غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في ليلةٍ مأساوية من شهر كانون أول/ ديسمبر 2023م، انقلبت حياة الطفلة سلمى صلاح (9 أعوام) رأسًا على عقب عندما أطلق الاحتلال الإسرائيلي صاروخًا استهدف منزل عائلتها.
في لحظة واحدة، فقدت سلمى والدها ووالدتها وأشقاءها كلهم ما عدا "آدم" ابن العامين، ليبقيا معًا شاهدَيْن على جرحٍ لا يمكن أن ترممه الأيام.
اليوم تعيش سلمى برفقة آدم في مخيم البركة للأيتام بدير البلح، تكافح صدمة الفقد وآثار الحرب النفسية التي سرقت طفولتها. بين جدران المخيم الباردة، تسكنها أسئلة بلا إجابة: ما مصيري؟ وكيف سأواجه حياةً بلا عائلة؟ وكيف سيكون شكل مستقبلي دون أبٍ أو أمٍ أو مصدر دخل؟
قصة سلمى واحدة من آلاف القصص، التي تجسد معاناة أيتام غزة. أطفالٌ أطفأت الحرب أحلامهم، وكتبت لهم مستقبلًا مجهولًا، في ظل عشوائية في توزيع المساعدات، وأزمات تحيط بظروفهم المعيشية، لا سيما وأن عددهم تجاوز 35 ألف يتيم، يعيشون ظروفًا مأساوية في ظل فقدان المعيل، وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
معدة التقرير، ومن أجل التحقق من عدالة توزيع المساعدات المالية والغذائية لأيتام القطاع، الذين فقدوا آباءهم أو والديهم معًا، وزعت استبانة على 50 عائلة فيها أيتام، فكانت النتيجة: 78% من العينة المستطلعة قالت إنها لم تتلقَّ أي مساعدات مالية أو غذائية من أي جهة كانت، في حين أكدت ما نسبته 84% منهم أنهم بقوا دون مأوى بعدما دمر الاحتلال منازلهم، وأشار 94% منهم أن مؤسسة دولية أو محلية، لم تتواصل معهم البتة لمعرفة ظروفهم المعيشية، أو رصد احتياجاتهم.
في مخيم البركة، قابلت معدة التقرير والدة الطفل اليتيم أمين شراب (11 عامًا)، الذي أنجبته بعد 11 عامًا من زواجها، فبقي لها وحده بعدما استشهد زوجها، وفقدت منزلها، (وهي ليست من النازحين فيه) بل دفعها واقع الحال الذي تعيشه برفقة طفلها للجوء إليه؛ لعلها تحظى ببعض الأمان، والمساعدة أيضًا.
تقول: "اسمي وطفلي وضع على قائمة الانتظار ككثيرين من ذوي الأيتام في قطاع غزة. لا نعلم ما إذا كنا سنحظى بالبقاء هنا أم ماذا".
ووفقًا لمسؤول المخيم محمود كلخ، فإن المخيم الذي أُنشئ بجهودٍ فردية، لم يستوعب أكثر من 70 عائلة، "وهناك بالإضافة للطفل شراب وأمه، 600 عائلة أخرى تنتظر توفر خيام لها داخل المخيم، ومساعدات كذلك".
وفي مقابلةٍ أجريت مع والدة الطفلة إيلياء العمودي (3 سنوات)، فقد أشارت إلى أنها سجلت بيانات طفلتها اليتيمة في مؤسستين خيريتين، نشرتا روابط لكفالة الأيتام عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل نحو 6 أشهر، ولم تتلقَّ أي اتصال أو مساعدة مالية أو غذائية من أي منهما.
وتوضح مسؤولة الأطفال غير المصحوبين في وزارة التنمية الاجتماعية بالضفة الغربية، هلا عطالله، في اتصالٍ هاتفي أجرته معها "نوى"، أن الوزارة هي المسؤولة الأولى عن الأيتام في فلسطين، "لكن الملف في غزة على وجه التحديد صعب للغاية، فهناك عدد كبير من المفقودين، الذين ما زال مصيرهم مجهولًا. وهنا لا تستطيع الوزارة تصنيف أطفالهم بأنهم أيتام إلا بتأكد وفاة الوالد"، مستدركةً بالقول: "لكن الوزارة رصدت بيانات قرابة 16 ألف يتيم في قطاع غزة".
وأضافت: "تعتمد الوزارة في عملها حاليًا على المؤسسات التي تقدم الدعم الدولي كاليونيسيف، لكن حتى هذه اللحظة لم تعمل الوزارة على مشروع خاص بها يختص بملف الأيتام".
بدوره، أوضح مسؤول ملف الأيتام في "التنمية الاجتماعية" بقطاع غزة، غسان فلفل، أن الوزارة بدأت بالعمل على إنشاء برنامج محوسب إلكترونيًا لإحصاء بيانات الأيتام الجدد، الذين خلفهم العدوان الحالي على غزة؛ "ذلك لتكوين قاعدة بيانات خاصة بهم للاستناد عليها في الأيام القادمة" يقول.
ويكمل: "تم ذلك عن طريق نشر الرابط إلكترونيًا ليمكن أيتام قطاع غزة -ممن هم دون الـ 18 عامًا- من التسجيل، سواءً في شمالي القطاع أو جنوبه"، مشيرًا إلى صعوبة حصول اليتيم على أي كفالات في ظل استمرار الحرب لأسباب عديدة، "على رأسها إغلاق البنوك".
قضية المساعدات المقدمة لأيتام قطاع غزة، ليست الوحيدة التي تشعبت في ظل فوضى النزوح وقلة المعلومات، وكثرة عدد الضحايا تحت الأنقاض، أو المفقودين بسبب اعتقالهم من قبل الاحتلال الذين يخفي أية حقائق عنهم.
أطفالٌ ما زالوا ينتظرون آباءهم وأمهاتهم كي يعودوا إليهم من المجهول، أو أن تتوقف الحرب ليعرفوا في أي طريقٍ سيمضون في اليوم التالي، لكن هذا كله لا يمنع من وضع التساؤل التالي محط النقاش: ماذا لو طال أمد الحرب... متى ستبدأ المؤسسات ذات الاختصاص بتقديم خدماتها؟ لأيتامٍ أطفال فقدوا السند والبيت والأمن والماضي والحاضر.. ويخشون أن يفقدوا المستقبل أيضًا.