شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م10:54 بتوقيت القدس

تمهيدًا لنقلها إلى "المحاكم الدولية"..

غزة.. حقوق عمّال "الداخل" "قضايا" في محاكم المحتل!

طالبوا باستعادتها والتعويض عن الأذى النفسي والجسدي
18 ديسمبر 2024 - 15:38

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م، اعتقلت دولة الاحتلال الإسرائيلي مئات الغزيين العاملين في الداخل المحتل، وأخضعتهم لتحقيقات مكثفة وتعذيب شديد، كما صادرت رواتبهم التي تلقوها عن جهد أسابيع طويلة من العمل هناك.

منذ ذلك الحين، يسعى العمال الذين أفرج عنهم في وقت لاحق لاستعادة حقوقهم المسلوبة، متهمين اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتقصير في متابعة قضيتهم.

تقدر الخسائر التي لحقت بالعمال بمئات آلاف الشواقل، وهذا ما دفعهم للتحرك من أجل رفع دعاوى قضائية داخل محاكم الاحتلال وأمام المحافل الدولية، بالتعاون مع مؤسّسات حقوقية.

تجاوز عدد العمال الغزيين الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم في الداخل المحتل بسبب هذه الحرب 18 ألف عامل.

تقوم دعاوى العمال على المطالبة باسترداد أموالهم، والتعويض عن الأضرار الجسدية والنفسية التي تعرضوا لها أثناء اعتقالهم، رغم أن وجودهم داخل دولة الاحتلال عند اندلاع الحرب كان "قانونيًا"، إذ حصلوا على موافقات أمنية مسبقة.

وتجاوز عدد العمال الغزيين الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم في الداخل المحتل بسبب هذه الحرب 18 ألف عامل، أما بالنسبة للعمال المقيمين في الضفة الغربية، فقد بلغ عدد المتضررين منهم نحو 200 ألف، إذ لم يتم بالضرورة إنهاء عقود عملهم، لكنهم مُنعوا من العمل في الداخل المحتل منذ سنة تقريبًا.

رحلة عمل تحولت إلى كابوس

مدينة بئر السبع المحتلة، وصباحٌ مشمسٌ في بداية أكتوبر 2023م. كان سليمان أبو عمران، عامل البناء الخمسيني، يستعد ليوم جديد في المنشأة التي يعمل بها منذ أشهر. لم يكن يعلم أن هذا اليوم سيصبح نقطة تحول مأساوية في حياته.

"استيقظتُ كالمعتاد عند الرابعة فجرًا. تناولتُ الشاي وجهزت أغراضي للعمل، لكن فجأة انقلب كل شيء رأسًا على عقب عندما بدأَت أصوات الانفجارات تُسمع في كل مكان"، يقول أبو عمران لـ"نوى".

مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م، لم يكن أبو عمران يتوقع أن يكون هو وزملاؤه من العمال الفلسطينيين هدفًا مباشرًا للإجراءات الإسرائيلية.

"بدأت القوات الإسرائيلية في اعتقالنا عشوائيًا. كانوا يصرخون ويعاملوننا وكأننا مجرمين. أخذونا إلى مكانٍ مجهول، وصادروا أموالنا وهواتفنا، حتى الطعام الذي كنا نحمله" يخبرنا.

العامل أبو عمران: "زوجتي باعت مصاغها الذهبي لدفع تكاليف تصريح العمل وعدت لأسرتي بيدين فارغتين"

ويضيف: "كنت أحمل في جيبي 9,000 شيقل، وهي أجر شهر كامل من العمل الشاق. كنت أنوي إرسال المال لزوجتي لتسديد ديوننا، ولشراء هدية تعويضًا عن بيعها ذهبها لتغطية تكلفة تصريح العمل، لكن كل ذلك ضاع في لحظة".

بعد أيام طويلة من الاحتجاز في ظروف قاسية، أُعيد أبو عمران إلى غزة مع مجموعة من العمال. "شعرتُ بالإهانة. لقد صادروا كل شيء، حتى كرامتنا. كانوا يجعلوننا ننتظر لساعات طويلة بلا ماء أو طعام، وعندما كنا نسأل عن أموالنا، كانوا يضحكون ساخرين" يصف.

الرحلة إلى غزة كانت مزيجًا من الألم والإذلال، يقول: "عدنا بلا شيء سوى الملابس التي كنا نرتديها. الأموال التي خططت لتغيير حياتنا بها ذهبت، وزملائي يعانون نفس المأساة. أحدهم كان يحمل 15,000 شيقلًا كان ينوي تخصيصها كدفعة مقدمة لشراء منزل يؤوي عائلته، والآن لا يملك سوى الديون".

مع العودة إلى غزة، كان على أبو عمران مواجهة عائلته بيدين فارغتين وقلب مثقل بالخيبة. "أطفالي كانوا ينتظرونني على أمل أن أعود ومعي المال الذي يعوض حرمانهم. شعرتُ بالعجز عندما لم أستطع أن أقدم لهم شيئًا".

زوجته، التي باعت ذهبها ليتمكن من الحصول على تصريح العمل، تقول لـ"نوى": "كنا نأمل أن يغير هذا العمل حياتنا. لقد ضحيت بكل ما أملك لنجاح سليمان، لكن الحرب أخذت منا أكثر مما أعطتنا".

مطالب بالعدالة

اليوم، يطالب أبو عمران ومعه آلاف العمال الفلسطينيين باستعادة حقوقهم وأموالهم المصادرة، ويقول: "نريد أن يتم تعويضنا عن خسائرنا. عملنا بشرف وكسبنا هذه الأموال بعرق جبيننا، ولا يجوز لأي جهة أن تسلبنا إياها".

وأشار إلى أنه وكل محاميًا خاصًا بقضايا العمال في الداخل المحتل؛ لرفع قضية في المحاكم الإسرائيلية من أجل استعادة حقوقه، وللحصول على تعويضٍ عن الأضرار التي لحقت به بسبب اعتقاله دون حجج منطقية، رغم وجوده في الداخل المحتل بشكل شرعي.

"إسرائيل" صادرت ملايين الشواقل من عمال غزة وحرمت عمال الضفة من العمل دون تُهم

في سبتمبر 2024م، قدّمت 10 نقابات دولية شكوى ضد دولة الاحتلال لدى منظمة العمل الدولية، وحثّت حكومتها على دفع رواتب أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني حُرموا من رواتبهم، بعد السابع من أكتوبر 2023م.

أحمد السرساوي عامل بناء من غزة، كان يعمل هناك وقت اندلاع الحرب. اعتُقل في الثامن من أكتوبر 2023، من قبل قوات الاحتلال، واحتُجز في ظروفٍ قاسية لمدة شهر كامل دون تهمة واضحة.

يقول لـ"نوى": "خلال فترة اعتقالي، تعرضت للتعذيب والضرب المبرح، وصودِرَت أموالي التي كنت أحتفظ بها لإعالة أسرتي في غزة وهي ١٠ آلاف شيكل. بعد الإفراج عني، تم ترحيلي إلى غزة دون أي تعويض أو توضيح".

وكّل السرساوي مؤخرًا محاميًا من الداخل المحتل؛ لرفع شكوى قضائية في المحاكم الإسرائيلية، بغية الحصول على حقوقه المشروعة، وقال: "هذه القضية ستكون خطوة أولى للعديد من الخطوات التي سأتخذها في حال لم ينصفني القضاء الإسرائيلي، وأهمها إحالة هذه القضية مع مئات القضايا العمالية إلى المحاكم الدولية عبر المؤسسات الحقوقية المختصة".

مسارات قضائية

ويقول المحامي منير محاميد من الداخل المحتل، المتخصص في القضايا العمالية لموقع "نوى": "أمام العمال الفلسطينيين الذين عملوا في الداخل المحتل فرصة لرفع قضاياهم أمام المحاكم الإسرائيلية والمطالبة باستعادة حقوقهم".

المحامي محاميد: "أمام العمال الفلسطينيين فرصة للحصول على أجورهم المسلوبة وتعويضات مالية".

وأوضح أن العديد من العمال من غزة والضفة، بدأوا فعليًا في تقديم الشكاوى في الدوائر القضائية في الداخل المحتل للحصول على حقوقهم المشروعة، مبينًا أن العمال يمكنهم المطالبة بعدة أنواع من الحقوق أهمها استعادة الأجور والمستحقات المالية التي صودرت منهم خلال فترة احتجازهم، بالإضافة إلى تعويض عن الأضرار النفسية والجسدية التي لحقت بهم.

ولفت النظر إلى إمكانية مطالبة العمال أيضًا بإجراء تحقيقات في الانتهاكات التي تعرضوا لها، ومحاسبة المسؤولين عنها، مضيفًا: "من حقهم أيضًا المطالبة بإعادة تصاريح العمل، وضمان عدم استخدام التصاريح كأداة للضغط أو العقاب".

ورغم أن محاميد يقلل من فرص حصول العمال على حقوقهم من خلال المحاكم الإسرائيلية التي لا تُنصف الفلسطينيين عادة، إلا أنه يعدُّ رفع القضايا في هذه المحاكم خطوة ضرورية، تمهد الطريق لنقل القضية إلى المحاكم الدولية.

تدويل القضية

وأكد الأمين العام لاتحاد عمال فلسطين شاهر سعد في حديثه لموقع "نوى"، أن الاتحاد رفع دعوى قضائية لدى منظمة العمل الدولية للنظر في الانتهاكات الإسرائيلية بحق العمال الفلسطينيين عقب السابع من أكتوبر 2023م، مشيرًا إلى أن المنظمة قبلت في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، النظر في هذه الدعوى القضائية.

وأوضح سعد أن الاتحاد يستقبل باستمرار شكاوى من عمال غزة تفيد بمصادرة أموالهم، ومطالبات باستعادتها على اعتبار أنها أجور تلقوها مقابل أعمالهم في الداخل المحتل.

وبين أن الانتهاكات الإسرائيلية لا تتوقف عند حدود عمال غزة فقط، بل طالت عمال الضفة أيضًا إذ منعتهم دولة الاحتلال من العمل منذ بداية الحرب.

سعد: "منظمة العمل الدولية قبلت النظر في شكاوى عمالية فلسطينية ضد إسرائيل".

وأضاف: "يبلغ مجموع الرواتب التي يتلقاها العمال الفلسطينيون في الداخل المحتل نحو مليار و٣٠٠ ألف شيكل شهريًا. لقد حرم الاقتصاد الفلسطيني من هذا المبلغ بسبب الحرب".

وأكد سعد أن استمرار الحرب حدَّ من قدرة اتحاد العمال على متابعة هذا الملف، "لكن عندما تنتهي الحرب ستتكاثف الجهود لاستعادة حقوق العمال بشكل أكبر خاصة في المحافل القضائية الإسرائيلية".

كاريكاتـــــير