شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م10:52 بتوقيت القدس

شكاوى من التهميش في توزيع "المساعدات"

نكبةٌ في "جنين".. مواطنون: "التدخلات دون مستوى الكارثة"!

وزير الحكم المحلي: حجم الاحتياجات أكبر من الإمكانيات
16 مارس 2025 - 16:03

الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تصف هناء سويطات البالغة من العمر (38 عامًا) ما جرى في مخيم جنين بـ"القضاء المستعجل"، بسبب عدم وجود مدة تفصل بين الحملة الأمنية التي شنتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية على المخيم، وبين الاجتياح الإسرائيلي الذي ما زال متواصلًا.

تقول: "أصبحنا فجأة في مشهد يشبه مشاهد مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، الناس يركضون، ولا يعرفون لهم وجهة، بينما الجيش الإسرائيلي يحاصر المخيم من كل الجهات".

"في موجة البرد الأخيرة شعرت وكأن أسناني تسقط من مكانها. لأول مرة أفهم معنى البرد، حين لم يكن لدي أنا وابني ما يكفي من الأغطية".

تسكن هناء في منطقة تسمى جورة الدهب، داخل المخيم، ترعرت فيها وتزوجت وأنجبت فيها ابنها الوحيد، وبسبب الاقتحام تشتت عائلتها، فنزحت هي وابنها عبد الله إلى السكنات الجامعية التابعة للجامعة العربية الأمريكية، بينما نزح والداها إلى منزل أحد الأصدقاء في منطقة "الصناعية"، أما شقيقها فنزح إلى شقة في شارع نابلس.

تخبرنا: "في موجة البرد الأخيرة شعرت وكأن أسناني تسقط من مكانها. لأول مرة أفهم معنى البرد، حين لم يكن لدي أنا وابني ما يكفي من الأغطية".

وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، أعلنت في الحادي والعشرين من كانون الأول/ يناير 2025م، بدء عملية عسكرية واسعة النطاق، وحملت اسم "السور الحديدي" في مناطق شمالي الضفة الغربية، طالت تحديدًا ثلاث مدن (وخاصة مخيَّماتها): جنين، وطولكرم، وطوباس.

وأسفر العدوان الإسرائيلي على جنين ومخيمها حصرًا، عن نزوح أكثر من 20 ألف فلسطيني، أي حوالي 90% من سكان المخيم، الذين توزعوا على 39 بلدة وهيئة محلية، كما دمر الاحتلال 120 منزلًا كليًا وعشرات المنازل جزئيًا، ومَنَع الطواقم الصحفية من التغطية بشكل كامل، فضلًا عن اقتحامه محيط المدينة بالدبابات لأول مرة منذ عام 2002م، في ظل تدمير البنية التحتية والشبكات الأساسية.

"لم أستلم شيئًا"

وتحكي هناء عن الاحتياجات التي كانت تحاصرها خلال النزوح، فتكمل: "كنت أحصل على المساعدات بجهد شخصي من خلال علاقاتي، وبرغم وجود جمعيات توزّعها على النازحين من أهل المخيم، إلا أن المتوفر لم يكن يكفي لأعداد العائلات الكبيرة".

"كان الإعلان عن المساعدات يصل للناس عن طريق مجموعات الواتساب، لكن لم يكن الإنترنت متوفرًا عند الجميع (..) سمعنا أن السلطة الفلسطينية وزّعت مساعدات ومؤن وأغطية. أنا شخصيًا لم أستلم منها شيئًا".

وتستدرك: "كان الإعلان عن المساعدات يصل للناس عن طريق مجموعات الواتساب، لكن لم يكن الإنترنت متوفرًا عند الجميع"، مردفةً بقهر: "سمعنا أن السلطة الفلسطينية وزّعت مساعدات ومؤن وأغطية. أنا شخصيًا لم أستلم منها شيئًا".

ووفق اللجنة الإعلامية لمخيم جنين، فإن جرائم الاحتلال وعمليات التدمير الممنهجة، أسفرت عن انقطاع المياه والكهرباء، ونقصٍ حاد في الطعام والاحتياجات الأساسية الخاصة بالأطفال داخل المخيم.

وسبق الاجتياح الإسرائيلي حملة أمنية واسعة، نفذتها السلطة الفلسطينية في مدينة جنين، ضد من تصفهم بـ"المسلحين الخارجين عن القانون"، تحت اسم "حماية وطن"، بهدف "حفظ الأمن وبسط سيادة القانون" وفق تعبيرها.

وفرضت السلطة خلال الحملة حصارًا مطبقًا على المخيم، في حين انقطعت المياه والكهرباء عن أجزاء كبيرة منه بسبب الحصار.

"لن أذل نفسي لأحد"

وعندما اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلية مخيم جنين، كانت المواطنة (أ.م) في منزلها الكائن في حارة السمران، بينما زوجها في جنين المدينة، لتخرج بأطفالها الأربعة سيرًا على الأقدام، وتنزح إلى شقطة "على العظم" (غير جاهزة للسكن)، وبالإيجار في منطقة عجّة، وسط ظروف صعبة للغاية.

"لا أحد يتصل بنا أو يتواصل معنا. تحصلت عائلتي على "كرتونة مونة" لمرة واحدة، بداخلها سكر وأرز و 3 علب من المواد الغذائية المعلبة، بالإضافة إلى مواد تنظيف ولم تتكرر. أنا لن أذل نفسي لأحد".

تقول: "زوجي عامل، ومنذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023م، فقد عمله"، مضيفةً: "لا أحد يتصل بنا أو يتواصل معنا"، موضحةً أن عائلتها تحصلت على "كرتونة مونة" لمرة واحدة، بداخلها سكر وأرز و 3 علب من المواد الغذائية المعلبة، بالإضافة إلى مواد تنظيف، "لكنها لم تتكرر".

وتعقب بانفعال: "أنا لن أذل نفسي لأحد، كما أن هذه الجهات لا تلتفت إلى احتياجات المرأة الخاصة في مثل هذه الظروف".

جنين المثقلة أصلًا بفعل الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لها ولمخيمها منذ العام 2022م، تمر اليوم بواحدة من أصعب وأعقد أزماتها التي وصفها مراقبون بـ"النكبة الفلسطينية الجديدة"، في الوقت الذي قالت فيه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا): "إن سكان مخيم جنين تحملوا المستحيل، حيث واجهوا أشهرًا من العنف المتواصل والمتصاعد".

لكن، كيف تعامل المستوى الرسمي الفلسطيني مع الكارثة التي تمر بها مناطق شمالي الضفة الغربية، تحديدًا في جنين ومخيمها، وما مدى استجابة هذه التدخلات لحجم احتياجات النازحين؟

"تخبط في ملف النازحين"

على الرغم من إيعاز مجلس الوزراء للجنة الوزارية للأعمال الطارئة ولجان الطوارئ في المحافظات، بضرورة تكثيف التدخلات الميدانية؛ لمعاجلة آثار العدوان المستمر والمتصاعد في شمال الضفة والوقوف عند احتياجات المواطنين وتعزيز صمودهم، إلا أن مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"، عمر رحال، قال: "إن ملف النازحين في شمالي الضفة الغربية يشهد حالة من التخبط، حيث أن المواطنين في المنطقة يعملون بشكل فردي لتلبية احتياجاتهم".

وأكد رحال أن ما يجري يحمل مؤشرًا خطيرًا، حيث نزح الناس من بيوتهم دون وجود جهات رسمية قادرة على متابعة احتياجاتهم، مشيرًا إلى أن "التعامل الرسمي مع الأزمة يتم وفق منطق "الفزعة"، في ظل غياب الخطط الوطنية والاستراتيجيات المبنية على أسس علمية لمواجهة حالة الطوارئ" على حد تعبيره.

وأضاف: "المجتمع المدني قدم توصيات لمجلس الوزراء تتضمن خطة لمواجهة الأزمات الطارئة، لكم لم يتم مناقشة هذه التوصيات"، مؤكدًا أن الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية "لا يجب أن تتخذ كذريعة فيما يتعلق بإغاثة الناس".

وطالب رحال بتضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، "حيث كان يمكن صياغة توليفة ما لتجاوز الأزمة المالية، لكن غياب التنسيق، وغياب الرؤية الواضحة، هو ما أوصل الأوضاع إلى ما هي عليه الآن" يقول.

"تواصل التدخلات"

وحسب اللجنة الفنية المنبثقة عن اللجنة الوزارية للأعمال الطارئة برئاسة وزارة الحكم المحلي، التي تضم عددًا من الوزرات والهيئات الحكومية العاملة في مجال الاستجابة الطارئة لمعالجة أثار العدوان الإسرائيلي، فإنها تواصل تدخلاتها ومتابعاتها المباشرة لإغاثة النازحين، جراء استمرار العدوان الإسرائيلي، الذي أجبر الآلاف على مغادرة بيوتهم قسرًا، إلى جانب تدميره الواسع للبنية التحتية وللمنازل والممتلكات العامة والخاصة.

اللجنة التي تشكلت من قبل مجلس الوزراء للاستجابة الطارئة، من أجل معالجة آثار العدوان في محافظات شمالي الضفة الغربية، مكونة من ثماني وزارات، وتشمل: "الحكم المحلي، والأشغال العامة، والتنمية الاجتماعية، والاقتصاد، والداخلية، والزراعة، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان".

ووفقًا لرئيسها، وزير الحكم المحلي، د. سامي حجاوي، فإن حجم الدمار غير معروف بشكل دقيق بعد؛ لتعذر الدخول إلى مخيمات جنين، وطولكرم، ونور شمس.

وقال لـ"نوى": "تم تكليف اللجنة بإعداد خطة لإعادة الإعمار، ولو بتقديرات أولية، من أجل عرضها على المانحين، وتجنيد أموال خاصة بالفترة التي تعقب انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من المخيمات".

"خصّصنا مليون شيكل لجنين، ومليونًا آخر لطوكرم، و500 ألف لطوباس، بينما توضع هذه المبالغ  تحت تصرف لجنة خاصة بالتعامل مع ملف إيواء النازحين".

وفيما يتعلق بالاحتياجات اليومية للنازحين، أضاف: "الموضوع الرئيس الذي يتم العمل عليه حاليًا هو "السكن وإيواء النازحين"، بالإضافة إلى تقديم المعونات اللازمة للمواطنين، سواءً غذائية أو صحية، ولذلك تم تخصيص مبالغ من قبل الحكومة خلال الأسبوعين الماضيين قدرها 2 مليون و500 ألف شيكل".

وشرح ببعض التفصيل: "خصّصنا مليونًا منها لجنين، ومليونًا لطوكرم، و500 ألف لطوباس، بينما توضع هذه المبالغ  تحت تصرف لجنة خاصة بالتعامل مع ملف إيواء النازحين"

وعن عدم وصول المساعدات إلى جميع النازحين قال: "أصبح هناك مراكز إيواء في طولكرم وجنين، لكن ما زالت هناك عائلات تسكن عند أقاربها أو في مواقع مختلفة، ونحن بصدد ترتيب ملف إيواء النازحين وحوكمته"، مردفًا: "يجب أن يكون معلومًا للجميع، أن حجم الاحتياجات أكبر بكثير من حجم الإمكانيات، لكن التواصل مستمر نحو وضع خارطة طريق، وعمل برنامج واضح يتعلق بالتواصل مع النازحين"، ملفتًا إلى أنه "ليس بمقدور الحكومة استئجار بيت لكل نازح، لكن مراكز الايواء يتم العمل عليها بشكل يلبي الحاجات الأساسية".

ونوه إلى أنه تم تسيير أكثر من 30 شاحنة مساعدات ومواد تموينية، بإشراف وزارة التنمية الاجتماعية إلى جنين وطولكرم، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص والمجتمع المحلي يقدمان مساهمات كبيرة في هذا الخصوص أيضًا.

"بخصوص موضوع الكهرباء، وجهنا للبلديات في الأماكن التي يتواجد فيها النازحون مخاطبات لتزويدهم بها، وبخصوص الإنترنت فسيوضع على جدول أعمال اللجنة قريبًا".

وفيما يتعلق بملف الاتصالات والإنترنت على وجه الخصوص، وأثر انقطاعه على الطلبة في مناطق الشمال، تابع: "موضوع الإنترنت لم يُبحث حتى الآن، لكن بخصوص موضوع الكهرباء، وجهنا للبلديات في الأماكن التي يتواجد فيها النازحون مخاطبات لتزويدهم بها"، مؤكدًا أن الإنترنت سيوضع على جدول أعمال اللجنة قريبًا.

وتتركز مراكز الايواء الحالية في عدة مناطق مثل جمعية الكفيف في حي السويطات، وجمعية جنين الخيرية، وقاعة حيفا في كفر دان، وديوان آل صبح في برقين، في حين تتواجد العديد من الأسر في شقق إسكانات الجامعة والزيتونة.

تشمل المساعدات الحكومية أو الخاصة، المقدمة للعائلات النازحة، المواد الغذائية، والأغطية، والمياه، والمعونات المادية.

وتشمل المساعدات الحكومية أو الخاصة، المقدمة للعائلات النازحة، المواد الغذائية، والأغطية، والمياه، والمعونات المادية، لكن بناءً على تواصلنا مع العديد من العائلات المتضررة النازحة من بيوتها، "فإن هذه التدخلات لا تتم بشكل منتظم، ولا يتم حصر المتضررين في قوائم، ولا التواصل معهم على هذا الأساس".

وأعلنت قوات الاحتلال توسيع عدوانها على جنين ومخيمها، ليشمل الحي الشرقي والأماكن المحيطة به للمرة الثالثة منذ بدء العملية العسكرية شمالي الضفة، وسط إغلاق عدد من الشوارع، والدفع بآليات عسكرية مدرعة.

جرائم الاحتلال، وعمليات التدمير الممنهجة في جنين، أسفرت عن انقطاع المياه والكهرباء، ونقص حاد في الطعام والاحتياجات الأساسية للأطفال.

وتبعًا للجنة الإعلامية للمخيم، فإن جرائم الاحتلال، وعمليات التدمير الممنهجة، أسفرت عن انقطاع المياه والكهرباء، ونقص حاد في الطعام والاحتياجات الأساسية للأطفال.

وأشارت اللجنة في بيان، نُشر مؤخرًا، إلى توقف المدارس والخدمات الصحية، وتدمير نحو 498 منزلًا ومنشأة بشكل كامل أو جزئي.

"وكأنه لم يكن"..

تصف عضو اللجنة الشعبية لمخيم جنين، ورئيس مجلس إدارة جمعية "كي لا ننسى"، فرحة أبو الهيجا، المشهد العام لمخيم جنين، مشيرةً إلى أن النازحين يعيشون توترًا عاليًا، وخوفًا من عدم العودة إلى بيوتهم، فيما يبدو المخيم كملعب كرة قدم، يقوم جيش الاحتلال بتفريغه وتدميره كما يحلو له.

وتعمل أبو الهيجا على متابعة ملف النازحين، وضمان إيصال المساعدات لمحتاجيها، مؤكدة أن الاحتياجات هائلة "خاصة وأن المخيم كان يعاني حصارًا من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، قبل بدء العملية العسكرية الإسرائيلية".

وعن مراكز النزوح، قالت: "هي غير مؤهلة لاستقبال أعداد كبيرة، لا سيما وأن أهالي المخيم، لم يتمكنوا من أخذ أي شيء معهم لحظة نزوحهم بل خرجوا بما عليهم من ملابس وحسب".

وأضافت أبو الهيجا: "إن الجهات الرسمية لا تقوم بدورها بالشكل المطلوب، خاصة وأن محافظة جنين مستهدفة منذ سنوات ويفترض أن يكون هناك استعدادًا أكبر لمثل هذه الأوضاع، لكن أفرادًا ومؤسسات أهلية، هي التي تقوم بهذا الدور. حقيقةً إن حجم الاحتياجات أكبر بكثير من المتوفر".

أما الأطفال فهم أكبر المتضررين فعلى الجانب النفسي هنالك العديد منهم يعيشون حالة صدمة جراء ما مروا به وشهدوه من اجتياح ونزوح، بالإضافة إلى أن التعليم متوقف، ولا يوجد إنترنت في الكثير من المناطق، "وبالتالي حتى التعليم عن بعد هو خيار غير متاح" وفقًا لأبو الهيجا.

نكبةٌ جديدة يعيشها أهالي مخيم جنين بعيدًا عن الكاميرات، في ظل مخططات إسرائيلية ترمي إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وخلق واقعٍ جديد في مناطق شمالي الضفة الغربية، وسط غياب لخطة طوارئ قادرة على لجم الاحتلال، أو على الأقل.. تأمين ما يكفي من مقومات الصمود.

كاريكاتـــــير