غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"رغم رمادية الواقع، قررتُ العودة لريشتي وألواني" تقول الفنانة التشكيلية علياء نصار لـ"نوى"، وتبتسم قهرًا.
عاشت علياء (28 عامًا) قتامةَ الحرب التي أعلنتها "إسرائيل" على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م بدرجاتها، وأخذت نصيبها من الفقد فيها، عندما دمّر الاحتلال بيتها في حي الكرامة شمالي القطاع، ففقدت أمانها والذكريات، واضطرت للنزوح مرارًا تحت القصف والدمار.
رغم ذلك لم تتوقف عن الإبداع، ووجدت في الرسم على الجداريات والاسكتشات نافذة للتعبير عن آلامها وآمالها، ووسيلة للهروب من دوامة الخوف والقلق التي تحيط بها.
اكتشفت علياء (28 عامًا) موهبتها الفنية في ظل جائحة "كورونا" عام 2020م، عندما فوجئت بنفسها قادرة على صنع أعمال فنية تعكس مشاعرها بأدوات بسيطة، فغدت تُعبّر عن ما يدور في خاطرها عبر اسكتشات فنية متقنة، وجداريات تحكي عن الحياة والوطن السليب.
الحرب الدائرة حتى اللحظة في قطاع غزة، لم تترك لها أي شيء. لقد حولت منزلها بما فيه من لوحاتٍ إلى كومة ركام.
تخبرنا: "هذا ما دفعني للمشاركة في مبادرة رسم الجداريات في المناطق المتضررة، فرسمت غصن الزيتون، وزهرة الثلج رمزًا للأمل الذي لا يموت، وكتبتُ بالقرب منها (نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا)".
وسط الظروف الصعبة، تروي علياء كيف كان الرسم طريقتها في التعامل مع الضغوطات الهائلة التي تعيشها يوميًا: "أشارك في فعاليات الرسم على وجوه الأطفال كجزء من جهود الدعم النفسي، وأفرح كثيرًا عندما أرى البسمة على وجوههم. هذه الابتسامات الصغيرة وسط الخوف والرعب، تعطيني إحساسًا بأنني أفعل شيئًا ذا قيمة".
وفي ظل نقص المواد اللازمة للرسم، تسير علياء مسافات طويلة للبحث عن الأدوات التي تحتاجها، حتى وإن كانت البسطات الصغيرة هي مصدرها الوحيد.
تتابع: "بالفن أهرب من الواقع القاسي، هو أداة لترسيخ هويتي الفلسطينية"، مبينةً أن كل لوحة ترسمها تحمل في طياتها رسائل تتعلق بالسلام والحرية، وتعكس أحلامها وأحلام الشعب الفلسطيني في حياة كريمة وآمنة.
تشرح بالقول: "حينما أرسم السماء أو البحر، أشعر وكأنني أعيش تلك اللحظات التي حُرمت منها. رغم الحصار، ما زال بإمكاني رسم البحر، والزهور، وكل ما يرمز للحياة التي نتوق إليها".
أكثر ما يؤلم علياء، هو عدم قدرتها على زيارة البحر الذي كان بالنسبة لها مصدر إلهام مستمر. تقول بأسف: "تمنيت كثيرًا أن أذهب للبحر، لكن الوضع الأمني صعب، لذلك قررتُ أن أُحضرَهُ إليّ، ورسمته وكأنه أمامي".
وتوضح خلال حديثها أن الفنون هي الجسر الذي يربُط الأجيال بالحاضر والماضي، ويساعد على نقل قصص الشعب الفلسطيني للأجيال القادمة، ورغم الدمار الذي يحيط بها، ترى أن الفن هو طريقتها لمقاومة الإحباط.
"الخراب قد يكون أحيانًا فرصة لتذوق الجمال" تضيف علياء وتبتسم، مختتمةً حديثها بالقول: "الفن هو السلاح الذي لا يمكن لأي حرب أن تدمره، لأنه ينبع من الروح، والروح لا تُهزم".