شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م12:20 بتوقيت القدس

2024..

صحافيو غزة.. مواجهة "الموت" في بثٍّ مباشر!

14 يناير 2025 - 18:51

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في ظروفٍ استثنائية، استقبل صحافيو وصحافيات قطاع غزة، العام الجديد،، محملين بأثقال عامٍ مضى، وكان شاهدًا على أحد أكثر الحروب دمويةً وقسوةً في تاريخ الفلسطينيين.

"إبادة" طالت جميع جوانب الحياة، لم تستهدف الأبنية والمرافق فقط، بل عمدت إلى تدمير الإنسان الفلسطيني وكينونته الآدمية، وسعت إلى إسكات أصوات الحقيقة، عبر استهداف الصحافيين/ات الذين وثقوا المأساة، وحدهم -بعد حظر الاحتلال دخول الصحافيين الأجانب للتغطية- ونقلوا وقائعها إلى العالم منذ السابع من أكتوبر 2023م.

حرب إبادة مهنية وإنسانية

وصف الصحافيون والصحافيات عام 2024م بأنه "الأصعب" في مسيرتهم المهنية، حين شهد ارتقاء أكثر من 200 صحافي وصحافية، وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي وإحصائيات المؤسسات الحقوقية والنقابية.

بالإضافة إلى ذلك، أصيب عشرات الصحافيين/ات بجروح متفاوتة الخطورة أثناء تغطيتهم للقصف الإسرائيلي المتواصل، في حين أصيب العشرات، وفقدت آثار اثنين أخفى الاحتلال أخبارهما قسرًا منذ أكثر من 15 شهرًا.

كانت الأرقام صادمة بالنسبة للمؤسسات الدولية، حيث وصفت "مراسلون بلا حدود" قطاع غزة بمقبرة الصحافيين/ات، وعدّت "فلسطين" أكثر الأماكن خطورة على حياتهم. كما أكدت الأمم المتحدة أن "قتل الصحافيين/ات في غزة يفوق في مستواه أي حرب أخرى منذ عقود".

يقول محمد صبح، مراسل قناة الكوفية الفضائية: "أكثر من مرة أنجو بأعجوبة من الاستهداف الإسرائيلي، أثناء عملي وتنقلي. لا يوجد مكان آمن، وأتوقع في أي لحظة الاستهداف."

وتخبرنا الصحافية المستقلة دعاء شاهين: "هذه الحرب الأقسى على الإطلاق في غزة، كان أصعب ما عشته فيها نزوحي من شمالي القطاع إلى رفح في أقصى الجنوب، ثم إلى النصيرات وسط القطاع. نزحت تسع مرات خلال هذه الحرب، وفي مرةٍ منها نجوت من الموت بأعجوبة بعد قصف المنزل الذي لجأنا إليه، حيث فقدت عددًا من أقاربي، وخرجت مصابةً من تحت الركام، مما اضطرني للتوقف عن العمل لشهرين كاملين."

"54.3% من الصحافيين والصحافيات في غزة، اضطروا للنزوح إلى مراكز إيواء غير ملائمة أو خيام، بينما لجأ 16% إلى منازل أقارب أو أصدقاء".

ويشير يوسف أبو كويك، مراسل قناة القاهرة الإخبارية، إلى تجربة النزوح القسرية التي عاشها مع أسرته قائلًا: "عشت تجربة النزوح مع عائلتي في إحدى مدارس الإيواء، ثم انتقلت إلى خان يونس لمتابعة عملي. التنقل المستمر مع وجود طفلة صغيرة جعل التجربة أكثر قسوة."

أظهرت دراسة أعدتها "مؤسسة فلسطينيات" أن 54.3% من الصحافيين والصحافيات في غزة، اضطروا للنزوح إلى مراكز إيواء غير ملائمة أو خيام، بينما لجأ 16% إلى منازل أقارب أو أصدقاء، بعد أن هدم الاحتلال منازلهم وطالبهم بالإخلاء القسري.

العمل في ظروف مستحيلة!

لم يكن النزوح العقبة الوحيدة التي واجهها الصحافيون/ات بغزة، فقد ترافق مع انقطاع للكهرباء والاتصالات، واستهداف المؤسسات الإعلامية، وفقدان المعدات المهنية. هذه الظروف جعلت العمل الصحفي في غزة مهمة شبه مستحيلة.

وأكدت دراسة "فلسطينيات" أن أكثر من 68% من الصحافيين/ات، فقدوا/ــن حواسيبهم/ـن المحمولة، و55.8% فقدوا/ـن هواتفهم/ـن النقالة، مما أجبرهم/ـن على العمل بمعدات مستعارة أو متهالكة.

"حتى مع ارتداء الدروع والخوذ، فإننا لسنا محميين. الاحتلال يستهدفنا بشكل مباشر."

تتحدث دعاء روقة، مراسلة فضائية المسيرة اليمنية، عن صعوبة العمل تحت ظروف الإبادة فتقول: "حتى مع ارتداء الدروع والخوذ، فإننا لسنا محميين. الاحتلال يستهدفنا بشكل مباشر."

إلى جانب ذلك، تعرضت 70% من المؤسسات الإعلامية في غزة للتدمير الجزئي أو الكلي، مما أدى إلى فقدان العديد من الصحافيين/ات لوظائفهم/ـن أو انتقالهم/ـن للعمل بطرق بدائية؛ لتأمين استمرارية التغطية.

أعباء نفسية وضغوط متزايدة

الضغوط النفسية التي عانى منها الصحافيون/ات خلال عام 2024م كانت جزءًا لا يتجزأ من التحديات التي واجهوها، إذ أفاد 76.2% منهم حسب الدراسة المذكورة، بأنهم/ـن يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة فقدان الأمان، والتعرض المستمر للخطر والاستهداف المباشر، والمقابلات المتواصلة مع الضحايا ومشاهد الدم والأشلاء الممزقة.

تضيف شاهين قائلة: "بعد نجاتي من قصف بيتٍ نزحتُ إليه، أصبحتُ أُعاني من نوبات هلعٍ مستمرة وأرقٍ دائم. فكرة النوم أصبحَت مخيفة، وكثيرًا ما أستيقظ من كوابيس متعلّقة بالقصف."

أما شروق شاهين، وهي مراسلة تلفزيونية لقناة سوريا، فتقول: "العمل وسط المستشفيات يشبه الكابوس. يوميًا أشاهد صورًا مروعة للجرحى والشهداء، الأطفال والنساء الذين فقدوا أحباءهم. طاقتي استُنزفت بالكامل، وتحولت إلى آلةٍ لنقل الأخبار دون مشاعر. ربما أحتاج إلى علاج نفسي أو فترة راحة، ولكن هذا غير متاح في ظل استمرار الحرب."

رغم كل هذه المعاناة، أظهر الصحافيون في غزة صمودًا استثنائيًا، واستمروا في أداء مهامهم باعتبارها رسالة إنسانية ووطنية. إذ أكدت نسبة 40% من الصحافيين والصحافيات المستطلعة آراؤهم في "دراسة فلسطينيات" أن التزامهم الوطني هو الدافع الأكبر لاستمرارهم في العمل، خاصة في ظل الحظر الذي فرضه الاحتلال على دخول الصحافة الأجنبية للقطاع.

"أستمر لأنني أؤمن بأن رسالتي إنسانية ووطنية. نحن شهود على الإبادة، وعلينا أن ننقل الحقيقة."

يقول هاني أبو رزق، الصحافي والناشط الاجتماعي: "رغم اليأس والخوف، الذي يصيبني أحيانًا كثيرة من التغطية للحرب، والظروف القاسية التي يواجهها أهالي قطاع غزة، إلا أنني أستمر لأنني أؤمن بأن رسالتي إنسانية ووطنية. نحن شهود على الإبادة، وعلينا أن ننقل الحقيقة."

تحت "الاستهداف" المباشر!

في عام 2024، قتل الاحتلال عشرات الصحافيين/ات أثناء عملهم/ـن الميداني، ضمن جرائم واضحة بحقهم، بل حرّض على قتل عدد منهم أيضًا في شمالي القطاع.

 ولعل جريمة استهداف خمسة صحافيين/ات من طاقم قناة فلسطين الفضائية، داخل مركبتهم التي تحمل "شارة الصحافة" بديسمبر الماضي وسط القطاع، كانت مثالًا صارخًا على تمادي الاحتلال في ارتكاب جرائمه، متجاهلًا القوانين الدولية، التي تطالب بحماية الصحافيين ومعاملتهم كمدنيين في حالات الحرب والنزاع المسلح.

"كثيرًا ما طلب أطفالي مني عدم الخروج للعمل خوفًا من استهدافي. لكن الصحافة ليست مجرد عمل، إنها رسالة".

يقول حاتم عمر، وهو مصور صحفي: "كثيرًا ما طلب أطفالي مني عدم الخروج للعمل خوفًا من استهدافي. لكن الصحافة ليست مجرد عمل، إنها رسالة، وسأواصلها مهما كانت الظروف."

ومع بداية العام الجديد، يتطلع الصحافيون والصحافيات في قطاع غزة إلى وقف حرب الإبادة ووقف استهدافهم بشكل خاص، والعودة إلى منازلهم المدمرة، حتى وإن كانت عبارة عن ركام.

يأملون جميعًا في تحقيق توصيات "دراسة فلسطينيات"، التي تشمل "تأسيس مراكز إعلامية آمنة مزودة بالطاقة والإنترنت والمعدات اللازمة، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي للذين يعانون من صدمات الحرب"، ويطالبون أيضًا بالضغط على المجتمع الدولي؛ لتأمين حماية خاصة للصحافيين/ات الفلسطينيين/ات، وملاحقة ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم المستمرة ضد الصحافة الفلسطينية.

كاريكاتـــــير