الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:
مرّت أيام، ولم يتمكن ذوو وذوات الإعاقة في مخيم نور شمس حتى اللحظة من الوصول إلى مقر الجمعية التي تقدم لهم جلسات العلاج والتأهيل الجسدي والنفسي.
وبرغم انتهاء الاقتحام الذي استمر لنحو 55 ساعة، بدءًا من يوم الخميس المنصرم، الموافق 29- آب/ أغسطس الماضي، إلا أن حجم الدمار الذي خلفته آليات جيش الاحتلال في شوارع المخيم وبنيته التحتية، جعل التنقل بين الحارات والأزقة أمرًا مستحيلًا، لا سيما لذوي وذوات الإعاقة.
الجمعية التي تحمل نفس اسم المخيم، تعج يوميًا -وفقًا لرئيستها نهاية الجندي- بذوي الإعاقة من سكان المخيم، والقاطنين في محيطه وبالقرب منه، بحيث يتابع معهم أخصائيون برامج علاجية وتأهيلية، من شأنها تحسين حياتهم، ومستوى تفاعلهم الاجتماعي، "ثم يأتي الاحتلال، وفي اقتحامٍ واحد يهدم كل ما نعمل عليه منذ فترات طويلة" تقول.
وتتابع بحرقة: "يبثّون الرعب والخوف في نفوس ذوي وذوات الإعاقة، لا سيما الأطفال منهم، ولا يتوانون عن استهدافهم بكل برودٍ أيضًا"، في إشارةٍ إلى ما حدق في الاقتحام الأخير للمخيم، واستهداف قناصة الاحتلال لواحدٍ من ذوي الإعاقة وهو في غرفة منزله، ليصاب برصاصةٍ في رأسه ويرتقي شهيدًا على الفور.
"في كل مرة تُقتحم فيها مخيّمات طولكرم وجنين، تُدمّر الشوارع والبنية التحتية من أجل إعاقة الحياة الإنسانية فيها، وزعزعة صمود الناس".
سبعة اقتحامات شهدتها جمعية تأهيل ذوي الإعاقة في المخيم منذ أُسست حتى يومنا هذا، تخلّلها تحطيمٌ لمحتويات الجمعية، وتدميرٌ للغرف الحسّية التي تحتضن ذوي وذوات الإعاقة وتساعد في عملية تأهيلهم.
تضيف الجندي: "يحاولون جعل المخيم بيئة طاردة للسكان، ففي كل مرة تُقتحم فيها مخيّمات طولكرم وجنين، تُدمّر الشوارع والبنية التحتية من أجل إعاقة الحياة الإنسانية فيها، وزعزعة صمود الناس".
وبيّنت أن الاقتحام الأخير الذي شهده مخيم نور شمس، ركز الاحتلال خلاله على تدمير شبكات المياه.
وحتى لحظة إجراء المقابلة مع رئيسة الجمعية، يوم الأحد- الأول من أيلول/ سبتمبر الجاري، لم تكن المياه قد عادت إلى المخيم بعد، فالأضرار التي لحقت بالشبكة كبيرة جدًا، وستحتاج بلدية طولكرم عدة أيام بعد، من أجل إصلاحها.
وأوضحت الجندي أنه في الاجتياح الأخير وحده، دمّر الاحتلال إلى جانب شبكات المياه والكهرباء وخطوط الإنترنت، 35 بيتًا بشكلٍ كامل، وأحرق سبعة بيوت بمحتوياتها، وفتح البيوت على بعضها البعض من خلال تدمير واجهاتٍ كاملة تربط بين البيوت المتلاصقة في المخيم.
وأشارت إلى الوضع الصعب الذي يعيشه أهالي مخيم نور شمس، "فغالبية العمال فيه كانوا يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، وهم متعطّلون عن العمل منذ شهر أكتوبر الماضي، وحتى اليوم، ويعتمدون على الطرود الغذائية والمساعدات التي توفرها بعض الجهات" تقول، مناشدةً منظمات حقوق الإنسان، ومؤسسات المرأة والطفل وذوي الإعاقة، وجمعية الصليب الأحمر، والوزارات المختصة، والمسؤولين في السلطة الفلسطينية، بأن يلتفتوا إلى مخيمات جنين وطولكرم، ويعملوا على إيقاف الهجمات التي يتعرض لها أهلها بين الحين والآخر من قبل جيش الاحتلال، "وتلبية احتياجات مخيم نور شمس، ومساندة أهله في الكارثة التي يعيشونها" تزيد.
"300 عائلة رحلت عن بيوتها في المخيم بسبب تدميرها بشكل كامل، وقرابة 1200 بيت هدمه الاحتلال بشكل جزئي".
من جهته قال رئيس اللجنة الشعبية في المخيم، نهاد شاويش: "الاحتلال شل الحياة في المخيم بشكل كامل"، مبينًا أن هدفه الرئيس يكمن في الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة.
وأكد أن وتيرة التجريف زادت بشكل كبير جدًا بعد الحرب على غزة، مردفًا بقوله: "في البداية كانوا يجرفون الشوارع الرئيسة، لكنهم حاليًا يجرفون كل الشوارع والأزقة".
ويشير شاويش إلى 300 عائلة رحلت عن بيوتها في المخيم بسبب تدميرها بشكل كامل، وقرابة 1200 بيت هدمه الاحتلال بشكل جزئي، ملفتًا إلى عمليات القصف التي ينفذها الاحتلال عبر طائراته، في ظل الاكتظاظ السكاني الكبير للسكان، "فأي ضربة تقتل المستهدف وغير المستهدف، وأقرب مثال: استشهاد ثلاثة أطفال معًا قبل يومٍ واحد من إجراء المقابلة، نتيجة استهداف المخيم بالقصف".
وأضاف: "اللجنة الشعبية للمخيم تعمل ليلًا ونهارًا من أجل توفير الاحتياجات للسكان، وتتعاون مع وزارة الحكم المحلي والبلديات للعمل على فتح الشوارع، حتى يستطيع المواطنون التنقل ومواصلة حياتهم اليومية".
وتابع: "وصلت مساعدات من الجهات المسؤولة، لكن حجم الكارثة كبير، والاحتياجات أكبر. وهناك بيوت آيلة للسقوط على رؤوس أصحابها. أكثر من 30 اجتياحًا تم تنفيذه منذ بدء الحرب على غزة، وهذا ولَّد حالة دمار شاملة"، مشددًا على ضرورة استنفار كافة الإمكانيات من قبل الجهات المسؤولة، لإعادة الحياة للمخيم، وتعويض الناس ولو بالجزء اليسير عن خسائرهم نتيجة هذه الاجتياحات.
وليست مخيمات طولكرم وحدها تواجه استهداف البنية التحتية، فمدينة جنين التي يجتاحها الاحتلال منذ أسبوع، ويواصل حصارها وإغلاق مداخلها، لم يبقَ فيها حجر ولا شجر، ولا شارعٌ ولا محل تجاري، ولا إشارة مرور إلا وهُدمت أو خُرّبت على أيدي قوات الاحتلال.
"ما فاقم حدّة الأزمة، هو عدم المتابعة والإصلاح المنتظم بعد الاجتياحات السابقة، وهذا أدى إلى عدم وجود منطقة صالحة للمرور والحياة في كل المخيم".
نضال نغنغية رئيس لجنة المتابعة في مخيم جنين، يؤكد أن التركيز الأساسي للاحتلال توجَّهَ نحو استهداف البنية التحتية منذ شهر تموز/يوليو عام 2023م، "أي قبل الحرب على غزة بنحو ثلاثة أشهر"، مبينًا أن مخيم جنين وحده سجّلَ 57 اجتياحًا خلال فترة الحرب التي أعلنتها "إسرائيل" على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي.
وقال: "في كل الاجتياحات السابقة كانوا يهدمون جزءًا، أو يجرفون شارعًا، أو يدمرون مقطعًا من البنية التحتية، ولكن هذه المرة استُهدفت البنى التحتية وشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء والإنترنت في كل أحياء المخيم وأزقته"، موضحًا أن هذا فاقم صعوبة الحياة داخل المخيم، وجعله بيئة طاردة للسكان بسبب انعدام الخدمات، "وحاليًا هناك أزمة مياه، وهناك نزوح من المخيم بسبب هذه الأزمة".
وأكد نغنغية أن ما فاقم حدّة الأزمة، هو عدم المتابعة وعدم الإصلاح المنتظم بعد الاجتياحات السابقة، "وهذا أدى إلى عدم وجود منطقة صالحة للمرور والحياة في كل المخيم"، معقبًا: "المخيمات دائمًا على الهامش بالنسبة للسلطة الفلسطينية".
ويزيد: "طالبنا الحكومة بإنقاذ وإسعاف المخيم؛ لتعزيز صمود المواطنين، إلا أن مطالباتنا دائما تواجه بذرائع شُحّ الموارد والإمكانيات، بينما تقتصر الاستجابة غالبًا على التدخل البسيط جدًا".
وتابع: "السلطة تتذرع بأنه لا فائدة من صيانة الطرق؛ لأن الاحتلال مستمر في التدمير والتجريف ولا يوجد ضمانات"، مستدركًا بقوله: "لكن نحن نطالب بتعزيز صمود المواطنين في المخيم، لتمكين النازحين عنه العودة".
ولفت نغنغية إلى أن هناك 150عائلة خارج المخيم منذ شهر يوليو/ تموز 2023م حتى اليوم، وأكثر من 200 عائلة تضررت بيوتها بشكل كبير جدًا، وأصبحت غير صالحة للسكن، وهؤلاء يجب أن يتم منحهم الأولوية.
وبيّن أن 80% من التعويضات والمساعدات داخل المخيم هي من قبل "أنوروا"، وليست من قبل مؤسسات السلطة الفلسطينية.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 400 محل تجاري ووحدة سكنية وسيارة تم تدميرها بالكامل على مدار الاجتياحات، ووعدت السلطة بتعويض أصحابها، لكن لم يتم تعويض أحد حتى اليوم، "وحتى من أصابتهم أضرار جزئية في بيوتهم، لم يساعدهم أحد على صيانتها" وفق قوله.
وأكد أن هذا الاجتياح هو الأصعب منذ بداية الحرب على غزة، فقد ضرب الاحتلال البنى التحتية في المخيم وأغلب الأحياء لم تعد تتوفر فيها الخدمات الأساسية.
وبيّن أن لجنة المتابعة والإسعاف، تحاول تلبية الاحتياجات الأساسية للعائلات من خبزٍ وماء ومواد غذائية وحليب أطفال وغير ذلك، معقبًا بقوله: "هذا كله بجهود شباب مخيم جنين، والمواطنين من القرى المجاورة الذين هبوا لمساعدتهم من باب التكافل الاجتماعي، وليس من أي جهة رسمية فلسطينية".
يوجه نغنغية رسالةً إلى الرئيس محمود عباس، مفادها ضرورة الوقوف العاجل على احتياجات مخيم جنين، ومساعدة أهله.
ووجه نغنغية رسالةً إلى الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد مصطفى، وجميع الوزراء الفلسطينيين، مفادها ضرورة الوقوف العاجل على احتياجات مخيم جنين، ومساعدة أهله، وتشكيل لجانٍ فنيّة ميدانية ترصد الاحتياجات وتعمل على توفيرها "فالمبادرات الشبابية لا تستطيع توفية النواقص الكثيرة وحدها".
حاولنا الحصول على تعقيب من كل من محافظتي طولكرم وجنين، والوقوف على الدور الذي تقومان به من أجل إسعاف السكان في ظل ما يتعرضون له من هجمة شرسة، وتعزيز صمود المواطنين، إلا أننا لم نحصل على أية ردود منهم حتى لحظة نشر هذا التقرير.