شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاحد 18 مايو 2025م04:06 بتوقيت القدس

كوخٌ من الطين.. الصمود بـ"الفكرة"!

23 سبتمبر 2024 - 14:30

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

ينشغل الخمسيني معتز برزق يوميًا بإضافة لمسات لكوخه الرملي، الذي أقامه على شاطئ بحر خان يونس جنوبي قطاع غزة قبل ما يزيد على شهر.

بعد أكثر من عشرة أشهر من النزوح لدى عائلة صديقه في دير البلح، وامتداد عمر الحرب لما يقارب العام، وجد أنه لا مفر من البحث عن بديل يمكنه مقاومة حرارة الصيف وبرد الشتاء، فلمعت الفكرة في رأسه: بأن يعود إلى حقبةٍ مضت، كان الناس فيها يعتمدون على الطين في تشييد بيوتهم، وكانت بالفعل مقاومة للأمطار وباردة في الصيف.

بأدوات بسيطة، رمال البحر، ومجرفة (كريك)، وأكياس طحين فارغة جمعها من المخابز والأفران، وخشب المشاطيح، وبعض القرميد للسقف، والكثير من الإرادة والعزيمة والجهد الجسدي لشهرٍ كامل، تمكّن برزق من إظهار كوخه الرملي في أبهى صورة.

بمساعدة أحد أقربائه بدأ بتعبئة أكياس الدقيق واحدًا تلو الآخر برمال البحر، ثم عمل على تمهيد تلك الأكياس بأداةٍ حديدية، ومن ثم رصّها بطريقةٍ هندسية تؤمّن ثباتها. صنع جدارًا فآخر، حتى اكتملت حيطان المأوى الأربعة، التي غطى فراغاتها بعدة مواد متوفرة. ولضمان عدم تسرب المياه عبرها، قام بجبل الطين الأحمر ووضعه بين الأكياس.

ألفا كيسٍ مملوء برمال البحر، احتاج الكوخ كي يكتمل، بالإضافة إلى معجون الطين، الذي جعل منه قشرةً خارجيةً للحيطان، تمنع تسرب ماء الشتاء إلى الكوخ.

 ويرى برزق في فكرته التي أصبحت واقعًا، صمودًا عاليًا في وجه المحتل. "وأن الشعب الفلسطيني دائمًا في جعبته المزيد من الخيارات والبدائل، التي تمكنه من الاستمرارية في الحياة ومواجهة الظروف، لا سيما في ظل انقطاع موارد البناء".

غطى برزق سطح كوخه الرملي بالقرميد البلاستيكي، لأنه أراد أن يضفي جماليةً على الكوخ، تعطي دفعة للآخرين لتنفيذ الفكرة، لكنه أشار إلى أنه ليس شرطًا في البناء. "ويمكن استبدال ذلك بالجلد أو الطين ذاته".

من الداخل يعكف برزق على طلاء الأكياس الرملية أيضًا بالطين، ويطمح أن يتمكن من إضافة الجبس إن تمكن من توفيره.

كوخ برزق عبارة عن غرفة صغيرة، ومطبخ وحمام، حرص على أن يكون شبيهًا قدر الإمكان بالمطابخ العصرية، من حيث توفر صنبور المياه والحوض، وباقي المرفقات وفق ما هو متاح.

اضطر برزق أن يستخدم المفكات اليدوية التي تحتاج إلى جهدٍ عضلي، في الوقت الذي لا يستطيع فيه توفير مقدح كهربائي، أو حتى كهرباء يمكنها تسهيل المهمة، كما أن العمل يقتصر في تجهيز الكوخ على ساعات النهار لذات السبب.

يصف برزق العمل في بناء الكوخ، بأنه كان يبعث الأمل في داخله بأن الغد قد يحمل في جنباته الأفضل، رغم أن عامًا قد اكتمل، والمحرقة بحق البشر والحجر والشجر في قطاع غزة ما زالت مستمرة.

يقول: "كان حلمي منذ الصغر أن امتلك كوخًا بالقرب من شاطئ البحر الذي يعني لي الكثير، فمنه أمتد بالقوة، والأمل، وأنا فخور بأنني نجحت في تحقيق هذا الحلم حتى لو كانت ظروف النزوح هي من أجبرتني على ذلك".

أمام كوخه الممزوج بالطين وأكياس الرمل، أقام برزق بذات الطريقة جدارًا قصيرًا، لصد أي مد لموج البحر مع اقتراب فصل الشتاء.

استعاد معتز بعد اكتمال كوخه شيئًا من خصوصيته التي أفقدته إياها الحرب الطاحنة المستمرة منذ عام، التي تركت ما يزيد على مليوني مواطن في قطاع غزة، يهيمون على وجوههم بعد أن فقدوا منازلهم واستقرارهم، واليوم يواجهون خطر غرق خيامهم بمياه الأمطار.

كاريكاتـــــير