شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024م00:53 بتوقيت القدس

تتقن "ميرا" السرد ولغة الجسد..

حكواتية "مخيم الكرامة".. طفلةٌ تصنع "الصمود"!

05 نوفمبر 2024 - 12:58

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تنتظر "نور" سبع العيش بشغف ساعة الحكاية اليومية من "حكواتية مخيم الكرامة" ميرا جودة، الطفلة التي لمست معاناة أقرانها مع الخوف والفراغ، فكانت صاحبة مبادرة ذاتية وظفت فيها موهبتها بتأليف القصص والحكايات وتمثيلها، بهدف التفريغ النفسي عن أطفال المخيم.

من بعد عصر كل يوم تتجمع نور (14 عامًا) وأمثالها من الأطفال، الذكور والإناث، ينتظرون حكاية جديدة من حكايات مريم، الشهيرة منذ مولدها باسم "ميرا"، التي تمزج فيها بين العبرة والفكاهة، وتلقيها بأسلوب شيق عبر توظيفٍ مبدعٍ للغة الجسد وموهبة التمثيل.

تخبر ميرا "نوى" أن حلم طفولتها كان أن تصبح ممثلة شهيرة، لكن هذا الحلم تبدل عندما كبرت وأدركت أن التمثيل ليس له مساحة واسعة من الاهتمام لدى المجتمع الفلسطيني الذي يعاني ويلات الحرب والحصار، فبات حلمها أن تصبح صحفية.

ميرا طفلة لا تتجاوز من العمر (13 عامًا)، تمتلك لسانًا فصيحًا وحضورًا جذابًا، وعلى صغر عمرها تدرك ما تريد، وتعي قيمة الصورة، وتحلم بأن تصبح يومًا مراسلةً تليفزيونية لقناة إخبارية مهمة، تنقل عبرها معاناة شعبها وصراعه من أجل الحرية والانعتاق من المحتل.

وهذا جانب من الحكايات اليومية التي ينصت إليها أطفال المخيم من "ميرا"، التي توضح أنها تحرص على غرس قيم مهمة في نفوس الأطفال من خلال القصة أو الحكاية، كالصبر والإيمان والتمسك بالأمل وعدم اليأس والحلم بمستقبل أفضل.

ارتبطت ميرا بعلاقة صداقة مع "نور" منذ أن اجتمعت أسرتيهما في هذا المخيم وسط مدينة خان يونس، جنوبي القطاع، بعد نزوح الأولى من بني سهيلا شرقي المدينة، ونزوح الثانية من مدينة رفح التي تجتاحها قوات الاحتلال منذ ستة شهور، وتساعد نور صديقتها ميرا في اختيار الأفكار وتأليف الحكايات اليومية.

"هذه الحكايات ليست من أجل إضاعة الوقت والترفيه فقط. نريد أن نستثمر أوقاتنا في هذه الخيام بما هو مفيد".

وعن صديقتها تقول نور لـ "نوى" إنها: "فتاة ذكية مبدعة، ولديها خيال واسع، وتجيد تأليف القصص وتمثيلها أمام الجمهور من الأطفال وأسرهم".

وتكمل: "وجود ميرا معنا في هذا المخيم يسعدنا ويخفف عنا ما نعايشه من أهوال الحرب وويلات النزوح".

"هذه الحكايات ليست من أجل إضاعة الوقت والترفيه فقط"، بنبرةٍ واثقةٍ تقول الحكواتية الصغيرة، وتتابع: "نريد أن نستثمر أوقاتنا في هذه الخيام بما هو مفيد (..) من حقنا كأطفال أن نلعب ونتسلّى، ولكن في الوقت نفسه، ينبغي أن نستفيد من أوقات الفراغ الطويلة، حيث لا مدارس ولا تعليم بسبب الحرب".

ودمرت قوات الاحتلال غالبية المدارس والجامعات والمعاهد منذ بدء الحرب الضارية، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م، والمستمرة للعام الثاني على التوالي، علاوة على قتل وجرح آلاف الطلبة، والإلقاء بمئات الآلاف منهم في مهب الضياع.

وتشيد جدّة ميرا، عطاف الرقب، بحفيدتها من ابنتها، وبتميزها في المدرسة وتفوقها، وتقول "إن تفكيرها يفوق سنوات عمرها القليلة كطفلة".

هذه الجدة كانت تعمل مديرة تمريض قبل تقاعدها، وهي كبيرة الأسرة، وقد تنقلت بهم من نزوح إلى نزوح لنحو 20 مرة، بعد أن دمرت قوات الاحتلال منزلها في بني سهيلا.

وتبدي الجدة فخرًا كبيرًا بميرا، وتزيد: "سعادتي كانت غامرة عندما جاءتني بفكرة "الحكواتية" كمبادرة، بهدف إسعاد أطفال المخيم وتخفيف ضغوط الحرب ومرارة النزوح والتشرد عنهم".

وكان لهذه الجدة أثر في تكوين شخصية حفيدتها. تضيف: "منذ سنوات عمرها الأولى حرصنا على تعليمها وتشجيعها أن تكون قوية وشجاعة وواثقة من نفسها".

وتستلهم "ميرا" أفكار حكاياتها من الواقع، بينا تحرص على أن توزان بين حكايات تضفي الفرح وتتعالى خلالها الضحكات، وبين أخرى يكون هدفها زرع مفاهيم وقيم في نفوس الأطفال، وربطهم بهذه الأرض، رغم أهوال ما يتعرضون له ويعايشونه بفعل "مجازر" تدرك وهي المنحدرة من عائلة لاجئة إبان نكبة 1948م، أن هدفها "التهجير وإفراغ الأرض من أصحابها".

تعيد ميرا من خلال حكاياتها الأطفال إلى حياتهم الطبيعية ما قبل الحرب، إلى ذكرياتهم الجميلة مع أسرهم في المنازل، ومع زملائهم بالمدرسة، ومع أصدقائهم في الملاعب والمطاعم.

تؤثر في هذه الطفلة مشاهد فتاة تحرص على ستر جسدها وهي عالقة تحت ركام منزلها المدمر، وطفل ينفض الغبار عن نفسه رافعًا شارة النصر وقد استشهدت أسرته، وامرأة تتقبل بكثير من الصبر والاحتساب استشهاد وحيدها أو زوجها، والكثير من هذه المشاهد الإنسانية، وفي الوقت نفسه لا تغفل لوعة الفقد وآلام الجوع والنزوح.

وتقول "ميرا" إنها تعيد من خلال حكاياتها الأطفال إلى حياتهم الطبيعية ما قبل الحرب وذكرياتهم الجميلة مع أسرهم في المنازل، ومع زملائهم بالمدرسة، ومع أصدقائهم في الملاعب والمطاعم وعلى شاطئ البحر، وتغرس فيهم الأمل بغد أفضل وبزوال الغمة والنجاة من هذه الحرب المدمرة.

كاريكاتـــــير