غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"أخيرًا في منزلي" صرخ محمد النديم، بعد أن وطأت قدماه للمرة الأولى منذ 15 شهرًا، حي الزيتون شرقي مدينة غزة.
عاد النديم، ومعه أفراد عائلته من مخيم النزوح الذي استقروا فيه بدير البلح، وسط قطاع غزة، مدة 15 شهرًا، لكنه صُدم بواقع الحال.
يقول: "بيتي واقف (كناية عن سلامة الأساسات)، إلا أن هناك ما لا يمكن تحمله، قصة الصرف الصحي! نحن مضطرون ربما للتعامل كما لو كنا في الخيمة، وحفر حفرة امتصاصية هنا أيضًا".
وحذرت بلدية غزة، اليوم الخميس، من كارثة صحية وبيئية وشيكة تهدد مدينة غزة، مع استمرارِ عودة المواطنين من مناطق وسط وجنوبي قطاع غزة، "ما زاد الضغط على شبكات الصرف الصحي المتهالكة أصلًا، وهو ما ينذر بانهيارٍ كامل في منظومة الصرف الصحي التابع للمدينة".
وأوضحت البلدية أنّ محطّات الصّرف الصحي الرئيسة في المدينة، وخاصة محطات البقارة رقم (5)، والسامر (6أ)، والزيتون (7ب)، التي تستقبل آلاف الأمتار المكعّبة من مياه الصّرف الصّحي يوميًا، أصبحت تعاني من أضرار بالغة في البُنية التحتية والمعدّات، وهو ما يجعلها غير قادرة على العمل بكفاءة.
ويتحدث الشاب النديم، عن استمرار انقطاع التيار الكهربائي، وتأثيره على تفاقم الأزمة، قائلًا: "هناك خشية حقيقية من تدفُّق مياه الصّرف الصّحي إلى الأحياءِ السّكنية؛ ما سيؤدّي إلى تلوّث البيئة وانتشار الأمراض بين السكان، وخاصةً الأطفال وكبار السن".
وأشار إلى إصابة ابنه الصغير قبل ذلك في وسط القطاع بنزلة معوية شديدة، كادت تودي بحياته، وأخبره الأطباء حينها، أنها بسبب مياه الصرف الصحي التي تمر من بين الخيام نتيجة انعدام البنى التحتية، وخدمات الصرف المدنية المنظمة.
"صدمنا بحجم الدمار. كل شيء يمكن تحمله إلا عدم وجود صرف صحي! هذا ما كنا نخشاه في الجنوب لنفس السبب".
وبانفعالٍ تحدثت رانية الصفطاوي، عن خشيتها من ملاحقة الأمراض الصعبة لها ولعائلتها أيضًا، بعد عودتهم إلى المدينة، ومعاناتها مع أطفالها طوال أشهر النزوح، "عدنا إلى الشمال، وصدمنا بحجم الدمار. كل شيء يمكن تحمله إلا عدم وجود صرف صحي! هذا ما كنا نخشاه في الجنوب. نخشى أن يصاب أولادنا بالأمراض بسببه".
تضيف السيدة: "لن تستطيعوا فهم الكارثة. هناك مشكلة كبيرة سنعيشها، وأمراض نعرفها وأخرى لا نعرفها قد نصاب بها بسبب تدمير محطات الصرف الصحي. يجب أن يكون هذا الأمر أولوية في خطة ترتيب الأوضاع داخل قطاع غزة".
وكانت بلدية غزة طالبت اليوم، بتوفير الدّعم العاجل؛ لإصلاح الأضرار التي لحِقت بمحطّات الصرف الصحي، وتوفير المُعدات اللّازمة لتشغيلها، بما في ذلك مولّدات كهرباء جديدة؛ لضمان استمرار عملها في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وتوفير قطع الغيار اللازمة لصيانة المحطّات والمعدّات المتضرّرة.
ولفتت إلى وجودِ دمارٍ واسع في محطّات الصّرف الصّحي الواقعة غربي المدينة، وخاصة المحطة رقم "11" التي تستقبل 35 ألف متر مكعب من المياه يوميًا، بالإضافة إلى تجريف خطوط الضّخ في شارع الرشيد وشارع رقم (10)؛ ممّا يزيد من حجم الكارثة البيئية على شاطئ البحر.
تحتوي مياه المجاري على نسب عالية من مادة "النيتريد"، بالإضافة لإمكانية تشكل معادن ثقيلة تحتاج لمئات السنوات كي تتحلل إذا ما تسربت للمياه والتربة.
وتحتوي مياه المجاري على نسب عالية من مادة "النيتريد"، بالإضافة لإمكانية تشكل معادن ثقيلة تحتاج لمئات السنوات كي تتحلل إذا ما تسربت للمياه والتربة، وفي حال امتصاص النباتات لها، فإنها تتسبب بالتسمم والسرطانات إذا وصلت لجسم الإنسان.
وحسب الدكتورة ناتالي روبرتس، المديرة التنفيذية لمنظمة أطباء بلا حدود في بريطانيا، فإن تدمير مرافق المياه والصرف الصحي أدى إلى "عواقب صحية كارثية على السكان في قطاع غزة". وقالت: "لقد ارتفعت معدلات الإصابة بالأمراض الناجمة عن الإسهال بشكل كارثي، وفي الحالات الشديدة جدًا، يمكن لهذا المرض أن يقتل الأطفال الصغار والضعفاء".
ووفقًا لأطباء بلا حدود، فإن معدلات الإصابة بالتهاب الكبد A، الموجود في المياه الملوثة، والذي يشكل خطورة خاصة على النساء الحوامل مرتفعة أيضًا في قطاع غزة.
ويعتمد قطاع غزة على (87) محطة للصرف الصحي تعمل في مختلف أرجاء القطاع: (5) محطات مركزية، و(80) محطة مخصصة لعمليات الضخ، لكن "إسرائيل" دمرت بين 80 و100 كيلو متر طولي من خطوط شبكات نقل مياه الصرف الصحي كليًا وجزئيًا، ودمرت محطات المعالجة المركزية الخمس، وحوالي (45) مضخة دمرت كليًا أو جزئيًا، بينما دمرت أكثر من 5 آلاف متر طولي من شبكات مياه الأمطار والمياه السطحية، بجانب القنوات والمناهل وغيرها.