضفة الغربية، التي تحصل على المياه من نقاط إسرائيلية بشكل مباشر، حيث يقتصر دورها على المحاسبة على المياه، وإصدار الفواتير في هذه الحالة.

"أسباب الأزمة تمتد إلى تعدي بعض البلديات والمزارعين على خطوط "ميكروت"، التي تحتوي بالمحصلة على مياه تم شراؤها فلسطينيًا".

في ذات السياق، أوضح أبو سعدة أن أسباب الأزمة تمتد إلى تعدي بعض البلديات والمزارعين على خطوط "ميكروت"، التي تحتوي بالمحصلة على مياه تم شراؤها فلسطينيًا، إضافة إلى بُعد مصادر ونقاط توزيع المياه عن نقاط الاستهلاك الأمر الذي يؤدي إلى عدم وصول المياه إلى المناطق المرتفعة.

وفيما يتعلق بخطط سلطة المياه الفلسطينية للتعامل مع أزمة المياه، قسّم أبو سعدة خطط سلطة المياه إلى جزئين: الأولى قصيرة المدى، حيث تدير سلطة المياه الأزمة، ولا تحلها، من خلال خطط طوارئ كل صيف، التي تتضمن حلولًا آنية كتوفير خطوط ناقلة وخزانات، ومحاولة وقف التعديات، إضافة إلى حفر وتأهيل الآبار.

"منذ عام 2017م، تعمل سلطة المياه على ما يسمى بالخطة الريادية لتوزيع المياه، وذلك بإنشاء شركة مياه وطنية".

أما الخطط بعيدة المدى، فيقول أبو سعدة إنه "منذ عام 2017م، تعمل سلطة المياه على ما يسمى بالخطة الريادية لتوزيع المياه، وذلك بإنشاء شركة مياه وطنية".

وبخصوص مشاريع سلطة المياه وبرامجها، فأوضح أن هناك مشاريع مكلفة وتستغرق وقتًا، وتحتاج موافقة الاحتلال عليها، "وقد وافق الاحتلال بالفعل على بعضها، ولكن هذه الموافقات غير مكتملة، حيث يمنع الاحتلال بدء عمليات التنفيذ. ومن جانب آخر حصلت بعض المشاكل التعاقدية في بعض المشاريع ما أجل تنفيذها".

كاريكاتـــــير