غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ودعت "آية" أختها "زهراء"، التي لطالما حلمت بلقائها منذ اندلعت الحرب قبل عامٍ ونيف.
منذ ذلك الوقت، كانت آية تعلق آمالها على كل خبرٍ يحكي عن صفقةٍ قريبة، وكانت تتشبث بحبال الأمل، لعل عناقًا يجمعهما معًا في يومٍ قريب، لكنها لم تكن تعلم أبدًا أنها ستُحرم من وداعها الأخير، ولم تتخيل أن الحواجز بين شمالي القطاع وجنوبه، ستكون أقوى من الحلم.
"بعد ساعات قليلة، اقتُحمت المشفى من قبل الاحتلال، وأُجبرنا (نحن الباقون) إلى النزوح للجنوب بدونهم".
الزهراء محمد أبو سخيل، التي فقدت حياتها بينما كانت تسعى لنقل الحقيقة. الصحفية، التي تُعرف بشغفها وإخلاصها لمهنتها، رحلت شهيدةً برفقة والدها وشقيقها أحمد. رحلت وتركت في قلب أختها غصةً "لن يداويها الوقت أبدًا" تقول.
في خضم حرب الإبادة، عاشت زهراء كمئات الآلاف من الفلسطينيين تجربة قاسية، حين تفرقت العائلة وتشتت شملها بين شمالٍ وجنوب. تخبرنا شقيقتها آية: "في أول أحداث الحرب، ومع اشتداد القصف العشوائي أُجبرنا على النزوح، ولجأنا إلى مستشفى الشفاء. حوصرنا هناك، وحينها قرر أبي المجازفة ومغادرة المشفى بحثًا عن مكانٍ آمن، وحينها لحق به شقيقي الأكبر أحمد، ثم زهراء، وبعد ساعات قليلة، اقتُحمت المشفى من قبل الاحتلال، وأُجبرنا (نحن الباقون) إلى النزوح للجنوب بدونهم".
وقع على عاتق زهراء لحظتها مسؤولية الأم والزوجة. كانت تتوالى اتصالات آية عليها يوميًا لتطمئن، فتخبرها أنها في الشمال تعبت من المسؤولية، تعبت بدون أمها التي نزحت برفقة الباقين جنوبًا، وأنها تحتاج إلى وجودها بقربها طوال الوقت.
كان آخر ما نشرته "زهراء" على صفحتها في "فيس بوك": "أمي سندي الهائل وتهويدة عمري الحنون". كانت تتوق لنظرةٍ منها، وحضنٍ ينسيها مرارة الخوف والقهر والجوع.
كان آخر ما نشرته "زهراء" على صفحتها في "فيس بوك": "أمي سندي الهائل وتهويدة عمري الحنون". كانت تتوق لنظرةٍ منها، وحضنٍ ينسيها مرارة الخوف والقهر والجوع.
وتسجل تقارير أممية، أن العنف الذي يطال الصحافيين/ات، بلغ ذروته في قطاع غزة، حيث صار "درع الصحافة" مجرد رمز، لا يوفر الحماية في مواجهة التهديدات المتزايدة.
ويُظهر هذا الواقع المرير كيف أن الصحافيين/ات، الذين يُفترض أن يكونوا حراس الحقيقة، أصبحوا أهدافًا في صراع لا يرحم.
الأكاديمي محمد السيقلي، الذي كان أستاذ "زهراء" في جامعة الإسراء، قال إنه عرفها "صحفية واعدة، كانت تثبت نفسها في كل موضع. كانت استثنائية بكل تحركاتها وسكناتها"، ملفتًا إلى أنها منذ بدأت الحرب، كانت تشاركه إنجازاتها من تقارير وتغطيات لمجريات الأحداث في غزة، "وكانت كلها محط إعجاب وتقدير. كانت مواد استثنائية" يقول.
قبل أسبوعٍ من رحيل الزهراء كانت قد نشرت تقريرٍ لها عن استهداف الصحافيين في الإبادة، وجهت في خاتمته سؤالًا، لم تعرف أنها لن تعرف إجابته ولن تكون شاهدًا عليها يومًا، مفاده: "من يوقف الاحتلال عن استهداف الصحافيين، الذين تحميهم كل المعاهد والمواثيق الدولية؟".
استشهدت زهراء، ولم تسمع من يستنكر ويدين دوليًا. غادرت هذا العالم وهي تحمل حلمًا كبيرًا، حُرمت من تحقيقه بعدما كتب صاروخٌ نهاية الحكاية، وترك ذكراها في قلب شقيقتها "غصةً للأبد".