غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"أحتاج أن أكون مديرة بنك كي أستطيع إلحاق أطفالي بالتعليم الإلكتروني" تقول مريم حرز الله لـ"نوى" بامتعاض، بعد أن طلبت منها ابنتها دفاتر وأقلام جديدة بدلًا من تلك التي استهلكتها بالنسخ وحل التمارين وكتابة الواجبات المدرسية.
تتحدث مريم بقهر عن ارتفاعٍ كبير في أسعار الدفاتر والأقلام والألوان، ناهيكم عن مبالغ مخصصة لشحن الهواتف النقالة، وشراء بطاقات الإنترنت ذات السرعة البطيئة للغاية، التي لا تساعد أبدًا لا على فتح الروابط ولا الصور وفق تعبيرها.
بحسب مريم، وصل سعر الدفتر إلى 6 شواقل، وقلم الرصاص صار بثلاثة! بالإضافة إلى علب الألوان التي بلغ سعر الواحدة منها في السوق 40 شيقلًا، "وهي أسعار خيالية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية لسكان قطاع غزة منذ بدء الحرب".
ومع استمرار الحرب وتدمير الاحتلال للمدارس، توقفت العملية التعليمية بالكامل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول للعام 2023م، وتحولت المدارس التي لم يقصفها الاحتلال إلى مراكز إيواء للنازحين، الذين فقدوا منازلهم.
يقول الطالب أحمد عدوان لـ"نوى" بحرقة: "نفسي أشتري ألوان ودفتر رسم، علشان أقدر أرجع أرسم مثل ما كنت في المدرسة، لكن والدي ما بيقدر يجيبلي بعد ما خسر شغله".
ويضيف أحمد وهو طالب في الصف السادس الابتدائي: "في المخيم عنا مبادرات للتعليم، لكن التجربة فيها لا تشبه المدرسة، وهناك الكثير من النواقص. نحتاج إلى حقائب، ودفاتر، وكتب، وأقلام، وألوان"، موضحًا أنه منذ بدء التعليم، يستخدم دفترًا واحدًا وقلم رصاص لكل المواد، ويحاول قدر المستطاع الحفاظ عليهم، واستغلال كل مساحةٍ بداخله.
ويتابع "أنا وأخويا بنستعمل هذا القلم مع بعض. حقه 3 شواقل. عمري ما تخيلت نوصل لهذه المرحلة، ونبكي بسبب الحرب وغلاء الأسعار وعدم قدرة والدي على شراء المستلزمات لنا".
كان شقيق أحمد يرافقه إلى مدرسة المخيم، لكن ساقه بُترت بعد قصف طال بيتهم. يعقب: "أحاول التخفيف عنه قدر الإمكان ليكمل حياته بشكل طبيعي، لكنه متأزم جدًا، وكل شيء حولنا يؤزمه أكثر".
ويعاني أكثر من 600 ألف طفل في قطاع غزة، صدمات شديدة، وحرمان من التعليم، بعد أن تحولت مدارسهم لمراكز لجوء مكتظة بالنازحين وغير صالحة للتدريس، وفق وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وتقول المعلمة ختام عوض: "لدى الأطفال شغف غير طبيعي للدراسة، وأمنيتهم انتهاء الحرب والعودة إلى مدارسهم"، مشيرةً إلى أن هناك فاقد تعليمي كبير، وعقبات كبيرة تواجه أي محاولات لمواصلة التعليم، أولها أجواء الحرب والقصف المستمر، والخوف والتوتر، وحتى أسعار المستلزمات المدرسية.
"التعليم داخل الخيام غير صحي، ويضيق الصدر، ويوحي للطفل بعدم جدية العملية".
وتضيف: "التعليم داخل الخيام غير صحي، ويضيق الصدر، ويوحي للطفل بعدم جدية العملية"، مطالبةً وزارة التربية والتعليم، والمؤسسات الداعمة بمحاولة إنقاذ ما تبقى من شغف على التعليم لدى الطلبة، عبر دعمهم نفسيًا ولوجستيًا وتربويًا.
وتعيل شيماء غبن بعد استشهاد زوجها أولادها الثلاثة، ولا تستطيع شراء مستلزمات الدراسة لأي واحد منهم بسبب ارتفاع أسعارها الخرافي في الأسواق. تقول: "لا أدري كيف يمكن أن يتابعوا دراستهم. حتى توزيع المستلزمات من قبل بعض المبادرين لم يفِ بالغرض، فكل شهر يحتاج الواحد منهم لدفتر جديد وقلم آخر"، مشيرةً أيضًا إلى ميزانية التعليم الإلكتروني التي تثبت أن أطفالها التزموا بحضور الدروس، من شحن للهاتف الوحيد الذي تملكه، وسعر بطاقات الإنترنت أيضًا.
في السياق، نفّذ بعض المعلمين مبادرات فردية، حاولوا من خلال إعادة الحياة للعملية التعليمية على نطاقٍ ضيق بسبب ضعف الإمكانات، إذ عملوا على تقديم التعليم لعشرات الأطفال طوعًا، وبشكل غير رسمي، داخل خيام في مخيمات النازحين. من بينهم محمد الخضري، الذي علّم الأطفال اللغة العربية في أحد مراكز الإيواء.
يقول: "يستيقظ الأطفال على صوت معلم بين الخيام، فيلفتهم الأمر. يعودون بالذاكرة إلى أيام ما قبل الحرب، ويأتون للتأكد، ثم ينخرطون في الدرس في محاولةٍ للفهم والمشاركة".
"أحاول إعادة بناء الذاكرة التعليمية للطفل، بما يتناسب مع الواقع الراهن جراء الحرب. نتحدى معًا الظروف الصعبة في المخيمات، غير الملائمة للتعليم".
ويزيد: "أحاول إعادة بناء الذاكرة التعليمية للطفل، بما يتناسب مع الواقع الراهن جراء الحرب. نتحدى معًا الظروف الصعبة في المخيمات، غير الملائمة للتعليم"، مبينًا أنه يعتمد على أسلوب التعليم المطعم باللعب والترفيه، عبر تصميم أنشطة تعليمية بسيطة مثل الدمى والوسائل الشارحة، رغم شح الإمكانات.
وينوه إلى أن الأطفال الذين يقابلهم كل يوم، تعرض معظمهم لأزمات نفسية سيئة بسبب الحرب وتبعات النزوح والفقد، مردفًا: "حتى مستلزمات التعليم غير متوفرة، وإن توفّرت فإنها مرتفعة الثمن بشكلٍ لا يمكن لأي ولي أمر تكبّده في ظل وجود أولويات البقاء على الحياة، من مأكل ومشرب وعلاج".