غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"بتمشيش"، هذه الكلمة العامية التي تُنطقُ بإضافة الشين الأخيرة كنايةً عن النفي باللهجة الفلسطينية، صارت مرتبطةً في أذهان كل من يسمعونها في أسواق قطاع غزة بالعشرة شواقل الحديدية، وتعني أنها "غير مقبولة"!
صارت كلمةً معتادة يسمعُها كافة سكان قطاع غزة، من أصحاب البسطات والتجار، عندما يمدُّ أحدهم يده بهذه القطعة النقدية، دون أن يعرف سببًا لهذا الإجماع الغريب، في ظل الحرب والنزوح، وإغلاق المعابر، وعدم خروج أو دخول العملات من وإلى القطاع، من السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي. أول أيام الحرب على غزة.
أمام بسطة فواكه، وقف المواطن لؤي بصل، وقد استشاط غضبًا عندما رفض البائع أخذ المبلغ منه ثمنًا لتفاحتين اشتراهما لأمه. يقول: "أخبرني أن على أطرافها نقاط سوداء، وهي غير مقبولة عند أحد من التجار"، متابعًا بانفعال: "هذه حربٌ أخرى نعيشها كل يوم. حربٌ أصعب بكثير من تلك التي يكون فيها الموت نهاية الحكاية".
ويكمل: "لدي 200 شيكل من العشرات، كلها مرفوضة، سواءً من قبل المواطنين، أو أصدقائي الذين يخشون أن يأخذوها مني فلا قبل بها الباعة والتجار"، منبهًا إلى أن عشرات كثيرة يمتلكها لا توجد بها أي عيوب، "إلا أنها موضة ومشيت" على حد تعبيره.
وأوضح أنّ عملة 10 شيكل التي يظهر عليها نقاط سوداء، باتت تُشكل هاجس خوف لدى الكثيرين، بسبب ادعاء البعض بأنها مُزيفة ويجب الحذّر منها، متسائلًا: "وين بدي أصرف كمية العشرات هذه؟ ليس لدي فرصة عمل تجعلني أستغني عنها، ولا أعرف من هو صاحب فكرة رفض تناول هذه القطعة النقدية أصلًا".
"الأمر بات مستفزًا جدًا ولا أحد يُراعي الظروف والحرب التي جردتنا من كل شيء".
وحث الجهات المختصة على اتخاذ قرارٍ فوري يسمح بتداول فئة الـ10 شواقل، وأيضًا العملات المهترئة الأخرى التي خرجت إلى الأسواق، نظرًا لعدم توفر سيولة في غزة.
وتعاني هيا غانم، هي الأخرى من رفض الباعة قبول مبلغ العشرة شواكل منها، وتقول: "الأمر بات مستفزًا جدًا ولا أحد يُراعي الظروف والحرب التي جردتنا من كل شيء".
تضيف السيدة الثلاثينية وملامح الغضب تظهر على وجهها: "راتب زوجي الذي يقطن في شمالي القطاع، أستلمه من شخص يستطيع سحبه من التطبيق البنكي، ولكن أجد بعض النقود عشرات شواكل، ويرفض استبدالها بحجة عدم توفر سيولة".
"هناك من يستغلون الأزمات بتوفر السيولة وصرفها بعملات مهترئة جدًا، نظرًا لعدم وجود بديل".
وتشير إلى أنّها تحاول بقدر الإمكان التسوق بالعشرات الموجودة لديها، في محاولةٍ للتخلص من هذه القطعة النقدية، التي أصبح وجودها في الجيب ثقيلًا على القلب، مؤكدةً أن هناك من يستغلون الأزمات بتوفر السيولة وصرفها بعملات مهترئة جدًا، نظرًا لعدم وجود بديل.
بدوره، يوضح الصحافي الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن أزمة السيولة هي جزء من الحرب الجارية على قطاع غزة، ولا يمكن فصلها عن حالة الدمار والقتل والتهجير والتجويع، "وبالتالي هذا فصل من فصول انتهاكات إسرائيل، بزيادة معاناة المواطنين في قطاع غزة".
ويقول: "نرى المعاناة في الأسواق خلال تداول العملات، والخلافات حولها، بل أصبح هناك نوع من الاستياء لدى المواطنين بسببها"، مشيرًا إلى أن السيولة هي عصب الاقتصاد "وبدونها لا يمكن للمعاملات التجارية أن تتم".
وبالنسبة للحلول، يشدد أبو قمر، على أن الحل يكمن في أن تقوم سلطة النقد بدورها باعتبارها البنك المركزي الفلسطيني، فتضغط على الاحتلال لإدخال الأموال التي تنقص الأسواق، وإخراج العملة التالفة، داعيًا إلى إعادة فتح البنوك لأبوابها، واستقبال العملاء، وإعطائهم جزءًا من مدخراتهم للتخفيف من الأزمة.
ونوه إلى ضرورة القبول بالعملة الموجودة إلا لو كانت مزيفة بما لا يقبل مجالًا للشك، "وهذا يقع دوره على دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد"، مشيرًا إلى أن القصة لا تتعلق فقط، بمبلغ العشرة شواقل، "بل هناك عملات أخرى قديمة، تعرض بعضها للتلف نتيجة الاستخدام بكثرة، ونتيجة التخزين السيء بسبب ظروف النزوح، لا يقبلها التجار رغم أنها تحمل نفس القيمة" يختم.