غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"ركض نحوي غارقًا بدمه" هكذا بدأت والدة الطفل عبد الكريم السري (8 أعوام) وصف المشهد. كان أقسى ما مرّت به خلال الإبادة. "كان عبود يلعب أمام الخيمة. لم يكن يحمل صاروخًا ولا قذيفة" تتابع وهي تبكي.
أصيب عبد الكريم بشظايا عديدة اخترقت منطقة البطن، أثناء قصفٍ استهدف مكانًا قريبًا من خيمة العائلة بدير البلح، وسط قطاع غزة، بينما لم تشفع مشقة النزوح لأمه، كي تحمي أطفالها من صواريخ الاحتلال.
في الثالث من سبتمبر الجاري، تمامًا في الساعة الرابعة عصرًا بتوقيت لعب الأطفال أمام خيامهم، كان عبد الكريم يلعب كباقي الأطفال عندما قصفت طائرات الاحتلال بصاروخين منزلًا بجوار الخيمة.
تصف أمه المشهد: "طار عبد الكريم من شدة الانفجار مسافة قريبة، ولم يشعر بما حدث معه، من حلاوة الروح ركض إلي غارقًا بدمائه".
أخذ عبد الكريم ينادي أمه: "يا ماما أنا تصاوبت.. أنا كلي دم"، وسرعان ما طلب منها شرب الماء حتى أُغميَ عليه بين يديها".
تردف: "حملتُهُ وركضتُ به في الشارع، ووضعت قطعة طقم الصلاة على بطنه المليء بالدماء والشظايا، فوجدتُ والِدَه أمامي مصابًا في كتفه، لكنه حمله وركض به للمستشفى".
وصَلَ الطفلُ عبد الكريم مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وكان ينزف بغزارة. في النَفَس الأخير، تقول والدته: "الأطباء فقدوا الأمل بنجاته، وطلبوا منا الدعاء له، وأن نتجهّز لنسمع خبر استشهاده في أية لحظة، حتى لا نصاب بالصدمة".
المأساة والمعاناة الأقسى -وفق أم عبد الكريم- أن تركض بطفلك بين زوايا المستشفى فلا تجد مكانًا تضعه فيه ليتلقى العلاج. وتضيف: "اضطر والده لوضعه على أرضية المشفى، وأجرى له الأطباء الإسعافات الأولية، وحينها كان دمه صفر فوضعوا له سبع وحدات دم".
إلى غرفة العمليات، نقل الأطباء الطفل فخضع لثلاث عمليات، أصعبها "عملية إزالة الطحال من جسده النحيل".
تردف أمه: "أصيب بخمس شظايا ثقبت أجزاءً مختلفةً من بطنه، فاضطر الأطباء لإزالة الطحال، وإزالة الشظايا من المعدة والحجاب الحاجز وتخييطهما".
أما الذي لم تتوقعه، أن يصعُبَ على الأطباء إزالة باقي الشظايا، ذلك لانعدام الأدوات الطبية اللازمة، خاصةً في ظل استمرار إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح البري، الذي يعدُّ الشريان الرئيسي للقطاع.
تخبرنا: "لم يتمكن الأطباء من إزالة شظية تحت القلب مباشرة، وأخرى في بطنه".
تسعة أيام، وعبد الكريم يمكث في المستشفى على حافة الموت. لم يتناول خلالها طعامًا ولا شرابًا. بقي مربوطًا بأنابيب المحاليل طوال الوقت، كل ما يتلقاه من العلاج فقط، المضاد الحيوي والمسكن.
بعدها، أخبر الأطباء أمه بأن علاج الطفل غير متوفر بكل مستشفيات القطاع، ويجب تحويله للخارج في أسرع وقتٍ لتلقي العلاج.
حشرجةٌ خنقت صوتها، فبكت وزادت: "ابني بموت بالبطيء، وما حدا حاسس فيه"، ثم أردفت متسائلة: "شو ذنبه طفل صغير ينحرم من طفولته؟".
يعاني الطفل عبد الكريم من التعب والإرهاق الشديدين، لا يستطيع المشي، وظهره لا يسنده باستقامة. يتعب كثيرًا، ناهيكم عن اصفرار وجهه وتغيبه عن الوعي بين الفينة والأخرى".
"أخبرني الأطباء بأن نسبة شفائه ونجاح العملية إذا سافر للخارج 90%"
تعقب: "عبد الكريم محرومٌ من اللعب كباقي الأطفال. لقد أصبح عصبيًا بشكل مرعب، وحين يطلب شيئًا يحطم كل شيء حوله، ويتخبّط من الوجع، فأتركه حتى يهدأ"، مطالبةً جميع المؤسسات المعنية بإنقاذ طفلها، وسرعة إجلائه خارج القطاع؛ ليكمل علاجه.
تتابع بلهفة المحتاج: "أخبرني الأطباء بأن نسبة شفائه ونجاح العملية إذا سافر للخارج 90%". مسحت على رأسه وابتسمت وهي تتمتم: "يا رب يا ماما، يا رب".