الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:
اضطرت "تقى" (اسم مستعار)، الطالبة في جامعة "بيرزيت"، الحاصلة على منحة الرئيس للمتفوقين بالثانوية العامة لعام 2019م إلى دفع ما تبقى من "ديون" مستحقة على وزارة التعليم العالي (المخولة بدفع أقساط منحتها)؛ لتتمكن من أخذ شهادتها عام 2023م -أي بعد سنة من تخرجها- من أجل البحث عن وظيفة.
كانت "تقى" تتوقع أن تسترد ما دفعته، بعد أن تسدد وزارة التعليم العالي المستحقات المالية المترتبة على منحتها، لكنها حتى تاريخ مقابلتها مع "نوى" في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر الماضي، لم تحصل على شيء، "ولم تسدد الوزارة المبلغ أصلًا" كما تؤكد.
واعتُمدت منحة رئيس دولة فلسطين للطلبة الأوائل في الثانوية العامة، وفقًا لقرار وزير التعليم العالي رقم (7) لعام 2012م، بناءً على تعليمات الرئيس، بموجب كتاب ديوان الرئاسة رقم (4955) بتاريخ 2008/07/24م.
وتُغطي المنحة الرسوم الدراسية للطلبة المتفوقين طوال سنوات الدراسة، بالإضافة لمصاريف الفئة الأولى فقط، وتشمل كلًا من: الطلبة العشر الأوائل على فلسطين في الفرعين العلمي والعلوم الانسانية (الفئة الأولى)، والطلبة الثلاث الأوائل في الفرع الصناعي والريادة والأعمال (الفئة الأولى)، والأول على كل فرع من الفروع المهنية الأخرى (الفئة الأولى)، والأول على كل مديرية في كلٍ من الفرعين العلمي والعلوم الإنسانية (الفئة الثانية).
وتشمل منحة الفئة الأولى، تغطية الرسوم التي يدفعها الطالب حسب إيصال الدفع الصادر عن الجامعة، ومبلغ مقطوع لتغطية نفقات المعيشة يُحدَّدُ سنويًا بقرارٍ من الوزير، في حين تشمل منحة الفئة الثانية تغطية الرسوم التي يدفعها الطالب حسب إيصال الدفع الصادر عن الجامعة فقط.
قبل نحو 5 سنوات كانت إجراءات هذه المنحة مباشرةً بين الطالب ووزارة التعليم العالي، حيث كان الطالب يدفع قسطه الجامعي، على أن تودع الوزارة المبلغ بشكل منتظم نسبيًا في حساب الطالب، بدون أي تدخل من الجامعة. لكن مؤخرًا أصدرت الوزارة تعليمات للجامعات، بالسماح للطلبة المشمولين بمنح المتفوقين تأجيل أقساطهم، على أن تَرفع (الجامعات) مطالبات مالية لوزارة "التعليم العالي" من أجل تغطية الأقساط.
وقبل التعليمات الأخيرة، لم يكن مجديًا بالنسبة للطلبة المشمولين بالمنحة، دفع أقساط الدراسة من جيوبهم الخاصة، وانتظار استردادها من الوزارة فيما بعد.
"فاطمة" (اسمٌ مستعار) إحدى الأمثلة الحية، إذ ظنّت أن منحة العشرة الأوائل، ستكون امتيازًا تحظى به يعفيها من أعباء الأقساط الجامعية خلال سنوات الدراسة، فالتحقت بإحدى جامعات شمال الضفة الغربية عام 2016م، لتفاجأ بالنظام الساري، والقاضي بدفع الأقساط كاملة، ثم استردادها من الوزارة فيما بعد.
مع ذلك رأت "فاطمة" أن ذلك قد يخفف بشكل أو بآخر عنها عبء الأقساط، فانتظرت تحويلها من قبل الوزارة بشكل منتظم ودوري، لتفاجأ مرةً ثانية، بتحويل قسط الفصل الأول لعام 2016م، في نهاية السنة الدراسية الثانية عام 2017م، وأقساط السنة الثانية بعد التخرج في العام 2019م، "إلى أن حولت الوزارة آخر المستحقات في نهاية العام 2023م، أي بعد دخولي الجامعة بـ 6 سنوات" تقول لـ"نوى"، متسائلةً: "ما جدوى المنحة ما دام الطالب مجبر على التسديد وانتظار دفعات الوزارة لسنوات طويلة؟".
الجعبري: "الحل الوحيد لهذه المعضلة، أن يسدد الطالب الحاصل على المنحة الديون المتراكمة في حسابه، ويتابع في الوقت ذاته مع "التعليم العالي" من أجل استردادها.
"وتكمن الإشكالية في أن الوزارة لا تعتمد التحويل الدوري أو الفوري لهذه المبالغ" حسب مسؤول وحدة المنح والمساعدات والقروض بجامعة الخليل حكم الجعبري، الذي أشار إلى أن حسابات الطلبة المتفوقين المشمولين بالمنح الحكومية أصبحت مكشوفة بالديون المتراكمة عليهم، "وبناء على ذلك فإن من أراد التخرج عليه أن يحصل على براءة ذمة مالية -حساب الديون صفر- بصرف النظر عن طبيعة المنحة التي حصل عليها" يقول.
ويستدرك: "أو تبقى إجراءات تخرجه معلقة لحين تحويل المبلغ من قبل وزارة التعليم العالي".
ويرى الجعبري أن الحل الوحيد لهذه المعضلة، أن يسدد الطالب الحاصل على المنحة الديون المتراكمة في حسابه، ويتابع في الوقت ذاته مع "التعليم العالي" من أجل استردادها.
وترفض غالبية الجامعات الفلسطينية -وفقًا لأنظمتها- تخريج أي طالب بدون براءة ذمة مالية. في الوقت ذاته، لا تحوّل وزارة التربية والتعليم العالي أقساط الطلبة بشكل دوري أو ثابت التوقيت، كونه يعتمد على الإمكانات والموازنات المتاحة.
وبالتالي يقف الطالب أمام خيارين، إما أن ينتظر وقتًا غير محدد لحين تحويل كافة أقساطه، أو اختصار الوقت والتخلي بشكل مؤقت عن حقه في المنحة ودفع مستحقاته بنفسه، ليستطيع شق طريقه العملية بعد التخرج مباشرةً.
وتقدم بعض الجامعات ما تسميه "تسهيلات" للطلبة المشمولين بالمنح الحكومية، لتساعدهم في اجتياز سنواتهم الدراسية.
الجامعة العربية الأمريكية على سبيل المثال، أقرت العديد من الوسائل لضمان استمرارهم في العملية التعليمية، وفق عميد شؤون الطلبة د. فادي جمعة، "ذلك عبر إيجاد كفلاء، أو تقسيط الديون، أو كتابة تعهدات بالدفع في حال لم تقم بذلك وزارة التعليم العالي، وغير ذلك"، ملفتًا إلى عدم وجود إمكانية الإعفاء الكامل.
جامعة "بيرزيت" قرب رام الله، أشارت هي الأخرى -بردودٍ مكتوبة على أسئلة أرسلتها "نوى"- إلى أنها تعطي طلبتها "لا سيما أولئك المشمولين بمنحة الرئيس" الأولوية في كافة التسهيلات، "بما يضمن التحاقهم بالفصول الدراسية، والتسجيل دون أي معيقات أو دفع أي مبالغ سوى رسوم رمزية حسب شروط الوزارة".
وأضافت: "أما عند تخرج الطالب/ـة مع وجود مديونية للجامعة، فلا تسلمه/ـا الجامعة الشهادة"، مستدركةً: "لكننا بالمقابل، ندرس بعض الحالات بشكل فردي، ونقدم تسهيلات، وآليات تقسيط كبيرة ومتفاوتة من أجل تسهيل عملية الدفع".
وهذا الأمر -حسب الجامعة- ينطبق على الطلبة أنفسهم، أو على أية جهات تعمل على تمويل تعليمهم، مردفةً بالقول: "أي طالب يواجه مشكلة خاصة، يمكن أن يتم التواصل معه بشكل خاص لإيجاد الحلول المناسبة".
وأوضحت الجامعة في سياق ردها، أن أي تأخير بسداد الأقساط من قبل أي جهة كانت، له تأثير سلبي كبير ومباشر على القدرة المالية للجامعة؛ "بيرزيت جامعة غير ربحية وتعتمد على التمويل الذاتي، الذي يأتي بشكل أساسي من أقساط الطلبة".
ولم تتأخر الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم العالي بدفع أقساط طلبة متفوقين وحسب، إنما لم تحول لمن هم من الفئة الأولى (منحة دراسية وبدل نفقات معيشة) المبلغ المقطوع لهم سنويًا لنفقات المعيشة وهو ما حصل للطالبة سهى (اسم مستعار).
حصلت سهى على منحة الرئيس (الفئة الأولى) في العام 2020م، لكنها لم تحصل على بدل النفقات بعد، ولم تحصل حتى تاريخ 30-9-2024م على قسط الفصل الأول الذي دفعته بناءً على طلب جامعتها على أن يكون مُستردًّا من التعليم العالي.
يُشارُ إلى أنَّ سهى تخرجت من الجامعة، لكنها حتى إعداد هذه المادة لم تتوجه لأخذ شهادتها، وبالتالي لا يُعرف ما إذا كانت ستواجه المشكلة نفسها التي واجهتها فاطمة وتقى أم لا.
"التعليم العالي": الأزمة المالية التي تواجهها السلطة، تسببت بتأخر تحويل المستحقات المالية من وزارة المالية لجميع الطلبة.
شادي الحلو الوكيل المساعد لشؤون التخطيط ومدير عام المنح والخدمات الطلابية في وزارة التربية والتعليم العالي، أكّد أنه "بمجرّد صدور نتائج الثانوية العامة في كل عام، يتم تحديد الطلبة المستفيدين من المنحة من قبل الوزارة، بناءً على الفئات التي حددها القانون"، ويقصد (قرار بقانون وزير التعليم العالي رقم (7) لعام 2012م بشأن منحة رئيس دولة فلسطين للطلبة الأوائل في الثانوية العامة).
وقال: "يقضي القرار بتغطية الأقساط الجامعية، بالإضافة لمبلغ 300 دينار في الفصل النظامي العادي كبدل معيشة، و150 دينار في الفصل الصيفي ضمن الشروط والتعليمات الواضحة للفئة الأولى".
وعلى هذا الأساس تراسل الوزارة الجامعات الفلسطينية بقوائم أسماء الطلبة المستفيدين من منحة الرئيس، وتقدم تعهدًا ليتم صرف أقساط الطلبة المشمولين بالمنحة، عند توفر المستحقات المالية من وزارة المالية.
وحسب الحلو، فإن الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، تسببت بتأخر تحويل المستحقات المالية من وزارة المالية لجميع الطلبة، قائلًا: "تراسل الوزارة الجامعات من أجل تخريج الطلبة المشمولين بالمنحة رغم الديون في رصيدهم، إلا أن بعض الجامعات لا تتجاوب، وتصر على عدم تخريج أي طالب دون دفع الديون المستحقة على وزارة المالية"، وحينها، يضطر الطالب إلى دفع هذه الديون ليتمم إجراءات تخرجه.
وحول دفع القسط الأول من أقساط الطالب المتفوق (حالة سهى) "فإن هذا يتعلق بسياسة الجامعات لا بسياسة الوزارة" وفقًا لما أوضحه الحلو، الذي أشار إلى أن الوزارة تدفع الأقساط حسب الأقدمية، "ودور الدفع الآن لدفعة طلبة سنة أولى 2019م، الفصل الأول".
بمعنى أن طلبة دفعات: 2020م، و2021م، و2022م، و2023م، و2024م، لم يأتِ دورهم في دفع أقساطهم والديون المستحقة في حساباتهم الجامعية، وأن أمامهم المزيد من السنوات لتقوم وزارة التعليم العالي بتسديد أقساط منحتهم.
ويزيد الحلو: "تحاول الوزارة الضغط على الجامعات من أجل تسهيل تخرج هؤلاء الطلبة"، مؤكدًا أن كافة معاملاتهم، وكافة المرفقات والمعززات المطلوبة موجودة في ملفاتهم، ولا يوجد أي وثيقة ناقصة لأي طالب/ـة.
ويكمل: "تتم متابعة الملفات بشكل مباشر مع الطلبة من أجل تسليم كافة الوثائق، وهي محملة على أنظمة وزارة المالية، بانتظار أن تقوم وزارة المالية بصرف المبالغ المطلوبة وتحويلها للجامعات".
"المالية": نحوّل مبلغًا شهريًا منتظمًا لحساب وزارة التربية والتعليم العالي، التي بدورها تصرفه للطلبة المتفوقين.
وأوضحت وزارة المالية، على لسان المحاسب العام محمد ربيع، بأنها تحوّل مبلغًا شهريًا منتظمًا لحساب وزارة التربية والتعليم العالي، التي بدورها تصرفه للطلبة المتفوقين.
وأكد أن الوزارة لا تتدخل في الإجراءات الفنية المتعلقة بطريقة الصرف، "فموضوع منح المتفوقين هو من اختصاص وزارة التعليم العالي، التي تحدد الفئات المستحقة بناءً على أولويات مثل الأقدمية والطلبة الذين علقت شهاداتهم" يضيف.
وفي حديث خاص لـ "نوى"، أشار ربيع إلى أن وزارة المالية رفعت في الأشهر الأربعة الأخيرة قيمة منح المتفوقين من 100 ألف دينار إلى 300 ألف دينار شهريًا. وتأتي هذه الزيادة على حساب القطاعات الأخرى، حيث تولي المالية أهمية كبيرة لدعم منح المتفوقين في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني.
وزارة المالية رفعت في الأشهر الأربعة الأخيرة قيمة منح المتفوقين من 100 ألف دينار إلى 300 ألف دينار شهريًا!
وحسب وزارة المالية، فإن حجم المتأخرات المتراكمة ضمن بند منح المتفوقين يصل إلى نحو 6 ملايين دينار، مشيرةً إلى أن تراكم هذه المبالغ ناتج عن الأزمة المالية التي تمر بها الحكومة.
يُذكر أن هذا المبلغ سيزداد مع تسجيل المزيد من الطلبة المتفوقين في الجامعات الفلسطينية، مما يعني أن تسديده سيستغرق نحو سنتين، بالإضافة إلى الطلبات الجديدة للسنوات القادمة، بشرط أن تظل الوزارة ملتزمة بالدفع بشكل منتظم.
وتواجه السلطة الفلسطينية منذ أكثر من 10 سنوات مديونية عالية وفق بيانات وزارة المالية، حيث تسلمت الحكومة الفلسطينية الجديدة مهامها بمديونية عامة تجاوزت 11 مليار دولار، بعد إضافة الديون المستحقة لهيئة التقاعد العامة وديون المؤسسات المصرفية الخارجية، إلى جانب متأخرات للموظفين العموميين، ومتأخرات مستحقة للموردين ومقدمي الخدمات، وديون البنوك المحلية.
وقد تتفاقم هذه الأزمة مع استمرار "الإبادة" التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بحق قطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس.
"استمرار هذه الحالة سيساهم في التأثير سلبًا على نفسية الطلبة ومستقبلهم، خصوصًا في حال تأخر إصدار شهاداتهم الجامعية".
ويُفقد تعطيل وتأخير دفعات أقساط الطلبة المتفوقين المشمولين بالمنح الحكومية المنحة جوهرها، الذي يتمثل في التشجيع على تحقيق التفوق، وإعفاء ذوي الطلبة من الأعباء المالية.
ويشير طاهر المصري، الباحث القانوني في دائرة الرقابة على السياسات والتشريعات الوطنية في الهيئة المستقلة، في هذا السياق، إلى أن المنح الحكومية للطلبة المتفوقين في الجامعات المحلية يجب أن تتبع نظامًا واضحًا يحدد شكل العلاقة بين الطالب والحكومة المانحة، "وكذلك العلاقة بين وزارة التعليم العالي والجامعات، سواء كانت حكومية أو أهلية أو خاصة".
ويقول: "إن غياب آلية واضحة لتنظيم هذه العلاقات يترك الجامعات في وضعٍ ضعيف، حيث لا يمكنها إلزام الحكومة بدفع المستحقات المترتبة عليها"، مؤكدًا أن استمرار هذه الحالة سيساهم في التأثير سلبًا على نفسية الطلبة ومستقبلهم، خصوصًا في حال تأخر إصدار شهاداتهم الجامعية.