غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"نيران الصاروخ أكلت قدميها، وقلبي" تقول والدة الطفلة إيلياء يونس، وتبكي. تصفُ السيدة مشهد القصف الإسرائيلي لمنزل الجيران الملاصق في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بالمرعب، عندما امتدت ألسنة اللهب إلى حيث تجلس ابنتها، فأمسكت بها، ولم تتركها إلا بعد أن تفحّمت أطرافها السفلية.
على سرير مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، تنام إيلياء ابنة الأعوام الأربعة، وقد لفّ الأطباء قدميها بالشاش الأبيض، غير مدركة بأن واحدةً منهما بُترت، والثانية ستتبعها بعد أسبوع لسوء حالتها، وعدم استجابتها للعلاج.
تخبرنا أمها: "أصيبت بحروق في قدميها من الدرجة الرابعة، وحين وصلت المستشفى قرر الأطباء بترهما لكن والدها رفض"، مردفةً: "من حرقة قلبه عليها. طفلة حبيبتي، وقدامها مستقبل".
وأضافت: "خلال تلك الفترة كانت تتلقى المضاد الحيوي والمسكنات فقط كعلاج، وقد استجاب الأطباء لرغبة والدها، وقرروا الانتظار على أمل أن تتحسن، لكن الصاروخ لم يترك لهم خيارًا".
تتابع: "فقدت إيلياء الإحساس بقدمها اليمنى، وبدأت رائحة كريهة تصدر منها، ثم تغير لونها للأسود، وهنا استسلم زوجي لفكرة أن العظم مات، وأن جميع الأنسجة تهتكت".
اضطُر الأطباء لإدخال إيلياء غرفة العمليات لإجراء عملية البتر، استغرقت عمليتها 4 ساعات متواصلة، وانخفض دمها ليصبح 7. وضع لها الأطباء بالبداية أربع وحدات دم، ثم تلاها 8 أخريات.
"تعاني ابنتي من مضاعفات أبرزها التعب وارتفاع درجات الحرارة وفقدان الشهية، ناهيكم عن خوفها من كل شخص يرتدي الأبيض، على اعتقاد أنه طبيب".
تزيد السيدة التي لم تتوقف دمعاتها عن الانهمار: "قرر الأطباء بتر القدم اليسرى بعدما تفشت بها الحروق، ووصلت لنفس الحالة التي وصلت إليها اليمنى، لذلك حددوا موعدًا لبترها الأسبوع القادم".
ليس الألم فقط أن تفقد قدميك، بل الوجع الحقيقي حين تكتشف أنه لا علاج ولا مستلزمات صحية متوفرة لتضمد جرحك!
ما الذي تعانيه إيلياء الآن؟ تجيب والدتها: "لا يوجد شاش أبيض في كل مشافي القطاع. نبحثُ عنه كل يوم في كل مكان ولا نجد".
وتردف: "تعاني ابنتي من مضاعفات أبرزها التعب وارتفاع درجات الحرارة وفقدان الشهية، ناهيكم عن خوفها من كل شخص يرتدي الأبيض، على اعتقاد أنه طبيب، تراه قادمًا فتخبئ وجهها تحت الغطاء".
ليس ذلك ما تعانيه إيلياء فحسب، بل تعاني من حروق في يديها، بينما وضع لها الأطباء في إحداهما "بلاتين".
وضع الفتى ضياء العديني (15 عامًا)، لم يكن أقل صعوبة، وهو الذي كان يسلي نفسه بلعب "ببجي" داخل مقهى شرقي ديرالبلح، وسط قطاع غزة، قبل أن يفقد ذراعيه بصاروخٍ سقط، ولم يسأل كما حلمًا قتَل!
يقول: "حين سقط الصاروخ أغمي علي، وحين استيقظت نظرت فوجدت نفسي بلا يدين! والشظايا تملأ جسدي، ودمي ينزف. مشيتُ مسافةً دون أن أدرك ما الذي حصل لي كي يراني المسعفون وينقذونني".
وصل ضياء مستشفى شهداء الأقصى، فبتر الأطباء يده اليسرى أمام عينيه مباشرة، ودون تخدير، يعلق بقوله: "كان الجلد فقط ما يمسك يدي، فبتره الطبيب بالمشرط. ولشدة الألم في كل أنحاء جسدي، لم أشعر بالوجع".
أربع ساعات أخرى قضاها ضياء في غرفة العمليات، يجري له الأطباء عملية لبتر يده اليمنى. ويتابع: "حين بترها الأطباء لفوها ببلوزتي ووضعوها على بطني، فأخذتُ أصرخ باكيًا: "ارفعوها عني، الله يخليكم".
"اشتريت كاميرا وكنت أصور فيها طبيعة الحياة في غزة خلال الحرب. كنت وما زلت بحب التصوير كثير، وكان حلمي أكون من المصورين المعروفين".
لم يتمالك ضياء شعوره حين خرج من العملية فوجد يديه مبتورتين، وقال بقهر ووجع: "يا الله والله نفسي أكمل تعليمي"، ثم بكى حتى غلبه النوم.
قبل شهر من الإصابة، بدأ ضياء طريق تحقيق حلمه، لكنه لم يكن يعلم أن الاحتلال سيغتال ذلك الحلم ويحرمه منه للأبد، يخبرنا: "اشتريت كاميرا وكنت أصور فيها طبيعة الحياة في غزة خلال الحرب. كنت وما زلت بحب التصوير كثير، وكان حلمي أكون من المصورين المعروفين".
ريهام الشامي (34عامًا) تعيش هي الأخرى الوجع ذاته، إذ لم يكتفِ الاحتلال بقتل جميع أفراد عائلتها، بل أفقدها قدمها اليمنى، ولا تزال تعاني من "البلاتين" الذي زرعه الأطباء بقدمها اليسرى.
تقول لـشبكة "نوى": "خرجتُ من تحت الركام وقدمي مبتورة. وضعوها في حضني، وكانت هذه أصعب لحظات حياتي".
تضيف: "قدمي الأخرى كان وضعها سيئًا جداً، وتوقعت أن يبتروها لكن الحمد لله الله لطف بي".
وتفتقر مستشفيات غزة بشكل كبير للكثير من المستلزمات الصحية اللازمة، مما يهدد حياة المصابين ويضاعف معاناتهم. تقول ريهام: "تحتاج قدمي لعمليات عدة، لا سيما وأنني أعاني تهتكًا في الركبة وتهتكًا في العظم، وبحاجة كبيرة لتغيير مفصل وزراعة عظم ووضع بلاتين بداخلها".
لا أمنيات كبرى تتمناها ريهام، فقط "نفسي أروح على الحمام لحالي.. نفسي بس أتحمم"، قالتها ريهام وبكت.
أربعة أشهر، وريهام على سرير مستشفى شهداء الأقصى بلا علاج، تروي: "أعاني من مشاكل في الأمعاء ويصيبني الإمساك، ناهيكم عن عدم قدرتي على الحركة حتى أصابتني القرحة"، تردف: "أتعب كثيرًا دون نتيجة".
لا أمنيات كبرى تتمناها ريهام، فقط "نفسي أروح على الحمام لحالي.. نفسي بس أتحمم"، قالتها ريهام وبكت.
وتطالب ريهام كغيرها من مبتوري الأطراف في قطاع غزة، جميع المؤسسات والمنظمات الدولية بمساعدتها للسفر إلى الخارج لاستكمال علاج وتركيب أطراف صناعية، كي تتمكن ممارسة حياتها بشكل طبيعي "قدر المستطاع" تختم.