غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"لفت عليه المظلة وضربت رأسه ورقبته حتى غرق بدمائه" قالتها والدة الطفل سامي عياد وبكت.
بدأت تروي بحرقة ما حدث مع طفلها ابن السنوات الثلاث، في التاسع عشر من أكتوبر/ تشرين أول الجاري، عندما غاب عن الحياة أمام ناظريها، دون أن تستطيع حمايته بعد أن سقط مظلة المساعدات على جسده، فأردته على الفور قتيلًا!
بدأت الحكاية، عندما أسقطت بعض طائرات المساعدات، مظلات تحمل صناديق غذائية، فوق منطقة مواصي خانيونس، جنوبي قطاع غزة، لتصيب إحداها جسد سامي الغضّ، الذي كان يتناول فطوره أمام خيمة عمه.
تقول أمه: "في ذلك اليوم، استيقظ مبكّرًا، وطلب مني أن أجهز له سندويشة جبنة وكاسة شاي، ولمّا جهّزتهما له حملهما فرِحًا، وذهب إلى خيمة عمه، وجلس على بابها".
فجأةً -تكمل الأم- بدأت المظلات بالتساقط، وكان الناس يتسابقون نحوها للحصول على ما يسد رمق عوائلهم، "في تلك اللحظات، ركضتُ لأنظر إلى سامي، فوجدته على حاله يتناول طعامه فاطمأن قلبي".
لكن الصدمة الكبرى كانت عندما لفت ظهرها، ثم عادت بنظرها نحوه، فوجدت مظلة المساعدات قد سقطت على جسده. تقول: "لف الهواء المظلة على جسد ابني. كنتُ أقف أمامه ولم أستطع الركض نحوه، لكنني رأيت كل شيء. وقفت متسمّرة مذهولة، لا أعرف هل أحلم أم أن ما يحدث حقيقة".
حمل جد الطفل سامي جثمانه وهو ينزف، فهرعت الأم نحوه تصرخ: "ابني مات!"، وبرغم أنه حاول تهدئتها وأخبرها أنه مصاب برضوض فقط، كان شعورها أقوى وأسرع. قالت له بصوتٍ يحتضر: "والله مات يا عمي".
تردف الأم الثكلى بأسى: "الحمد لله على قضائه وقدره. نجا ابني طوال عام من الحرب، لكن الله كتب لي أن أفقده بهذه الطريقة".
اضطرت أم سامي للنزوح من بيتها في مدينة غزة إلى جنوبي الوادي كي تنقذ طفليها من شبح الموت، لكنها لم تعلم أنها ستذوق مرارة الفقد والغياب الأبدي في آن واحد، "وبسببٍ غير متوقع أصلًا".
تقول: نزحت برفقة عائلتي عدة مرات، وقد كبر سامي ووعى على الحياة في خانيونس، حتى حينما حاصرنا الجيش الإسرائيلي وأجبرنا على الخروج منها، بكى كثيرًا وأراد الرجوع إليها معتقدًا أنها بيته، وأنها المكان الأكثر أمنًا لمن هم في مثل سنه"، مستدركةً بالقول: "لكنه لم يكن يعرف أنها ستكون مثواه الأخير".
تستذكر والدته: "أثناء الحصار نجى سامي بأعجوبة من إطلاق النار والقذائف العشوائية، حتى أن طفلًا استشهد أمام عينيه، وبقي يهلوس ويراه في أحلامه فترةً طويلة"، متحدثةً عن إنجاب سامي وولادته، حيث جاء إلى الدنيا بعد شقيقه بخمس سنوات، ذاقت خلالها المعاناة أضعافًا.
تعود بذاكرتها إلى ذلك اليوم، عندما عرفت بخبر حملها به، "وقد كنت ذاهبة لأجري عملية زراعة لطفل أنابيب، فأخبرني الطبيب أن لا حاجة لذلك لأنني حامل".
تزيد: "عشت طوال فترة حملي خائفة من خسارته. تناولت الكثير من الأدوية، وبقيت ملازمةً الفراش فترة طويلة خشية أن يصاب بمكروه، هكذا حتى رأيته أمامي وعانقتُ أنفاسه الأولى".
وأما عن سامي، فقد وصفته بقولها: "أشقراني، وعيونه ملونة.. ما شاء الله عليه زي القمر.. الله يرحمه، شهيد بإذن الله"، مردفةً: "كان يجمع الحطب لأطبخ على النار، ويعبئ المياه، وحين يسمع أن تكية الطعام جاءت، يركض ليأخذ الطنجرة ويحضر لنا الأكل". تعقب بقهر: "أسد والله.. ربنا يسهل عليه".