شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024م00:22 بتوقيت القدس

مشاريع نسوية واصلت طريقها تحت النار..

غزة.. رياديّات يجبُلنَ "الحياة" من رماد "الموت"!

28 نوفمبر 2024 - 12:23

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

قبل السابع من أكتوبر/ تشرين أول للعام 2023م، كانت الشابة ولاء الإفرنجي تعمل في محل "سربرايز" الشهير لتجهيز الهدايا في حي الرمال العريق وسط مدينة غزة، لكنها مثل مئات الآلاف من سكان قطاع غزة، فقدت فرصة رزقها بسبب تبعات النزوح إلى مناطق جنوبي وادي غزة، بعد إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلية الحرب في التاريخ المذكور.

تنقلت ولاء بين الزوايدة والنصيرات وسط قطاع غزة، وعاشت أيامًا ثقيلة تحت وطأة الحرب والنزوح، حتى عادت إلى منزل عائلتها في مخيم النصيرات، الذي استصلحته قدر المستطاع بعد تعرضه لأضرار جزئية بسبب القصف.

قبل شهر، شعرت ولاء بأهمية العودة إلى العمل، فبدأت رحلةً مضنية من البحث بين زوايا البيت وركام غرفه المدمرة، عن بقايا أدوات تغليف الهدايا، فوجدت بعض العلب البسيطة، واستلهمت فكرة تغليف هدايا للمخطوبين والمتزاورين بما لا يثقل الجيب، وبحسب المتوفر من مواد.

تقول: "وجدت في السوق حلوى السمسمية، إذ لم يكن هناك إقبال عليها قبل الحرب، ووضعتها في علبة جميلة، ثم أضفتُ بطاقة كتبتُ عليها عبارة بخط جميل، ونشرت الصورة على صفحتي في إنستغرام، وفوجئت بالتفاعل الكبير، والطلبات الكثيرة التي بدأت تصلني عبر الرسائل الخاصة".

رغم الدعم والتشجيع الذي حصلت عليه ولاء، إلا أن عودتها للعمل تقابلها صعوبات وتحديات هائلة، تتمثل في ندرة المواد الخام، وغلاء الأسعار، "فتكلفة الأدوات التشغيلية كمواد التغليف والمواد اللاصقة تضاعفت عشرات المرات عن سعرها الطبيعي، رغم أنها مواد لا يراها المستهلك، وبعض المواد الأساسية غير متوفرة أو محتكرة، مما أثر على جودة المنتجات".

تناقص عدد السيارات المتاحة للتوصيل حد الاختفاء، "وهذا يؤثر على سرعة العمل، والقدرة على التنقل بين الأسواق لتلبية طلبات الزبائن".

وتواجه ولاء بالإضافة إلى ذلك، مشكلات تتعلق بالسيولة المادية؛ لأن معظم زبائنها من خارج غزة، يحاولون رسم الفرح في قلوب ذويهم عبر هدايا يرسلونها إليهم في القطاع، بينما يدفعون عبر التطبيقات البنكية، "وهنا أضطر لسحب المال من التجار بعمولات مرتفعة تصل إلى 30% من قيمة المبلغ في بعض الأحيان" تعلق بقهر.

وللمواصلات حكايةٌ أخرى مع الشابة الإفرنجي، فبسبب منع "إسرائيل" دخول الوقود إلى القطاع منذ بدء الحرب على قطاع غزة، تناقص عدد السيارات المتاحة للتوصيل حد الاختفاء، "وهذا يؤثر على سرعة العمل، والقدرة على التنقل بين الأسواق لتلبية طلبات الزبائن" تضيف.

"الاحتكار يرهقنا نحن أصحاب المشاريع الصغيرة، ويؤثر أيضًا على زبائننا".

وتخبرنا: "أحيانًا أجد أن الشوكولاتة، أو الشيء الذي طلبه الزبون لم يعد موجودًا في السوق أو ارتفع سعره بشكل جنوني. هذا الاحتكار يرهقنا نحن أصحاب المشاريع الصغيرة، ويؤثر أيضًا على زبائننا".

رغم ذلك، تصر ولاء على الاستمرار، "فالحرب طالت، ولا يمكن أن أقف مكتوفة اليدين أنتظر أن تنتهي. لا أريد أن أكون مستهلكة وأنتظر المساعدات فقط، أريد أن أبقى إنسانةً منتجة رغم كل الظروف، وأن ألبي احتياجاتي الأساسية على الأقل، لا سيما وقد فقدت أنا وزوجي منزلنا، ونحتاج حقيقةً إلى ما ندعم به أيامنا القادمة" تزيد.

وليست وحدها ولاء، التي تعالت على جراح "الإبادة" المتواصلة للعام الثاني على التوالي، وصعوبة الحياة اليومية في قطاع غزة، فقد برزت قصص أخرى لشابات غزيات، قررن التحدي والاستمرار بطريقتهن الخاصة، من أجل بدء أو مواصلة مشاريعهن الصغيرة، وتوفير مصادر دخلٍ لهن في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.

ديما البحيصي أيضًا، شابة من دير البلح، وطالبة في كلية التجارة بجامعة الأزهر، كانت تعمل منذ ثلاث سنوات -إلى جانب دراستها- في صناعة الكيك، لكنها واجهت تحديات قاسية مع اندلاع الحرب في غزة.

تقول: "مع بدء الحرب توقفت تمامًا عن العمل بسبب شح الدقيق وانعدام المواد الخام، لكنني قررت العودة رغم كل العوائق بعدما بدأ ضخ الطحين في مناطق جنوبي القطاع"، موضحةً أنها تستخدم بدائل مبتكرة لتعويض النقص "كيك ممتاز بلا بيض ولا كريما، وطناجر بدلًا من علب التغليف".

أكثر ما يرهق ديما خلال الحرب هو رحلة البحث عن المواد الأساسية لصنع الكيك. تقول: "أحيانًا أمضي أربعة أيام أو أكثر في البحث عن الطحين. الطحين النظيف الخالي من الدود أو السوس، لكنني في كل مرة أواجه خيبة أمل جديدة، لكنني أستمر لأنني لا أريد أن أتخلى عن شغفي"، مبينةً أنها توقفت منذ عودتها للعمل أكثر من مرة، وكل مرة لسبب انقطاع صنفٍ أساسي لا مجال للاستغناء عنه في صناعة الكيك.

تضطر ديما لخبز الكيك على فرن الطينة لعدم توفر الغاز منذ أشهر طويلة، الأمر الذي سبب لها إرهاقًا كبيرًا لا سيما خلال فترة الصيف، "لكنني أستطيع أن أقول -بشهادة الجميع- أنني أبدعت في تقديم نوع جديد من الكيك للأطفال المصابين بالتهاب الكبد الوبائي داخل مخيمات النزوح، خاليًا من الحليب والبيض ليكون آمنًا لهم".

حسب ولاء، لاقت الفكرة ترحيبًا كبيرًا في المحيط، وأيضًا من قبل المتابعين من خارج غزة، الذين بدأوا بإرسال المال لدعمها، الأمر الذي ساهم في رسم البهجة على وجوه الأطفال المحرومين.

توقفت ديما حاليًا "مرةً جديدة" عن استقبال طلبات الكيك بسبب انقطاع الدقيق في جنوبي القطاع تمامًا، "فالناس ينامون جوعى ولا يجدون كسرة خبز تسد جوعهم"، معربةً عن أملها في أن تجد المؤسسات الدولية حلًا لهذا الوضع الخطير؛ لتعود وتكمل شغفها بصناعة الكيك وإسعاد الأطفال.

ووسط أجواء الحرب المستمرة، اختارت هبة جرادة تحدي الظروف، وإنشاء متجر إلكتروني لبيع منتجات التجميل والعناية بالبشرة، بالإضافة إلى العطور والساعات في الضفة الغربية.

وبرغم طموحها الكبير، إلا أن التحديات التقنية كانت لها بالمرصاد. تقول لـ"نوى": "الإنترنت بطيء جدًا وغير متوفر دائمًا، الأمر الذي يجعل العمل مثار ضغط نفسي وإرهاق كبيرين"، موضحةً أنها تقضي أحيانًا عدة ساعات من أجل تحميل صورةٍ لمنتجٍ جديد، أو لتحديث بعض المنشورات.

لم تكن التكنولوجيا العائق الوحيد. الخوف والتوتر الناتجين عن القصف العشوائي والنزوح المستمر جعلا حياتها مليئة بالضغوط النفسية كذلك.

لم تكن التكنولوجيا العائق الوحيد. الخوف والتوتر الناتجين عن القصف العشوائي والنزوح المستمر جعلا حياتها مليئة بالضغوط النفسية كذلك.

تضيف: "رغم خوفي من التشرد والنزوح، أعمل بجد على متجري؛ لأنه مصدر دخلي الوحيد في ظل هذه الظروف الصعبة، وأطمح أن يكون لي دخل ثابت من خلاله، يساعدني على الاستقرار بعد انتهاء الحرب، أو على الأقل إعادة بناء نفسي".

وتعبر المشاريع النسوية الريادية، التي تحدت كافة تبعات الحرب وظروف النزوح المرة، عن إرادةٍ حديدية تتمتع بها نساء فلسطين عمومًا، وغزة على وجه الخصوص، إذ يعافرن رغم كل العوائق ويواصلن العمل بإصرار، ليكنَّ أمثلة صمود ومقاومة يكتب عنها التاريخ لأجيالٍ تتبع.

كاريكاتـــــير