غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
جال نائل أبو مهادي، وهو نازح من مدينة غزة، سوق دير البلح وسط القطاع طولًا وعرضًا، باحثًا عن أي لحوم أو دواجن لإشباع رغبة أطفاله في تناولها، لكنه لم يجد شيئًا.
ومنذ بداية أكتوبر/ تشرين أول الماضي، يفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مشددة على دخول البضائع إلى قطاع غزة، حتى إلى تلك المناطق التي يصنفها "إنسانية".
"رغم ذلك، يجد المتجول في الأسواق، مواد غذائية -يُفترض أنها لم تدخل إلى القطاع منذ وقت طويل- تباع بأسعار خيالية" يقول أبو مهادي، متسائلًا: "كيف تتواجد بالأسواق في ظل المنع المشدّد؟".
يتهم مواطنون من بينهم أبو مهادي بعض التجار، "بإبرام صفقات مع جهات مشبوهة لتسهيل مرور تلك المواد"، من أجل بيعها في الأسواق بمبالغ خيالية، ويضيف: "رغم مشاهد المجاعة السائدة، يلفتك وجود الدواجن في بعض محال الشاورما، لكنها تباع بأسعار باهظة (..) لا أعلم من أين يحصل أصحابها عليها؟ ولا توجد أي أخبار عن إدخالها للقطاع".
"مزادات سرّية"
يقول أبو منير وهو صاحب محل شاورما اكتفى بذكر كنيته: "في ظل هذه المجاعة استطاع تجار استيراد كميات من لحوم الدواجن، وقد سمح جيش الاحتلال بتمريرها بطرق خاصة".
وأوضح أبو منير أن تجار الدواجن "المستوردين" رفضوا بيع الكميات المحدودة المتوفرة لتجار الأسواق، وبدلًا من ذلك سعوا لتحقيق أرباح أكبر عبر بيعها سرًا لأصحاب محال الشاورما.
وأشار إلى أن عملية البيع "تتم من خلال مزاد سري، ينظمه التاجر المستورد، حيث يعرض بضاعته من لحوم الدواجن على أصحاب محال الشاورما على أساس (من يدفع أكثر يحصل على البضاعة)".
وأضاف أبو منير: "تلقّيت شخصيًا اتصالًا من تاجر لديه دواجن، رغم انقطاعها التام من الأسواق منذ أسابيع بسبب منع الاحتلال إدخالها إلى القطاع، وطلب مني تقديم عرض شراء، إلا أن الصفقة لم تتم، حيث قام صاحب محل شاورما آخر بتقديم سعر شراء أعلى".
وبسبب أسلوب البيع هذا، ارتفعت أسعار بيع الشاورما للزبائن إلى الضعف تقريبًا، إذ أصبحت تباع "الفرشوحة" الواحدة بأكثر من ٣٣ شيقلًا بعد أن كانت تباع بين (11 و15) شيقلًا.
ويرى الرجل أن الحرب "شكلت بيئة خصبة لبعض التجار لتحقيق أرباح خيالية على حساب النازحين الذين أصبحوا فقراء وجوعى بفعل هؤلاء التجار".
على صعيدٍ آخر، يؤكد مراقبون أن العديد من التجار يدفعون ملايين الشواقل لبعض المنظمات الإغاثية العاملة في غزة، من أجل تمرير بضائع لهم.
فوضى بلا ضوابط
ومنذ أسابيع يقضي ماهر بركة وهو صاحب محل لبيع لحوم الدواجن جل وقته جالسًا على كرسيه أمام محله دون فعل أي شيء.
وقال بركة لـ"نوى": "هذا المحل هو باب رزق لسبعة أسر يرأسها عمالٌ يعملون لدي، لم يعملوا منذ أكثر من شهر بسبب إغلاق المعابر وعدم سماح جيش الاحتلال بتمرير البضائع للقطاع".
وأضاف: "رغم ذلك أسمع بين الفينة والأخرى أن فلانًا وهو تاجر مستورد، حصل على دواجن بطرقه الخاصة، ولكن لا نرى أي شيء منها في الأسواق، فكيف يتصرف بها لا أحد يعلم".
وأشار بركة إلى أن السوق "لا يحكمه أي ضوابط أو مبادئ"، مفسرًا حديثه بالقول: "التجار المستوردون هم جزءٌ أساسي من مشكلة غلاء الأسعار واحتكار السلع مثل الدواجن والسكر وغيرها".
وقبل أيام، أغلقت عائلات وعشائر فلسطينية عدة أسواق في جنوب القطاع احتجاجًا على حالة ارتفاع الأسعار وشح البضائع واحتكار السلع، وطالب محتجون بتنظيم التجارة التي تسير وسط فوضى عارمة تسود عمليات البيع والشراء سببتها الحرب.
ولكن لا يبدو أن التجار المستوردين قد أثرت عليهم هذه الضغوطات، إذ اتجهوا لبيع بضائعهم عبر مزادات سرية لأصحاب المحلات الخاصة، وابتعدوا عن بيعها لتجار الأسواق، محققين أرباحًا مضاعفة.
وتسود حالة من الغضب الشعبي وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي تجاه التجار المستوردين وحالة احتكار السلع وتضاعف الأسعار، وسط مطالب بخلق حالة ناظمة للتجارة.
وتتعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي نشر الفوضى والفلتان الأمني والمعيشي في قطاع غزة، من خلال استهداف أي مجموعات تشكلها العائلات أو الأجهزة الأمنية تهدف لضبط الأسواق وحالة الأسعار، ممهدة الطريق أمام بعض التجار للاستغلال والاحتكار والتحكم بالأسعار دون أي رقابة.
أساليب ملتوية
ويوضح مدير تحرير صحيفة الاقتصادية بغزة محمد أبو جياب، أن هناك أساليب يتبعها التجار، ومنهم تجار الدواجن، لإدخال بضائعهم إلى غزة، "إما بتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، أو عبر مؤسسات دولية أو عربية مسموح لها بإدخال المساعدات لغزة".
وقال أبو جياب لـ"نوى": "منذ بداية أكتوبر لم يسمح جيش الاحتلال بإدخال أي بضائع عبر التنسيقات الرسمية ضمن إطار التضييق على شعبنا، لذلك لجأ التجار لطرق غير رسمية لإدخال بضائعهم، ولكن معظمهم ليس بنية محاربة المجاعة وإطعام أبناء شعبنا، بل لتحقيق أرباح مضاعفة بالاستغلال والاحتكار".
بعض التجار الذين كانوا يخططون لإدخال خضروات إلى جنوبي القطاع، وجهزوا البضائع والتنسيقات، "وجهوا بضائعهم لشمال وادي غزة، بعد أن حددت لجان الطوارئ في الجنوب أسعار بيع الخضروات قبل دخولها.
وأضاف: "بعض التجار يقدمون رشاوى بملايين الشواقل لبعض المتنفذين في مؤسسات دولية وعربية؛ لإدخال بضائعهم ضمن مساعدات المؤسسة، "وبهذه الطريقة تدخل الدواجن إلى غزة، ليبدأ أبشع مسلسل للاستغلال وتحقيق الربح الحرام من خلال بيعها في مزادات سرية لأصحاب محلات الشاورما".
وأشار أبو جياب إلى أن بعض التجار الذين كانوا يخططون لإدخال خضروات إلى جنوبي القطاع، وجهزوا البضائع والتنسيقات، "وجهوا بضائعهم لشمال وادي غزة، بعد أن حددت لجان الطوارئ في الجنوب أسعار بيع الخضروات قبل دخولها، وهناك تتم عمليات البيع من قبلهم بأسعار خيالية دون رقيب أو حسيب وتحت حماية الطائرات الاسرائيلية".
دعوة لضبط الأسواق
وطالب مدير تحرير صحيفة الاقتصادية بضرورة تشكيل لجنة ضبط اقتصادي مكونة من ممثلين عن مؤسسات القطاع الخاص، والعشائر، والعائلات، والمؤسسات الأهلية، والقوى الأمنية، والتنمية الاجتماعية، والاقتصاد، لحماية النازحين وسكان غزة من جشع التجار.
وقال: "يجب وضع آليات لضبط استلام وتخزين وتوزيع المساعدات على المواطنين في كل مناطق النزوح والتواجد، بما يحقق عزلًا كاملًا للمساعدات عن البضائع التجارية، ويضمن وصول المساعدات لمستحقيها، ومنع استخدام مسار إدخال المساعدات لأغراض تجارية، سواءً ببيع التنسيقات، أو بعقد اتفاقات خاصة لإدخال البضائع التجارية تحت اسم المساعدات".
ودعا أبو جياب إلى تخصيص مخازن (محطة استقبال بضائع التجار) داخل غزة، بعد دخول البضائع من المعابر إلى القطاع، "فلا يسمح ببيع المنتجات في السوق المحلي إلا بعد مرورها على المحطة وإبراز الأوراق الثبوتية من فواتير ومصاريف نقل وتأمين، وبموجب احتساب التكاليف شاملة اسعار السلع، ويتم وضع نسبة ربح محددة للتاجر وتحديد آليات البيع في الأسواق مع ضرورة اعتماد المحال والسوبر ماركت التجارية الرسمية لعمليات البيع النهائي للمواطن، مع تحديد سعر السلعة للمواطن".
شبكة نوى، فلسطينيات: أبو جياب: "كل تاجر يثبت عليه رفع الأسعار أو الاحتكار أو الابتزاز، يجب أن تتخذ بحقه إجراءات ثورية (سحب البضائع، إغلاق المخازن، مصادرة اي بضائع يمكن أن تدخل لصالحه من المعابر.."
وتابع أبو جياب: "كل تاجر يثبت عليه رفع الأسعار أو الاحتكار أو الابتزاز، يجب أن تتخذ بحقه إجراءات ثورية (سحب البضائع، إغلاق المخازن، مصادرة اي بضائع يمكن أن تدخل لصالحه من المعابر، مصادرة سيارات النقل الخاصة به، مصادرة الأموال والممتلكات الخاصة والتحفظ عليها).
وشدد على ضرورة العمل على ضمان التعامل بكل الفئات النقدية الورقية والمعدنية، وإيقاع أشد العقوبات الثورية على مفتعلي الأزمات في الأسواق المحلية، كما طالب بمعاقبة ومحاسبة التجار، ممن يثبت بحقهم الاتجار بالعملات (بيع الكاش) ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم والتحفظ عليها.