الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في مطلع العام الماضي 2023م، افتتحت الشابة آية الشيخ دكانًا صغيرًا لصنع وبيع باقات الورد قرب جامعة القدس ببلدة أبو ديس شرقي مدينة القدس.
في تلك الفترة، كانت آية مفعمة بالبهجة، تستبشر خيرًا بالإقبال على المحل بعد ظروفٍ صعبة عاشتها في ظل انعدام الفرص.
تقول لـ"نوى": "كنتُ أطمح لمساعدة عائلتي، والمساهمة في توفير مستلزماتها، وهذا ما شجعني على البدء"، متابعةً: "كان الإقبال في البداية ضعيفًا، لكن مع بدء احتفالات التخرج، وعرض المشاريع الخاصة به تحسن الوضع قليلًا، وازداد الإقبال من طرف الطلبة والأهالي على حد سواء".
لم يلبث مشروع آية أن رأى النور، وبدأت تقطف ثماره حتى جاء السابع من تشرين أول/ أكتوبر، وأعلنت إسرائيل عدوانها على غزة، المتواصل للعام الثاني على التوالي.
آية التي تسافر مسافة طويلة بين بيتها في بيرزيت ودكانها في بلدة أبو ديس، قطع الاحتلال طريقها عشية الحرب، وأغلق كافة الشوارع والحواجز بين رام الله والقدس، ليصبح وصولها إلى هناك مستحيلًا.
حاولَت آية حل المشكلة بتوظيف شابة في محلها إلى حين انفراج الأزمة، ولكن سرعان ما جاء قرار الجامعة بتحويل الدوام إلى دوام إلكتروني، وانقلبت البلدة التي تعج بالطلبة والناس من كل حدب وصوب إلى قرية موحشة، شوارعها معزولة وشبه خالية.
ورود آية ذبلت، وأصبح مشروعها طي النسيان. "لكن الحكومة وحدها بقيت متيقظة لمحاولاتي البقاء، فظلت تعد رسومًا وضرائب على محلي المغلق، الذي أدفع إيجاره حتى اليوم بسبب عدم امتلاكي المال اللازم لدفع الإيجار المتراكم وإخلاء المحل، وإيقاف هذا النزيف المالي" تخبرنا.
وتزيد: "حتى المعارض والبازارات التي كنا نشارك فيها سابقًا، وكانت تُحسّن من دخلنا كنساء صاحبات مشاريع، لم تعد موجودة بعد الحرب. تُرِكنَا وحدَنا، لا مؤسسات داعمة ولا حكومة ولا نقابات ولا أي جهة تفكر بنا! تتراكم علينا الديون وليس بيدنا أي حيلة".
وتطالب الشيخ بتوفير تسهيلات وفرص لأصحاب المشاريع الصغيرة وخاصة النساء اللواتي يكافحن للبقاء في ظل الظروف الصعبة، "فالمشاريع الصغيرة هي عصب الاقتصاد الفلسطيني وانهيارها معناه انهيار الاقتصاد" تعقب.
آية ليست وحدها، فهناك المئات وربما الآلاف من النساء اللواتي يعشن نفس الظروف، ويحاولن تسويق منتجاتهن في ظل ضعف القدرة الشرائية بعد اندلاع الحرب، تحت مبرر أن المنتجات التي يصنعنها ليست ضمن سلم أولويات العائلة.
عدالة قعد صاحبة مشروع صابون "لافندر"، التي تصنع صابونًا علاجيًا ومقشرات وكريمات للجسم، تأثر مشروعها أيضًا بالظروف التي يعيشها الناس في الضفة الغربية بعد العدوان على غزة، خاصة بعد تعطل عمال الداخل الذين كانوا يحركون السوق نظرًا لارتفاع مستوى الأجور، التي كانوا يتقاضونها.
وإلى جانب مشروع الصابون الخاص بها، تملك قعد مشروعًا آخر لصنع المخللات البيتية، كانت قد بدأت به عام 2017م.
هذان المشروعان كانا يشكلان مصدر دخل رئيس لعدالة وعائلتها، التي تنحدر من بلدة أبو قش قضاء رام الله.
تقول لـ"نوى": "كنت أسوق منتجاتي "أونلاين" (عن بعد)، وأيضًا من خلال البيع في البازارات، وكانت الأمور جيدة، ولكن بعد الحرب اختلفت الأمور بشكل كبير وأصبح البيع لدينا بمعدل صفر".
تتابع: "في الشهرين الأخيرين نُظّمَت بعض البازارات والمعارض من قبل بعض الجهات والمؤسسات، لكنها لم تكن مُجدية ماليًا، لأن الإقبال على الشراء ضعيف جدًا، وفي نفس الوقت أرضيات المعارض مرتفعة".
ومضت تقول: "حتى ما قبل الحرب كنا نتعرض لاستغلال كبير من قبل القائمين على البازارات، وكانوا يفرضون علينا أسعار أرضيات مرتفعة، لكننا كنا نقبل بذلك لأنه مصدر رزقنا الوحيد"، مردفةً: "كان البيع آنذاك جيد، ويغطي الأرضية ويحقق الربح، أما اليوم فلا يوجد بيع ولا يوجد إقبال، بالتالي من غير المنطقي أن تستمر هذه الأسعار مقابل الأرضيات، في ظل عدم وجود بيع".
قعد التي أسست مجموعة خاصة لصاحبات المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، تؤكد أن حالها حال عشرات النساء اللواتي يمكن القول إنّهن فقدن مصادر رزقهن بشكل كامل بعد الحرب.
"حتى أن بعضهن استغنين عن المشروع، وبعن المعدات التي يملكنها، نتيجة الظروف التي خلقتها الحرب، وعدم مد يد العون لهن من أي جهة حكومية أو غير حكومية، واستمرار استغلال أصحاب البازرات لهن" تقول.
وطالبت قعد الجهات المسؤولة بالوقوف إلى جانب صاحبات المشاريع الصغيرة، ودعمهن بكل الوسائل الممكنة، "فاستمرار هذه المشاريع وبقاؤها مهم للاقتصاد الفلسطيني، وهو في نفس الوقت يساعد على إضعاف المنتجات الإسرائيلية في السوق، واستبدالها بمنتجات فلسطينية ذات جودة عالية، ومصنوعة بأيدي نساء ماهرات ومكافحات".
وفي ظل استمرار صمت وزارة العمل في الحكومة الجديدة، التي ترفض التعاون مع الإعلام بأي شكل كان، لم نستطع مواجهتها لمعرفة الخطة التي وضعتها لإنقاذ المشاريع الصغيرة في ظل استمرار الحرب إلى يومنا هذا.
يسرى خضور رئيسة نقابة العاملات في الأشغال اليدوية والتطريز بمحافظة القدس، وعضو أمانة عامة في الائتلاف النقابي لعمال فلسطين، أوضحت أن النقابة تعي تمامًا حجم المأساة التي تمر بها صاحبات المشاريع الصغيرة منذ بدء الحرب على غزة حتى اليوم.
وقالت: "لقد حاولت النقابة عدة مرات تنفيذ معارض بالشراكة مع جهات ومؤسسات مختلفة، إلا أن الإقبال على هذه المعارض ضعيف جدًا بسبب الوضع الراهن، وسوء الأحوال المعيشية بشكل عام في الضفة الغربية".
"أي جهة حكومية أو خاصة أو أهلية، لم تقدم أي مساعدة سواء للنقابة أو المنتسبات فيها لمساعدتهن على الصمود أمام الأزمة التي تعصف بمشاريعهن".
وبينت أن أي جهة حكومية أو خاصة أو أهلية، لم تقدم أي مساعدة سواء للنقابة أو المنتسبات فيها لمساعدتهن على الصمود أمام الأزمة التي تعصف بمشاريعهن.
وأضافت: "نأمل أن يتم دعم المشاريع النسوية حتى لا تضطر المزيد من النساء لإغلاق مشاريعهن، وقد طالبنا مرارًا عبر وسائل الإعلام المختلفة بالنظر للمشاريع النسوية كونها تعيل أسرًا بأكملها، وتساعد على التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء".