الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:
يدرُس وسام أبو هشش، من مخيم الفوار جنوبي الضفة الغربية في مدارس مدينة الخليل منذ كان في أول مراحله التعليمية، إلا أن ما تفعله "إسرائيل" اليوم، لتعطيل العملية التعليمية، لم يسبق له مثيل على حد تعبيره.
يتنقل الطالب في الصف الحادي عشر، يوميًا من المخيم إلى المدينة، إلا أن ذلك لم يكن بهذه البساطة منذ تاريخ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م، "فقد أغلقت قوات الاحتلال المدخل الرئيس للمخيم لفترات طويلة، وفرضت مرارًا حظر تجوال المشاة فيه، ما جعلني أضطر للمبيت عند أقاربي بالخليل لأيام، وهذا الحال استمر طوال العام الدراسي الماضي".
مع بداية العام الدراسي الجديد، انتقل وسام لمدرسة الفوار، حتى لا يعاني ما عاناه خلال الأشهر الماضية، من عذاب المشي لمسافات طويلة، واعتداءات الجنود، التي كانت تصل لحد الاحتجاز والضرب العنيف.
يقول: "في أحد الأيام تعرضتُ للضرب من قبل قوات الاحتلال أثناء عودتي من المدرسة. رموا علينا قنابل الغاز أثناء مرورنا من مثلث الفوار، دون أدنى اكتراث لكوننا طلبة مدارس".
"في أحد الأيام تعرضتُ للضرب من قبل قوات الاحتلال أثناء عودتي من المدرسة. رموا علينا قنابل الغاز أثناء مرورنا من مثلث الفوار، دون أدنى اكتراث لكوننا طلبة مدارس".
ويعدُّ التعليم حقًا محفوظًا في كل دول العالم، إلا في فلسطين، حيث تضرب دولة الاحتلال الإسرائيلية بعرض الحائط، نصوص حقوق الإنسان، والقوانين الدولية، التي تنص على أنه (التعليم) حق لا مفاوضات فيه.
ومنذ بدء العدوان على قطاع غزة، توقفت العملية التعليمية طوال العام الماضي، بينما استمرت في الضفة الغربية، في حالٍ لم يكن أفضل بكثير، بسبب سياسة العقاب الجماعي التي يتبعها الاحتلال ضد الكل الفلسطيني، وعلى رأسها قطع الطرق المؤدية بين القرى والمدن الفلسطينية، وإغلاقها لفترات طويلة، وإقامة الحواجز بمختلف أشكالها فيها تحت ذريعة "الحفاظ على الأمن".
وفقًا لتقارير إعلامية، هناك أكثر من 800 حاجز عسكري ثابت (لا تشمل الحواجز المفاجئة)، وهي متعددة الشكل والنوع بين السواتر الحجرية والترابية، إضافة لنحو 150 بوابة حديدية عسكرية، تفصل القرى والمدن عن بعضها البعض.
فضة هديب، معلمة اللغة عربية في مدارس الفوار، التي تسكن "الهجرة" قضاء مدينة دورا، تقطع مسافةً طويلةً مشيًا على الأقدام، فتغرق في الوحل شتاءً وبالغبار صيفًا، "وعندما يتساهل معنا جنود الاحتلال، يغلقون البوابة الحديدية على مدخل المخيم، ولا يسمحون للمشاة بالسير على الطريق المعبدة، بل في الطرق الترابية البعيدة، التي تسببت بإصابات كثيرة للمواطنين بين كسور وانزلاقات ورضوض، ناهيكم عن إطلاق قنابل الغاز على طول الطريق، وإمكانية إرجاع المارة عبر مكبرات الصوت من البرج المقابل للبوابة" تقول لـ"نوى".
"أول أمس منع الجيش المشاة عن الطريق، فقام مدير التربية بتأمين باصات لنقل المعلمين من البوابة عن طريق الجبل، وهو طريق ترابي وعر وخطر".
وتكمل: "أول أمس منع الجيش المشاة عن الطريق، فقام مدير التربية بتأمين باصات لنقل المعلمين من البوابة عن طريق الجبل، وهو طريق ترابي وعر وخطر؛ للوصول إلى المدرسة، ويوم أمس منعوا السيارات وسمحمو بالمشي فقط من نفس الطريق".
وتضيف: "في الوضع الطبيعي أصل مدرستي في الموعد، إلا إذا حدث شيء ما يضطرني إلى التأخير. وإذا تعرض الطلبة لاعتداءات، نحاول تهدئتهم، أما إذا كان الحدث كبير كإطلاق نار مثلًا، نحاول تأمين عودتهم إلى بيوتهم".
كل هذا أثر بشكل كبير على العملية التعليمية، وأدى الى عدم انتظامها ما بين أحداث ميدانية للاحتلال في نفس المنطقة، وما بين إضرابات لأحداث بالقطاع أو بمدن أخرى في الضفة.
مدير تربية وتعليم مديرية يطا، ياسر محمد، يؤكد أن إغلاق الطرقات بعد السابع من أكتوبر، ترك آثارًا سلبية على العملية التعليمية، وحال دون انتظامها في العديد من المدارس لما يزيد على 45 يومًا متواصلة من الفصل الأول في العام الماضي، "خاصةً مدارس المسافر ومدارس البادية وكذلك المدارس الواقعة ضمن تصنيف ج" يقول.
ويضيف: "هذا زاد من الفاقد التعليمي، بالإضافة لاقتحامات المدن والحواجز العشوائية، التي كانت تنصبها قوات الاحتلال، حيث ظهر الضعف الأكاديمي جليًا لدى الطلبة، وكان هناك تراجع في المستويات" .
ويتابع: "اتخذت وزارة التربية ومديرياتها خطوات للتقليل من تبعات الممارسات الإسرائيلية على صعيد العملية التعليمية، الكارثية، عن طريق التعليم الإلكتروني، الذي لا يمكن أن يعد بديلًا عن التعليم الوجاهي، وإنما مساندًا له"، مشيرًا إلى استثمار وجود الخريجين في بعض المناطق لسد الفراغ الذي تركه غياب بعض المعلمين.
وأكمل: "وضعنا خططًا علاجية في المواد الأساسية، مما ساهم في المحافظة على استمرارية التعليم، رغم الظروف التي كانت تعصف بالوطن".
"يعاني أبنائي ضعفًا تعليميًا لأنهم لم ينتظموا أبدا بالتعليم بسبب كورونا، ومن ثم بسبب الإضرابات، وأخيرًا بسبب أحداث ما بعد السابع من أكتوبر".
ووفقًا لمحمد، فقد اضطر بعض الأهالي للجوء إلى المدارس الخاصة؛ لتعويض أبنائهم تعليميًا، فخالد أبو علي من مدينة يطا، ولي أمر طالبين بمستوى الابتدائية، يقول: "يعاني أبنائي ضعفًا تعليميًا لأنهم لم ينتظموا أبدا بالتعليم بسبب كورونا، ومن ثم بسبب الإضرابات، وأخيرًا بسبب أحداث ما بعد السابع من أكتوبر"، مردفًا بالقول: "لذلك اضطررت ككثيرين غيري لتسجيل أبنائي بمدرسة خاصة؛ لتحسين مستواهم التعليمي رغم التكلفة العالية لذلك".
ولا يقتصر الأمر على إغلاق الطرق، والاعتداء على الطلبة والمعلمين أثناء مرورهم من نقاط التماس، أو عبورهم خط 60، أحد طرق الضفة الغربية الرابطة بين مدينة بئر السبع جنوبًا والناصرة شمالًا، ويمر بمناطق الضفة الغربية كالخليل وبيت لحم والقدس ورام الله وجنين، إنما وصل الأمر الى داخل المدارس، حيث يمارس المستوطنون اعتداءاتهم هناك على الطلبة، والكوادر التعليمية، وليس آخر الأمثلة مدرسة "عرب الكعابنة الأساسية" في منطقة المعرجات شمالي غرب مدينة أريحا.