غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
صُدمت السيدة أم معتصم الوادية حين دخلت إلى بيتها في حي الشجاعية بمدينة غزة، لتجده محترقًا عن آخره، بجدران نصف مهدّمة وأثاث وملابس التهمتها النيران تمامًا.
تقول: "عدت إلى بيتي بعد نزوحٍ لأكثر من عام، ظننتُ أنه ما زال قائمًا، لكنني فُجعت كونه لا يصلح للحياة".
تضرب أم معتصم (أم لعشرة أبناء) كفًا بكفٍ وهي تدور في طابق بيتها الأول، تحمل تارةً بقايا ملابسها المحترقة، وفي أخرى قطعًا من بقايا أثاثها الذي تحوّل إلى رماد.
عائلة أم معتصم هي واحدة من مئات آلاف العائلات الفلسطينية التي كانت تسكن شمالي قطاع غزة، وأُجبرت على النزوح مع بدء الحرب على قطاع غزة، في يوم 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023م، وبعد اتفاق وقف إطلاق النار عادت، لتجد الفاجعة.. بيتها متفحمٌ بالكامل.
تتابع: "حاولتُ قدر الإمكان استصلاح صالة الطابق الأول للبيت، المكوّن من ثلاثة طوابق، ونعيش فيها حاليًا كلنا دون أي مقوّمات معيشة، لا أثاث ولا أغطية ولا أدواتٍ منزلية"، مستدركةً: "لكننا مضطرون للعيش فيه فلا مكان آخر لنا في ظل الدمار الكبير الذي لحق بمدينة غزة".
تبكي السيدة على سنوات عمرها الثلاثين، التي قضتها وهي تبني برفقة زوجها البيت حجرًا حجرًا، معقّبة: "الإعمار يحتاج إلى سنوات، ونحن مضطرون للعيش في البيت مهما كان وضعه".
وتشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن حجم المباني المتضررة بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تجاوزت 300 ألف وحدة سكنية، بينها 60368 وحدة سكنية مدمرة تدميرًا كليًا.
مثل سابقتها، فُجعت الشابة تغريد الغرّة (27 عامًا)، التي عادت إلى بيتها في منطقة تل الهوا غربي مدينة غزة، ببيتها الذي أصبح كومةً من الحطام، وغير مناسب للسكن.
تخبرنا: "نزحنا إلى دير البلح منذ بداية الحرب، وهناك عشنا في الخيام، وحين عدنا وجدنا هذا الدمار الكبير. واجهة البيت بالكامل مدمرة، والغرف والمطبخ ودورة المياه، كلها جدران مهدّمة مفتوحة بالكامل على الشارع، أغراض البيت طبعًا تكسّرت ولم أستصلح من تحت الركام سوى أشياء بسيطة".
"كنت أعلم بأن البيت تعرض لضرر كبير، ولكن ما رأيته أصعب مما تخيلت، نواسي أنفسنا بأننا أفضل حالًا من غيرنا".
عادت تغريد مع عائلتها إلى بيتهم في حي تل الهوا منذ اليوم الأول للسماح بعودة النازحين، ومع ذلك اضطرت والدتها وباقي أفراد العائلة للذهاب إلى بيت أهل أمها، "فالبيت بوضعه الحالي لا يصلح للمعيشة، ويحتاج على الأقل إلى إزالة الركام وتغطيته بالشوادر، لجعله قابلًا للحياة بالحدّ الأدنى" تضيف.
أشقاء تغريد الثلاثة اجتهدوا منذ اليوم الأول في إزالة ما يمكن إزالته من ركامٍ كسا طوابق البيت الثلاثة، لكن المعضلة الأكبر هي أن سلالم البيت مدمّرة بالكامل (الدرج)، وهو ما يعني أن الصعود إلى الطوابق العليا غير ممكن، وهذا بحاجة إلى تأهيل بالأسمنت.
تختم تغريد: "البيت أعمدته قائمة، لكن إعماره يحتاج إلى أسمنت غير متوفر حاليًا، كنت أعلم بأن البيت تعرض لضرر كبير، ولكن ما رأيته أصعب مما تخيلت، نواسي أنفسنا بأننا أفضل حالًا من غيرنا"، مردفةً بقهر: "أكثر الأشياء التي آلمتني هي فقداني لقططي الجميلة، كنت أربيها كأنها ضمن أفراد العائلة، ولا أدري أين ذهبت؟ ربما ماتت جميعها، الحرب بشعة وقتلت كل شيء جميل".
قصة مشابهة، يعيشها الشاب أحمد شاهين (27 عامًا)، الذي يتجوّل بين ركامٍ يعجّ به منزل عائلته في منطقة "بير النعجة" بمدينة جباليا شمالي قطاع غزة، يقلّب بحسرةٍ بقايا سريرٍ كان في غرفة نومه، وطاولة مكسّرة لطالما تجمّع حولها مع إخوته أوقات الطعام.
يقول أحمد: "بيتنا طابق أرضي فقط، أسبستي، تعرّض لضربةٍ بقذيفة في أحد جدرانه، لكن باقي الدمار انهال عليه بفعل قصف بيوتٍ مجاورة. أغلب الجدران غير قائمة، حتى أنني ضربتُ جدارًا بيدي فسقط، ومع ذلك سيكون خيارًا لعائلتي لنعيش فيه".
"أحاول قدر المستطاع إزالة ما يمكن من ركام، وأحتاج لوقتٍ من أجل إنجاز هذه المهمة الثقيلة بجهدٍ شخصي".
نزحت عائلة أحمد منذ بداية الحرب إلى مواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة، حيث عاشوا معاناة الخيام، وجمعوا مقتنياتهم الشخصية من ملابس وفراشٍ وأدوات منزلية بشقّ الأنفس، بعدما أُجبروا على النزوح منذ بداية الحرب تحت قصف الطيران الحربي، دون أن يحملوا شيئًا".
يضيف أحمد: "عائلتي ما زالت في المواصي، وقد جئت وحدي لأتفقد المكان. أحاول قدر المستطاع إزالة ما يمكن من ركام، وأحتاج لوقتٍ من أجل إنجاز هذه المهمة الثقيلة بجهدٍ شخصي. سنستعين بالشوادر لتغطية الجدران المهدمة، هذا أفضل من البقاء في الخيام التي عانينا فيها كثيرًا".
يختم أحمد: "أكثر ما يؤلمني أنني كنت أنشأتُ مكانًا لجلسة عائلية صغيرة في فناء البيت، الأرض مساحتها 500 متر، نصفها مبني والآخر عبارة عن "حوش"، كان مكانًا ضحكنا فيه كثيرًا، وتجمعنا به مع إخوتي وأولادهم.. كله دُمّر، ولم يبق شيء".
وبينما يتجوّل أحمد على بقايا منزله، يشير إلى أنه اضطر لرمي كل محتويات البيت من ملابس وفراش، فقد تعفنت جميعها بفعل مرور فصل الشتاء وهطول الأمطار وامتزاجها بشظايا الصواريخ، ما يجعل خياره العائلة الوحيد، هو ما تمكّنوا من جمعه من ملابس وفراش وأدوات منزلية خلال مرحلة النزوح.