غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"تعايشنا مع تهجيرنا وكل آلام النزوح، لكننا نجد أنفسنا نموت على مراحل.. نحن أبدًا لا نستطيع التعايش مع أمراضنا" يقول محمد الجبور مبتسمًا بقهر.
تطولُ قصص المرضى الفلسطينيين تحت حرب "الإبادة". أولئك الذين لم تطلهم الصواريخ وشظايا القذائف، لكن نيران المرض ونقص العلاج ومقومات البقاء على قيد الحياة، تحرق قلوبهم.
ومحمد هو واحد من المرضى الذين يعانون "حساسية القمح"، فيمنع عليه منعًا باتًا تناول أي شيء يحتوي على "الغلوتين"، ومنذ بداية الحرب، لم يستطع الحصول سوى على ثلاثة كيلوجرامات من الدقيق الخالي من الغلوتين. كل ما يتوفر أمامه المعلبات، وهذه أيضًا ضمن أهم الممنوعات.
يخبرنا الرجل الذي يبلغ من العمر أربعة عقود، أنه أصيب بالمرض قبل اندلاع الحرب بأشهر. تغيّر نظام حياته بشكل كلي وبدأ يتعايش مع وضعه الصحي، لكنه لم يتوقع أبدًا أن يُحرم من أهم مكونات العيش في زمن الإبادة، وأن تتم محاربة سكان القطاع بمنع الأغذية عنهم، لا سيما أصحاب الأوضاع الصحية الخاصة.
يضيف: "منذ بداية الحرب حصلتُ على الدقيق مرةً واحدةً فقط. كل ما يتوفر أمامي المعلبات، وبهذه الحالة من الأفضل ألا أتناول شيئًا على أن أضُر جسدي وأُنهِكَهُ أكثر من ذي قبل".
يتابع: "أحاول تجنب الأغذية المقدمة من المؤسسات الخيرية، وأفضل الاعتماد أكثر على الخضار وبعض الفواكه المتواجدة في أسواق جنوبي قطاع غزة، لكن توفيرها يشكل عبئًا ماديًا، لارتفاع أسعارها وتذبذب وجودها نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي دخولها إلى القطاع في كثير من الأوقات، ضمن ما يسميه سياسة الضغط".
وحول مرضه، يوضح الجبور بأن عدم الالتزام بالحمية الغذائية، يعني أن الجهاز الهضمي، أصبح معرضًا للإصابة بالسرطان بشكل مباشر، إذ يتعامل الجسم في هذه الحالة مع الغلوتين على أنه أجسام مشبوهة، فيحاول ضربها ومهاجمتها، متابعًا: "يتحول الحال في الجهاز الهضمي، إلى حربٍ بين جهاز المناعة والأكل، فتتكون خلايا سرطانية بنسبة عالية جدًا".
يشكو الرجل بأن لا أحد يهتم بهذه الفئة من المرضى تحت حرب الإبادة، حتى في أوقات تسجيل بيانات النازحين داخل مراكز الإيواء ومخيمات النزوح، بخلاف أصحاب الأمراض المزمنة الأخرى مثل الضغط والسكر.
وعن حياته قبل الحرب، فقد كان محمد يحرص دائمًا على عدم تناول الطعام خارج المنزل، يجهز الخبز الخاص به بيديه، يغسل الأواني التي يأكل بها بيديه خشية التلوث الذي يضر بجسده كثيرًا، لكنه اليوم يعيش على أنواعٍ محدودةٍ من الخضار ولا يشبع، "بدون الخبز لا أشبع" يختم.