غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"الوطنُ المُتعَب يُعدُّ حقيبته ويهاجر"، بهذه العبارة بدأ أحمد سالم حديثه عن مغادرته وعائلته الصغيرة قطاع غزة، بعد أن خاض أيامَ ألمٍ ونزوحٍ متكررة لأكثر من عشر مرات، خلال الأشهر السبعة الأولى من الحرب على القطاع.
قرر أن الرحلة انتهت هنا، على الأقل حتى تضع الحرب أوزارها، وأن "سلامة زوجته وابنته الوحيدة" لا تعادل أي تكلفة يمكن أن يتكبّدها من أجل النجاة من تخيّلاته التي قتلته قبل أن تصيبه صواريخ المحتل. "أن أجمع أشلاء ابنتي في كيسٍ بلاستيكيٍ مثلًا" يقول بحرقة.
ويضيف، وهو الذي يقيم في مصر اليوم: "نحن بشر، وتحملنا ما لم يتحمله شعب، بدءًا من توفير المبلغ المطلوب لخروجنا من تحت النار، مرورًا بالعيش لأشهرٍ في خيمة بمواصي خانيونس، جنوبي قطاع غزة، على أمل نشر أسمائنا في كشوفات الخروج، وليس انتهاءً بحربنا الجديدة، بحثًا عن لقمة العيش في الغربة".
وخرج آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة، عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، الذي يُعد البوابة الرئيسة للمحاصرين فيه من أجل النحو العالم. جرحى، وأصحاب جنسيات مزدوجة تم إجلاؤهم، وأناسٌ عاديون، تعاقدوا مع شركات استثمارية بمبالغ هائلة بحثًا عن النجاة بأنفسهم، وعائلاتهم أيضًا.
يكمل سالم: "نحن نخوض حروبًا أخرى عديدة منذ لحظة وصولنا، كتوفير لقمة العيش، وإيجاد مكانٍ للسكن، وغلاء الأسعار وارتفاع الإيجارات مع نزوح الآلاف من الغزيين، الذين تركز معظمهم في مدينَتَي نصر وأكتوبر"، شاكيًا دور السفارة الفلسطينية في مصر، "الذي كان يفترض أن يكون حيويًا أكثر في دعم النازحين (..) ما اكتشفناه أن الدعم شكلي بالكامل، والتعامل استعلائي بوضوح".
ويواجه اللاجئون الفلسطينيون في مصر صنفين من الألم، ألم بعدهم عن ذويهم وأهلهم الذين ما يزالوا يعانون الويلات –والحديث لأحمد- وألم الاندماج في حياتهم "المؤقتة"، التي لا يعرفون لها وجهةً أو نهاية.
ويحاول عشرات آلاف الفلسطينيين الذين خرجوا من قطاع غزة سواء المرضى أو الجرحى أو المواطنين، التأقلم مع تداعيات صدمة الحرب ومغادرة أرض الوطن، فضلًا عن كمية التحديات التي تواجههم سواء أثناء إقاماتهم في بلد جديدة، أو عند اضطرارهم لطلب العون والمساعدة.
"نحن بشر، وتحملنا ما لم يتحمله شعب، بدءًا من توفير المبلغ المطلوب لخروجنا من تحت النار، مرورًا بالعيش لأشهرٍ في خيمة".
الشابّة الفلسطينية ريم بخيت أجبرها مرض التلاسيميا المزمن على مغادرة القطاع، نظرًا لتدهورٍ مفاجئٍ طرأ على حالتها الصحية، بسبب افتقار المشافي للحد الأدنى من إمكانيات العلاج، منذ أول أيام الحرب الإسرائيلية، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول للعام 2023م.
تقول لـ"نوى": "خلال فترة الحرب تدهورت حالتي الصحية ولجأت إلى مستشفى الشفاء لعدم تمكني مع الوصول إلى المستشفى التركي المتخصص، ثم نزحت إلى جنوبي القطاع، ومكثتُ لمدة عشرة أيام في مستشفى دار السلام بخان يونس، التي يتواجد بها أطباء المستشفى التركي، وخلال وجودي اقتحمت دبابات الاحتلال المشفى وأبلغونا بضرورة الإخلاء".
غادرت ريم مستشفى دار السلام قسرًا إلى خيمة عائلتها في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، الأمر الذي انعكس سلبًا على صحتها وأفقدها قدرتها على المشي، واضطرها لاستخدام كرسي متحرك.
وتضيف: "نقلت إلى مستشفى ناصر، الذي قرر الأطباء فيه استخراج تحويلة طبية عاجلة للسفر خارج قطاع غزة، من أجل استكمال العلاج في المشافي المصرية".
انتظرت المريضة مدة ثلاثة أسابيع متواصلة لحين وصول التحويلة الطبية، وصادف أن اسمها نشر في كشوفات المسافرين فترة انقطاع شبكة الاتصالات والانترنت عن قطاع غزة، لكن بعد يومين تمكّن أحد أقارب العائلة عن طريق الصدفة من رؤية اسمي، وأخبرنا بذلك مباشرة".
وبعد انتظار دام ثلاث ساعات داخل الإسعاف المصري لمناقشة المكان المناسب لحالتها، تقرر نقلها إلى مستشفى معهد ناصر في القاهرة؛ لاستكمال علاجها.
وتردف: "بعد أسبوعين من وصولي معهد ناصر، قابلتُ أخصائي أمراض الروماتيزم الذي كان من المفترض أن ينظر في حالتي، وبعد أسبوعين آخرين أجريت تحاليل تشخيصية. لقد استغرقتُ شهرًا كاملًا لمعرفة ما إذا كنتُ أعاني من الروماتيزم أو لا".
ويحاول عشرات آلاف الفلسطينيين من مرضى وجرحى ولاجئين، التأقلم في مصر مع تداعيات صدمة الحرب ومغادرة الوطن، فضلًا عن التحديات التي تواجههم في حياتهم اليومية على الصعد المختلفة.
ووجهت ريم لومها للسفارة الفلسطينية في القاهرة، التي قالت إنها "ماطلت بشكل واضح في نقلها إلى سكن مناسب، بعد شهرٍ كامل من إذن الخروج من المشفى".
وجهت ريم لومها للسفارة الفلسطينية في القاهرة، التي قالت إنها "ماطلت بشكل واضح في نقلها إلى سكن مناسب، بعد شهرٍ كامل من إذن الخروج من المشفى".
وبحسب ريم فإن السفارة الفلسطينية في مصر تقوم بتوفير السكن للمرضى الذين تنتهي فترة علاجهم في المشافي المصرية، مع صرف مبلغ مالي بقيمة 2000 جنيه.
ووفق وزارة الصحة بغزة، فإن نحو 50 مريضًا كانوا بحاجة لمغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح قبل إغلاقه، في السابع من مايو/أيار الماضي.
وتنتظر الشّابة الفلسطينية، وغيرها الكثير من الجرحى والمرضى المتواجدين في مصر، أن تضع الحرب أوزاها ليعود العمل في معبر رفح البري، ويتمكّنوا من العودة إلى قطاع غزة رغم الخراب والدمار وانعدام مقومات الحياة.