شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م12:51 بتوقيت القدس

"الاقتصاد": "إمكانات الحكومة صعبة والمهجرون أولوية"

"الأمن الغذائي" يترنح على صفيح "الضفة" الساخن!

20 مارس 2025 - 11:52

الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يواصل المراسل الميداني لقناة "رؤية الفضائية"، حافظ أبو صبرة، منذ وقت طويل، نشر مناشدات تصله من مواطنين نازحين من مخيمات شمالي الضفة الغربية، حيث العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ نحو شهرين.

آخر ما نشره، مناشدة، مضمونها سؤال أرسله "نازح" من أحد مخيمات الشمال المستهدفة: "مين الجهات اللي ممكن نتوجه إلها لطلب المساعدة العينية، غير المحافظة؟".

يعكس السؤال -وفق أبو صبرة- واقع "صوت الناس غير المسموع"، ويعقب: "هذا سؤال شخص من بين 40 ألف نازح من مخيمات شمالي الضفة. نحن ننشر الأسئلة، لكننا لا نملك أي إجابة".

ويضيف: "مجرد أن هناك من يطرح مثل هذا السؤال، بعد أكثر من شهرين على العدوان في مخيمات الضفة، فهذا يعني وجود مشكلة حقيقية. مشكلة في عدم وجود من يقدم الإجابة للمواطنين المهجرين".

مع بدء "الإبادة" في قطاع غزة، بتاريخ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023م، شهد الوضع في الضفة الغربية تدهورًا سياسيًا واقتصاديًا. وأسفر تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية عن تعميق الوجود العسكري الإسرائيلي، مما أدى إلى فرض قيود على التنقل، وإنشاء نقاط تفتيش إضافية، حدّت من حرية الحركة بشكل كبير.

وكان برنامج الأغذية العالمي، أطلق قبل نحو عام، تحذيرًا من ارتفاع مستوى الجوع في الضفة الغربية، ذلك مع تصاعد الإجراءات الاحتلالية، إلى جانب القيود على الحركة بين المدن الفلسطينية، وهو ما تزامن مع منع عشرات آلاف العمّال من الوصول إلى أماكن عملهم في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948م.

وقد ازداد الواقع الفلسطيني في الضفة الغربية سوءًا، في ظل عملية عسكرية أطلقتها سلطات الاحتلال في مخيمات شمالي الضفة، وهو ما نتج عنه تهجير ما يقرب من 40 ألف لاجئ من أماكن سكنهم.

وتكشف الأخبار القادمة من عموم المناطق الفلسطينية في الضفة، وجود أزمة حقيقية في "الأمن الغذائي". أكبر المؤشرات، تنامي أعداد تكايا الطعام، إلى جانب تزايد أعداد المواطنين الذين يقبلون عليها كمصدر أساسي للحصول على الغذاء.

تزعزع ركائز الأمن الغذائي

ويتأثر الأمن الغذائي بحسب الباحثة المساعدة في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، أنمار رفيدي، بأربعة أبعاد هي: "توافر الغذاء، والوصول له، واستخدامه، ثم باستقرار هذه الأبعاد الثلاثة".

وتقول رفيدي لشبكة "نوى": "بخصوص البعد الأول، يتأثر توفر الغذاء هنا بإغلاق المعابر وعرقلة حركة التجارة الداخلية والخارجية، والإنتاج الزراعي، نظرًا لتدمير الأراضي وتخريب المحاصيل. بينما يتأثر البعد الثاني (الوصول للغذاء) بتراجع القدرة الاقتصادية، في حين يتأثر استخدام الغذاء واستقراره واستهلاكه لدى العائلات النازحة من المخيمات، والتجمعات البدوية والرعوية والتجمعات الفلسطينية في مناطق (ج) نتيجة النزوح المتكرر، وعدم توافر الخدمات الأساسية غير الغذائية، الضرورية لتحضير الطعام كالكهرباء والماء مثلًا".

وبحسب برنامج الغذاء العالمي، فإن عدد غير الآمنين غذائيًا في الضفة الغربية ارتفع ليصل إلى حوالي 42%، (أي ما يعادل 600 ألف شخص).

وتعكس المعطيات الدولية حول الغذاء والتغذية في فلسطين، أن مسألة عدم توفر حالة الأمن الغذائي مسألة سبقت السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م، لكن المؤكد بحسب الخبراء أن هذا التاريخ، وما تلاه من تغيرات عميقة في المجتمع الفلسطيني بفعل سياسات الحصار والإفقار، ضاعفت الواقع الغذائي الصعب أصلًا.

وبحسب معطيات عام 2022م، فإن عدد الفلسطينيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي ينقسم بين اللاجئين (70٪) وغير اللاجئين (30٪)، وهو ما يعني أن سكان المخيمات هم الفئة الأكبر من غير الآمنين غذائيًا، وهو ما تعمق واكتسب أبعادًا جديدة بعد العدوان الإسرائيلي، الذي حمل اسم "الأسوار الحديدية" على مخيمات شمالي الضفة.

القصة أكبر من "فزعة"

وتضع العملية العسكرية الإسرائيلية، أكثر من 40 ألف مواطن نزحوا من مخيمات شمالي الضفة الغربية (طولكرم، ونور شمس، وجنين، والفارعة) في واقعٍ مأساوي للغاية، حرموا في ظله من أبسط حقوقهم الإنسانية (المأكل والمسكن والملبس).

أسامة عبد الله، الناشط والأكاديمي من قرية "ذنابة"، شرقي طولكرم، وهو عضو لجنة الصحة في لجنة الكرامة لإغاثة اللاجئين المهجرين في مدينة طولكرم، قال: "تقدم اللجنة الخدمات الإغاثية لعدد يتراوح بين 5000 – 6000 مهجر، (ما يقرب من ألف عائلة تم تهجيرها من مخيمي طولكرم ونور شمس).

جغرافيا القرية التي تقع في منطقة تتوسط المخيمين، جعلها تستقبل أكبر كثافة نزوح، في حين يتوزع بقية المهجرين قسريًا بين طولكرم المدينة، وبلدات اكتابا، وارتاح، وقرى الشعراوية.

ويتساءل عبد الله، عن السبب الذي يجعل الحكومة حتى اللحظة، بدون أي خطوات عملية لإغاثة هؤلاء المهجرين، "فسياسة المساعدات العينية والمبلغ المالية البسيطة ليست ذات جدوى في ظل طول أمد الاعتداءات الإسرائيلية"، مطالبًا بإطلاق برامج تشغيلية للقادرين على العمل، وكذلك توفير رواتب شهرية ثابتة للمهجرين طالما بقوا من دون عمل.

وحذر من أن حالة التكافل، لن تستمر بنفس النسق والإيقاع لمدة طويلة، "وستأتي اللحظة التي سيحتاج فيها المهجرون ما هو أكبر من مجرد مساعدة لمرة واحدة، أو كوبونة مساعدات. إذا لم تكن هناك خطة، ستُخلق إشكاليات اجتماعية وسياسية في ظل غياب المؤسسة الأمنية. ليس هناك أصعب من ألا تجد ما تطعمه لطفلك".

وأضاف عبد الله: "نحن اليوم لا نتحدث عن ضمان وتحقيق شروط الأمن الغذائي إنما عن فكرة البقاء على قيد الحياة".

وقبل أيام من بداية شهر رمضان، أطلق محافظ طولكرم تكية الشهيد ياسر عرفات الخيرية لتأمين الوجبات الرمضانية للأسر المعوزة والمتعففة.

ومن مقر لجنة زكاة طولكرم المركزية في المدينة، تنطلق الوجبات يوميًا، وغالبًا ما تتضمن اللحوم والأرز.

الناشط من مخيم جنين، نضال نغنغية، شدد على أن كل ما تم تقديمه للمهجرين في مخيم جنين "لا يسد الحاجة من إيواء وإغاثة"، منتقدًا "الأرقام الإغاثية" التي تتحدث عنها الجهات الرسمية بقوله: "لا تكفي لشيء".

وطالب نغنغية بضرورة إعلان حالة الطوارئ شمالي الضفة، وتنفيذ كل ما يترتب على ذلك، "نحن بحاجة لوقفة جدية من كل لجهات.. الجميع لم يقدم المطلوب منه حتى اللحظة، تحديدًا ونحن نتحدث عن حالة قد تمتد لعام أو عامين".

وانتقد الجهات الرسمية، التي أعلنت بعد 3 أيام من بدء التهجير، أنها غطت كافة احتياجات المهجّرين، "حيث أغلقت الطرق على كل من يريد تقديم يد العون".

محافظ محافظة جنين كمال أبو الرب، أقر بدوره، أن خروج النازحين من مخيم جنين جعل "الحمل كبيرًا" على المحافظة ولجنتها الخاصة (لجنة الطوارئ وإدارة الأزمات)، التي يقع على عاتقها إدارة عمليات الإعمار والنازحين.

وقال: "الحكومة شكلت لجنة وزارية من ثماني وزارات، وقدمت مساعدات تتمثل في مجموعة شاحنات فيها مواد غذائية بالتنسيق بين الحكم المحلي، والشؤون الاجتماعية، توجهت إلى مخازن التنمية الاجتماعية، التي تملك معلومات وبيانات خاصة باللاجئين، لضمان الوصول لأكبر عدد من المهجرين المستحقين".

وأكد أن المحافظة "استقبلت المساعدات من المحافظات الأخرى، ومن حركة فتح، ومن التجار، حيث قادت عملية جمع التبرعات، ووقفت عند حدود المسؤوليات الموكلة لها، وتوزع المساعدات وفق القوائم التي لديها وحسب الأصول".

"هناك فائض في المواد التموينية في ظل كمية الطرود التي وصلت المدينة، وفي ظل الجهات التي تعمل على مشاريع الإفطار، لكن هذا قد لا يستمر بعد انتهاء الشهر الفضيل".

وأشار إلى أنه في الفترة الماضية "كان هناك فائض في المواد التموينية في ظل كمية الطرود التي وصلت المدينة، وفي ظل الجهات التي عملت على مشاريع الإفطار، لكن هذا قد لا يستمر بعد انتهاء الشهر الفضيل"، ملفتًا إلى أن المواطنين الآن متحمسون لتقديم الزكاة، "لكن ما الحل بعد العيد على صعيد المساعدات الغذائية؟".

السؤال الثاني الذي يطرحه أبو الرب، يرتبط بالدور الذي يؤديه تجار المدينة، الذين يدفعون أجرة منازل وشقق النازحين، ففي حال امتد الأمر لأشهر إضافية، "ماذا يمكن أن يحدث؟ وهل سيستمرون بدفع نفقات آلاف العائلات؟".

ويزيد: "نبتلع السيف على الحدين: لدينا واجب خدمة أهل المخيم وكل المهجرين منه، شريطة ألا نثبّت هجرتهم. لا نريد أن تصبح مسألة العودة للمخيم مسألة ثانوية، ولا نريد أن يلغى المخيم كعنوان للنضال، وأن يتحول لحي عادي من أحياء المدينة".

خلل على المدى الطويل

وترى وزارة الاقتصاد أن الأمن الغذائي يعني لها مقصدًا عامًا، مفاده "توفير المواد الغذائية في الأسواق الفلسطينية، ولفترة زمنية كافية، وبالسعر المناسب، وهو ما عملت الوزارة على ضمانه خلال الفترة الماضية".

وتحدث وزير الاقتصاد الوطني، المهندس محمد العمور، عن وجود مشكلة ترتبط بالقطاعات المجتمعية من ناحية عدم وجود سيولة لديها، وعدم القدرة على تغطية نفقات تأمين الغذاء المناسب والملائم.

ورد الأمر إلى أنه يرتبط ويترتب على ما تفرزه الظروف في الضفة وغزة، والحرب التي شنت على الفلسطينيين بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر، التي أدت إلى مجموعة من الأمور، ومنها: فقدان الأيدي العاملة لعملها ومصادر رزقها، وهذا خلق تراجعًا اقتصاديًا كبيرًا، وترتب على ذلك تراجع في التشغيل، وتحديدا في القطاع الخاص، وهو ما زاد نسبة البطالة بشكل عام".

وتابع الوزير في حديث خاص لـ"نوى": "البطالة وصلت نسبتها (51%)، كما أن الانكماش الاقتصادي يتراوح بين 28% و29%، وكذلك الأمر بالنسبة لأعداد العاطلين حيث تتراوح الأعداد في الضفة ما بين 200 و300 ألف، وهو ما يعني، منطقيًا، أن يقل الدخل عند الكثير من العائلات".

"إمكانيات الحكومة صعبة للغاية، بفعل الضغوط الاقتصادية واحتجاز أموال المقاصة والتراجع الاقتصادي في الضفة، وتراجع المساعدات الدولية.. لو كان لدينا إمكانيات كبيرة لكانت التدخلات أكبر مما هي عليه اليوم".

وتحدث العمور بصراحة قائلًا: "إمكانيات الحكومة صعبة للغاية، بفعل الضغوط الاقتصادية من احتجاز أموال المقاصة والتراجع الاقتصادي في الضفة، وتراجع المساعدات الدولية، وبالتالي قامت الحكومة بتقديم ما يصلها على شكل رواتب ناقصة بنسبة 70%، ولو كان للحكومة الحالية إمكانيات كبيرة لكانت التدخلات من قبلها أكبر مما هي عليه اليوم".

وأضاف: "نحاول تدبير الأمور بالحد الأقصى كي نتمكن من مساعدة المهجرين قسريًا عبر تدخلات طارئة نقوم بها".

وعدَّ العمور، المهجّرين من مخيماتهم "أولوية" بالنسبة للحكومة، حيث يقدم لهم الحد المعقول، مردفًا: "بالتأكيد هذا غير كافٍ، لكنها مساعدات تسد الرمق، وفي نفس الوقت ضمن الإمكانيات الحالية".

وختم حديثه: "في المستقبل كل الجهود ستذهب إليهم، هم أولوية ضمن برامج الحكومة المختلفة. يمكن القول إن هناك تدخلات موجودة ومنفذة، لكن على المدى الطويل نحن بحاجة إلى إعادة تخطيط وعمل".

كاريكاتـــــير